انشقاق القمر

إسم الكاتب : أبو الحسن علي الرملي


  • من صحيح السيرة النبوية:

    40- انشقاق القمر

    قال ابن كثير في سيرته (2/ 113):

    فصل في انشقاق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل الله له آية على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى ودين الحق، حيث كان ذلك وقت إشارته الكريمة.

    قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 1-3]

    وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام، وجاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها.

    ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان، وقد تقصينا ذلك في كتابنا التفسير، فذكرنا الطرق والألفاظ محررة، ونحن نشير هاهنا إلى أطراف من طرقها، ونعزوها إلى الكتب المشهورة بحول الله وقوته.

    وذلك مروي عن 1- أنس بن مالك، 2- وجبير بن مطعم، 3- وحذيفة، 4- وعبد الله بن عباس، 5- وعبد الله بن عمر، 6- وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

    قلت: حديث أنس وابن مسعود وابن عباس في الصحيحين، وحديث ابن عمر انفرد به مسلم، وجاء كذلك من حديث 7- علي بن أبي طالب، ذكره شيخنا الوادعي في الصحيح المسند من دلائل النبوة (ص152)، وفي صحته نظر.

    ثم ذكرها ابن كثير بأسانيدها مخرجة، سنذكر منها ما هو في الصحيحين أولاً، ونذكر المتن من المصدر مباشرة إن شاء الله، ثم نكتفي بذكر ما صح منها فقط. والله المعين.

    1. حديث أنس

    أخرج البخاري (3868)، ومسلم (2802) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراء بينهما». اللفظ للبخاري. وفي لفظ عند مسلم: «فأراهم انشقاق القمر مرتين»

    قال ابن كثير: وهذا من مرسلات الصحابة، والظاهر أنه تلقاه عن الجم الغفير من الصحابة، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الجميع.

    1. حديث عبد الله بن مسعود

    أخرجه البخاري (3868)، ومسلم (2802)، قال البخاري: عن عبد الله رضي الله عنه، قال: انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، فقال: «اشهدوا» وذهبت فرقة نحو الجبل، وقال: أبو الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، انشق بمكة، وتابعه محمد بن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله.

    وفي لفظ عند مسلم: عن عبد الله بن مسعود، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فِلْقتين، فستر الجبل فِلقة، وكانت فِلقة فوق الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد».

    1. حديث ابن عباس

    أخرجه البخاري (3870)، ومسلم (2803)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «أن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم».

    1. حديث ابن عمر

    أخرجه مسلم (2801)، وقال مثل حديث ابن مسعود.

    1. حديث جبير بن مطعم

    أخرجه أحمد في مسنده (4/ 81) عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فِرقتين: فِرقة على هذا الجبل، وفِرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم».

    1. حديث حذيفة بن اليمان

    أخرج الحاكم في المستدرك عن عَطَاء بن السَّائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال جَمّعت مع حذيفة رضي الله عنه بالمدائن، فسمعته يقول: "إنَّ الله عز وجل يقول: {اقتربت الساعة وانشق القمر} ألا إن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن المضمار اليوم والسبق غداً..." انتهى

    جزء سفيان الثوري (171)، والحاكم في المستدرك (4/ 651) وأخرجه غيرهم، ورواه عن عطاء جمع منهم من روى عنه قبل الاختلاط كسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج. والله أعلم

    قال ابن كثير: فهذه طرق متعددة قوية الأسانيد، تفيد القطع لمن تأملها وعرف عدالة رجالها.

    وما يذكره بعض القصاص من أن القمر سقط إلى الأرض حتى دخل في كم النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من الكم الآخر، فلا أصل له، وهو كذب مفترًى ليس بصحيح.

    والقمر حين انشق لم يزايل السماء، غير أنه حين أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم انشق عن إشارته فصار فِرقتين، فسارت واحدة حتى صارت من وراء حراء، ونظروا إلى الجبل بين هذه وهذه.

    كما أخبر بذلك ابن مسعود أنه شاهد ذلك.

    وما وقع في رواية أنس في مسند أحمد: " فانشق القمر بمكة مرتين " فيه نظر، والظاهر أنه أراد فرقتين. والله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله.


    كتبه أبو الحسن علي الرملي
    13/ 8/ 1440

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم