29- إسلام عمر بن الخطاب


  • من صحيح السيرة النبوية:

    29- إسلام عمر بن الخطاب

    أخرج البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في مسجد الكوفة يقول: «والله لقد رأيتني، وإن عمر لَمُوثِقِي(1) على الإسلام، قبل أن يسلم عمر...».

    وأخرج الترمذي وغيره عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب».

    وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبأ(2) عمر- وأنا غلام، فوق ظهر بيتي- فجاء رجل عليه قَباء من دِيباج(3)، فقال: قد صبأ عمر فما ذاك، فأنا له جار(4)، قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه(5)، فقلت: من هذا؟ قالوا: العاص بن وائل ".

    قال ابن اسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال:

    لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟

    فقيل له: جميل بن معمر الجمحي.

    فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت، ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم؟

    قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.

    قال: يقول عمر من خلفه: كذب؛ ولكني قد أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم.

    قال: وطلح (6) فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول:

    افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.

    قال: فبينما هم على ذلك؛ إذ أقبل شيخ من قريش - عليه حُلَّةُ حِبَرَةٍ (7)، وقميص موشى - حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: صبأ عمر. قال: فمه رجل اختار لنفسه أمراً، فماذا تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟ خلوا عن الرجل.

    قال: فوالله لكأنما كانوا ثوباً كُشِط عنه(8).

    قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك ب (مكة) يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟

    قال: ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي.

    قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر؛ لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت أحد في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزاً يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين. والله أعلم

    قال ابن إسحاق: ولمَّا قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردَّهم النجاشي بما يكرهون، وأسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلاً ذا شَكيمة (9)، لا يُرام ما وراء ظهره (10)؛ امتنع به أصحاب رسول الله وبحمزة؛ حتى غاظوا قريشاً.

    فكان عبد الله بن مسعود يقول:

    ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه.

    وقال زياد البكائي: حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال: قال ابن مسعود:

    إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر؛ قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه. انتهى.


    قال ابن كثير: وثبت في «صحيح البخاري» عن ابن مسعود أنه قال:

    ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب. انتهى.


    قلت: ولا تصح قصة إسلام عمر عند دخوله على أخته وضربها وزوج أخته وخباب بن الأرت. والله أعلم.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ربطه بسبب إسلامه؛ إهانة له وإلزاماً بالرجوع عن الإسلام.
    (2) ترك دين آبائه إلى دين آخر.
    (3) ثوب من الحرير يلبس فوق الثياب.
    (4) يعني أدخله في جواري، أحفظه وأحميه من أن يظلمه أحد.
    (5) تفرقوا عنه.
    (6) تعب.
    (7) نوع من الثياب، برد مخططة بالوشي وهو النقش.
    (8) أصل الكلمة: الكشط: رَفْعُكَ شَيْئاً عَن شَيْءٍ قد غطاهُ وغَشِيهُ من فوقِه، كَمَا يُقْشَطُ الجِلْدُ عَن السَّنامِ وَعَن المسلوخةِ. يعني كانوا اجتمعوا عليه فلما قال العاص ما قال؛ تركوه وتفرقوا عنه، فشببه بالثوب الذي يغطي المرء ثم ينزع عنه.
    (9) يعني قوي النفس.
    (10) أي لا يُطلب ما وراء ظهره، أي لقوته لا يقدر أحد عليه ولا على ما يحميه.


     

    كتبه أبو الحسن علي الرملي

    8 / 2 /1440 هجري

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم