• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: الاتباع وترك آراء الرجال
  • رقم الفتوى: 1433
  • تاريخ الإضافة: 9 رجب 1440
  • السؤال
    نجد في كلام أهل السنة ودروسهم؛ حثَّاً على اتباع السلف واقتفاء آثارهم وفهم النصوص كما فهموها؛ لماذا يلزمنا اتباعهم ولزوم طريقهم؛ بينما يمكن لكل واحد من الناس أن يفهم الشرع والنصوص الشرعية بفهمه؛ فإن للسلف عقولاً ولنا عقول؟
  • الاجابة

    قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}؛ فهؤلاء المؤمنون الذين كانوا عند نزول الآية هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالواجب أن نسير على طريقتهم؛ فقد توعد الله من خالف طريقهم.

    وكذلك قال الله تعالى:{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}؛ فكان الرضا من نصيب الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان.

    فهذه كلها وغيرها آيات تدلُ على أن الناجي هو من يتبع منهج السلف رضي الله عنهم.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ.. "؛ أي الزموا سنتي؛ وهي طريقتي؛ وهي كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً، وكذلك سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي الزموها، وعضوا عليها بالنواجذ؛ وهي الأضراس، واحرصوا عليها وتمسكوا بها.

    وكذلك قال عليه السلام:".. وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة"، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: " الجماعة" وفي رواية: "ما أنا عليه وأصحابي".

    وقال ابن مسعود رضي الله عنه:( اتبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كفيتم)؛ أي اتبعوا الكتاب والسنة ومنهج الصحابة رضي الله عنهم؛ فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده هذا الدين والشرع بياناً واضحاً لا خفاء فيه ، ولا تبتدعوا لأن سلفكم قد كَفَوكم أمر بيان هذا الدين وتوضيح معناه؛ فواجبكم فقط الاتباع؛ واجبكم أن تعلموا ما كانوا عليه وتتبعونه.

    هذا ما أمر به الله سبحانه وتعالى وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وبينه أصحابه رضوان الله عليهم ومن اتبعهم.

    وقال عمر بن عبد العزير رضي الله عنه كلاماً معناه: (قِفْ حَيْثُ وَقَف القَوْمُ ، فإنَّهم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا ، وَبِبَصَرٍ نافِذٍ كَفُّواْ ولَهُمْ على كَشْفِهَا كَانُوا أَقْوَى، وبالفَضْلِ لو كانَ فِيهَا أَحْرَى، فَلئِنْ قُلْتُم : حَدَثَ بَعْدَهُم؛ فَمَا أَحْدَثَهُ إِلاَّ مَنْ خَالفَ هَدْيَهُمْ، ورَغِبَ عن سُنَّتِهِم، وَلَقدْ وَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، وَتَكَلَّمُواْ منه بِمَا يَكْفِي، فَمَا فَوْقُهُمْ مُحَسِّرٌ، وَمَا دُونهُمْ مُقَصِّرٌ، لَقَدْ قَصَّرَ عَنْهم قَوْمٌ فَجَفَوا، وَتَجَاوَزَهُم آخرون فَغَلَوا، وإنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلك عَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ)

    أي ما بينه السلف الصالح رضي الله عنهم واتبعوه ووضحوه من السنة ؛ فخذ به واعمل به، وما سكتوا عنه وانتهوا عن الخوض فيه؛ فاسكت عنه وانتهِ عن الخوض فيه، وقف حيث وقفوا؛ فإنهم وقفوا ولم يتكلموا في بعض المسائل عن علم وبصيرة قوية، وكانوا يعرفون لماذا وقفوا ولم يتكلموا، وقد كان علمهم أقوى من علم من جاء عدهم وأكثر وأغزر، فلو كان هناك ما يحتاج للكلام بعلم؛ فهم كانوا أولى وأقدر على استخراجه وبيانه، ولو كان في كشفه فضل؛ فهم أحرص الناس على الفضل وعلى الخير.

    ومن يحتج بأنها أمور حدثت بعدهم؛ فإنما أحدثها من خالف هديهم ورغب عن سنتهم وزهد في طريقهم وخالفها؛ فإنهم قد وصفوا في أمر الدين ما يشفي المحتاج، وتكلموا منه ما يكفي؛ فلسنا بحاجة للزيادة، فمن زاد على طريقهم وكلامهم؛ متعب نفسه من غير فائدة، ومن دونهم مقصر في طلب الحق، ومن الناس من قصر عنهم وتباعد وجفا، ومنهم من تجاوزهم وغلا؛ وهذا منهي عنه شرعاً؛ وإنما السلف بين الغلو والتقصير، وبين الإفراط والتفريط؛ وهذا هو منهج السلف رضي الله عنهم وهذه طريقتهم.

    وكذلك قال الأوزاعي رحمه الله: ( عليك بآثار من سلف؛ وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول)؛ أي: الزم طريق السلف ولا تتركها؛ وإن تبرأ منك الناس وتركوك وحذروا منك، ولا تبالي بهم، فإن كنت على الجادّة ؛ فسيعزُّك الله.

    وإياك والآراء العقلية؛ فإن الرأي العقلي من أعظم ما يفسد الاتباع ويضاده؛ وإن زينوه لك باللسان الجميل فلا تبالي به، فبما أنه خارج من الرجال؛ فلا تنظر إليه؛ فالعبرة بقول الله تبارك وتعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرون الثلاثة الأولى كلها التي كانت على الجادة، وكان الحق فيها ظاهراً قوياً منتشراً، انظر الفتوى رقم (1496).
    ومن خالف الاتباع وقع في الابتداع ولابد، وانظر ما يتعلق بالبدعة الفتوى رقم (1405).
    وانظر لتتمة الأدلة وكلام علماء السلف في هذا 
    كتاب الشريعة للآجري(1/ 302) و(1/ 398)، وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (1/ 20) و(1/ 82) و(1/ 107).

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم