• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: التكفير بالذنوب
  • رقم الفتوى: 1636
  • تاريخ الإضافة: 2 شعبان 1440
  • السؤال
    نجد في عبارة بعض أهل العلم قولهم: (لا نكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل) غير أن هناك أعمالاً يعملها منتسب للإسلام هي من الكفر؛ فكيف لا يكفر بعمله هذا؟
  • الاجابة

    هذا الكلام ليس على إطلاقه، فالأصح أن يُقال: (لا نُكفِّر أحداً من أهل القبلة بالذنب أو بأي ذنب) أو (لا نُكفِّر أحداً من أهل القبلة بكل ذنب).

    فمن الذنوب ما يكفر فاعله بالاتفاق، فإذا كان الذنب من نواقض الإسلام، قد ثبت بدليل الكتاب أوالسنة أو الإجماع أنه ناقض من نواقض الإسلام، فهذا نكفِّره؛ لأن الله سبحانه وتعالى كفَّره وليس نحن، فالتكفير يكون مرجعه إلى الكتاب والسنة، فأي عمل حُكم عليه في الشرع سواء كان في الكتاب أو السنة بأنه كفر؛ فنكفِّر صاحبه، إذا تحققت الشروط فيه وانتفت الموانع، فمن سب الله فهو كافر، ومن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وكذلك من سجد للصنم أو داس على المصحف، فمثل هذه الذنوب نحكم على فاعلها بالكفر؛ لأنه ثبت بدليل الكتاب والسنة أن فاعل هذا الفعل كافر.

    أما مرتكب الكبيرة التي لم يثبت في الشرع أنها كفر؛ فلا نحكم عليه بالكفر؛ لأنه لم يرد في الكتاب والسنة أنه كافر؛ بل هو مسلم فاسق، أو نقول هو مؤمن ناقص الإيمان، أو نقول هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولكنه ليس بكافر.

     فلا نكفر صاحب الكبيرة كما يفعل الخوارج، الخوارج هم الذين يكفرون أصحاب الكبائر، أما أهل السنة والجماعة فلا يكفرون أصحاب الكبائر؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة دلَّت على أنهم ليسوا كفاراً.

    منها ما أخرجه البخاري(5827)، ومسلم(94)، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض، وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: " ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر قال أبو عبد الله -أي البخاري-: هذا عند الموت، أو قبله إذا تاب وندم، وقال: لا إله إلا الله، غفر له. انتهى 

    إذن فالزاني والسارق وغيرهما من أصحاب الكبائر هم من أهل الجنة إذا ماتوا على التوحيد، ولكنهم معرضون للعذاب، إن شاء الله سبحانه وتعالى عذبهم على ذنوبهم، وإن شاء عفا عنهم؛ لقول الله تبارك وتعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فصاحب الكبيرة تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه على كبيرته.

    لكن من أهل الكبائر من يعذب في نار جهنم؛ فلا يتَّكِلَنَّ أحد على ذلك، فبعض أهل الكبائر أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سيعذبون، وأنهم سيخرجون من نار جهنم بالشفاعة. والله أعلم 

    قال الإمام البخاري: " لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، لقيتهم كرات قرناً بعد قرن، ثم قرناً بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة؛ أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، والبصرة أربع مرات، في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان ...." فسمى جماعة منهم، فقال: "واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصراً وأن لا يطول ذلك، فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء..." إلى أن قال: "ولم يكونوا يكفرون أحداً من أهل القبلة بالذنب؛ لقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]". انتهى. شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 193).

    وفي عقيدة أبي حاتم الرازي وأبي زرعة الرازي، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، قالا : "ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم، ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل". شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 197). والله أعلم 

    قال ابن باز: فإن أهل السنة يعتقدون أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والتزم بمعناها ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام، فإنه يجب الكف عنه وحسابه على الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل»، ومن عقيدة أهل السنة أن المسلم لا يكفر بذنب من الذنوب التي دون الشرك، ولا يخرج من الإسلام بعمل من الأعمال التي لا تلحقه بالمشركين، خلافاً للخوارج لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. مجموع الفتاوى (3/ 81).

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم