• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: شبهة الخروج على وليِّ الأمر المسلم لإنكار المنكر
  • رقم الفتوى: 1658
  • تاريخ الإضافة: 7 شعبان 1440
  • السؤال
    يستدل بعض الناس بنصوص شرعية فيها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجوب الخروج على الحاكم الظالم، وإنكار المنكر الواقع منه، ووجوب تغييره إن لم يأتمر بالمعروف وينته عن المنكر، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». فهل هذا صحيح؟
  • الاجابة

    لا، ليس صحيحاً، لا يجوز الخروج على ولي الأمر (الحاكم) المسلم، ولا ترك طاعته إذا أمر بأمر لا يخالف الشرع؛ ما لم نر منه كفراً بواحاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لم تروا منه كفراً بواحاً"، فما لم نرَ منه كفراً ظاهراً واضحاً؛ فالواجب أن نسمع له ونطيع بالمعروف.

    وأما الذين يستدلون بهذا الدليل وغيره من أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنما يفعلون ذلك ليجيزوا لأنفسهم الخروج على الحاكم المسلم، وهؤلاء ضلّال على طريقة الخوارج.

    والأدلة التي يستدلون بها كلها أدلة عامة، جاء ما يخصصها ويبينها في مسألة ولي الأمر.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم». متفق عليه(1).

    فأنت ترى في هذا الحديث قد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أننا سنرى منهم منكرات، ومع ذلك لم يأمر بالخروج عليهم بل أمر بالصبر.

    وقال عبادة بن الصامت: فكان فيما أخذ علينا: «أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان». متفق عليه(2) 

    وهذا واضح في دلالته مع وجود المنكر منهم باستئثارهم بالخيرات على المسلمين إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من منازعتهم والخروج عليهم ما لم نر منهم كفراً واضحاً بيناً منصوصاً عليه، وليس مما يَختلف في مثله أهل الحق.

    وقال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع» قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا». أخرجه مسلم(3).

    انظر في هذا كيف منع من قتالهم بعد استئذانه في قتالهم، لما ذكر من وقوع المنكرات منهم، حتى يتركوا الصلاة.

    فهذه الأدلة وغيرها؛ أدلة خاصة مبينة وردت في ولاة الأمور؛ يجب علينا أن نقف عندها؛ فالدليل الخاص المبين أقوى من غيره فيقدم عليه.

    هذه الأدلة أدلة في ولي الأمر أن الإنكار عليه لا يكون بالخروج عليه إلا أن نرى منه كفراً بواحاً؛ هذا هو الواجب، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وليس هذا إلا حقناً للدماء، وارتكاباً للمفسدة الصغرى دفعاً للمفسدة الكبرى؛ لأن الخروج على الحاكم يؤدي إلى مفاسد كبيرة جداً؛ منها التفرق والاختلاف والتشتت، ومنها سفك الدماء وانتهاك الأعراض، وأشياء كثيرة.

    وترى الناس كلهم اليوم قد أدركوا هذا ورأوا بأعينهم هذه المفاسد العظيمة التي ترونها والتي تترتب على الخروج على الحاكم؛ وأراد الشرع الحكيم القضاء عليها وسدَّ أبوابها بالصبر على الحاكم الجائر إلى أن يستريح برٌّ أو يُستراح من فاجر.

    وأما قوله (ومن أنكر سلم) بقلبه ولم يتابعهم عليه، فواضح أن المراد في الكيفية في الإنكار ليست كما ذهب إليه الخوارج بالخروج عليه؛ ففي نفس الحديث منع من قتالهم.

    فإن قال قائل: فكيف يكون الإنكار على ولاة الأمر، وتغيير المنكر؟

    قلنا: نرجع إلى الصحابة ونتعلم منهم، فلما رجعنا إلى الصحابة في كيفية الإنكار عليهم، وجدنا الجواب عندهم

    فعَلَّمونا رضي الله عنهم كيفية الإنكار على ولي الأمر بالطريقة التي لا تؤدي إلى الفوضى وسفك الدماء ولا تعود على الإسلام والمسلمين بالضرر.

    فعن سعيد بنِ جبير قال : قلتُ لابن عباس: آمرُ السُّلطانَ بالمعروفِ وأنهاه عن المنكر؟ قال: إنْ خِفتَ أن يقتُلَك، فلا، ثم عُدْتُ، فقال لي مثلَ ذلك، ثم عدتُ، فقال لي مثلَ ذلك، وقال: إنْ كنتَ لا بدَّ فاعلاً، ففيما بينَك وبينه(4).

    وعن شقيق، عن أسامة بن زيد، قال: قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه، ولا أقول لأحد، يكون علي أميراَ: إنه خير الناس بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه ". متفق عليه(5).

    فخلاصة الأمر تنكر المنكر بقلبك، ولا ترضى به ولا تعنهم عليه، وإذا استطعت الوصول إليهم كلمتهم بينك وبينهم حتى لا تفتح باب شر على الأمة، وأما الإنكار عليهم باليد بالخروج عليهم فهذا لا يجوز. والله أعلم 

    قال أبو عثمان الصابوني مبيناً عقيدة أهل السنة - السلف الصالح - في ولاة الأمر المسلمين(ص32): "ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين، وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً. ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف. ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل". انتهى

    وقال الإمام أحمد في أصول السنة(ص46): ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة؛ فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. انتهى

    وقال الآجري في الشريعة(1/ 373): "باب في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين، والصبر عليهم وإن جاروا، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة".

    وذكر أدلة وآثاراً إلى أن روى عن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا أدري لعلك أن تخلف بعدي فأطع الإمام، وإن أُمِّر عليك عبد حبشي مُجَدَّع، وإن ظلمك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن دعاك إلى أمر ينقصك في دنياك فقل: سمعاً وطاعة، دمي دون ديني ".

    قال محمد بن الحسين: فإن قال قائل: إيش الذي يحتمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله؟ قيل له: يحتمل -والله أعلم- أن نقول: من أُمِّرَ عليك من عربي أو غيره أسود أو أبيض أو عجمي فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقاً لك، أو ضربك ظلماً لك، أو انتهك عرضك، أو أخذ مالك، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه، وقد يحتمل أن يدعوك إلى منقصة في دينك من غير هذه الجهة، يحتمل أن يأمرك بقتل من لا يستحق القتل، أو بقطع عضو من لا يستحق ذلك، أو بضرب من لا يحل ضربه، أو بأخذ مال من لا يستحق أن تأخذ ماله، أو بظلم من لا يحل له ولا لك ظلمه، فلا يسعك أن تطيعه، فإن قال لك: لئن لم تفعل ما آمرك به وإلا قتلتك أو ضربتك، فقل: دمي دون ديني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل»، ولقوله صلى الله عليه وسلم «إنما الطاعة في المعروف». انتهى 

    وانظر السنة للخلال (1/ 57 و73) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي(7/ 1256) والله أعلم 

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أخرجه البخاري(7052)، ومسلم(1843).

    (2) أخرجه البخاري(7056)، ومسلم(1709).

    (3) أخرجه مسلم(1854).

    (4) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (486)، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(80)، والبيهقي في شعب الإيمان(7186).

    (5) أخرجه البخاري(3267)، ومسلم(2989).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم