• نوع الفتوى: حديث
  • عنوان الفتوى: اختلاف أمتي رحمة
  • رقم الفتوى: 1889
  • تاريخ الإضافة: 29 شعبان 1440
  • السؤال
    هل حديث: "اختلاف أمتي رحمة" صحيح؟ وما المعنى المراد منه؟
  • الاجابة

    هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ، أي لا إسناد له فلا يصح، وورد بلفظ آخر: اختلاف أصحابي لكم رحمة، ولا يصح.

    وأحسن من تكلم عليه من حيث العزو السخاوي في المقاصد الحسنة (39)، ومن حيث المعنى الألباني في الضعيفة (57).

    قال الألباني رحمه الله: لا أصل له. 

    ثم قال: ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء، فقال العلامة ابن حزم في " الإحكام في أصول الأحكام " (5 / 64) بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث:
    وهذا من أفسد قول يكون؛ لأنه لوكان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً، وهذا ما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط.
    وقال في مكان آخر: باطل مكذوب، كما سيأتي في كلامه المذكور عند الحديث (61) .
    وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيراً من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة، ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة، كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم، بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة! يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا برد بعضها المخالف
    للدليل، وقبول البعض الآخر الموافق له، وهذا ما لا يفعلون! وبذلك فقد نسبوا إلى الشريعة التناقض! وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله تعالى في حق القرآن: {ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله، فكيف يصح إذن جعله شريعة متبعة، ورحمة منزلة؟ .
    وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية، ولو أنهم كانوا يرون أن "الخلاف شر" كما قال ابن مسعود وغيره رضي الله عنهم ودلت على ذمه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة، لسعوا إلى الاتفاق، ولأمكنهم ذلك في أكثر هذه المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يعرف بها الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ثم عذر بعضهم بعضاً فيما قد يختلفون فيه(1)، ولكن لماذا هذا السعي وهم يرون أن الاختلاف رحمة، وأن المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة! وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد، تجد فيها أربعة محاريب يصلى فيها أربعة من الأئمة!
    ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة مع إمامهم كأنهم أصحاب أديان مختلفة! وكيف لا وعالمهم يقول: إن مذاهبهم كشرائع متعددة! يفعلون ذلك وهم يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " رواه مسلم وغيره، ولكنهم يستجيزون مخالفة هذا الحديث وغيره محافظة منهم على المذهب كأن المذهب معظم عندهم ومحفوظ أكثر من أحاديثه عليه الصلاة والسلام! وجملة
    القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن؛ لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ، أما الرضا به وتسميته رحمة فخلاف الآيات الكريمة المصرحة بذمه، ولا مستند له إلا هذا الحديث الذي لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهنا قد يرد سؤال وهو: إن الصحابة قد اختلفوا وهم أفاضل الناس، أفيلحقهم الذم المذكور؟ .
    وقد أجاب عنه ابن حزم رحمه الله تعالى فقال (5 / 67 - 68) : كلا ما يلحق أولئك شيء من هذا، لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله، ووجهته الحق، فالمخطئ منهم مأجور أجراً واحداً لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين، وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين ولم يبلغه(1)، وإنما الذم المذكور والوعيد المنصوص، لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى وهو القرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص إليه وقيام الحجة به عليه، وتعلق بفلان وفلان، مقلداً عامداً للاختلاف، داعياً إلى عصبية وحمية الجاهلية، قاصداً للفرقة، متحرياً في دعواه برد القرآن
    والسنة إليها، فإن وافقها النص أخذ به، وإن خالفها تعلق بجاهليته، وترك القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم المختلفون المذمومون.
    وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم، مقلدين له غير طالبين ما أو جبه النص عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ويشير في آخر كلامه إلى " التلفيق " المعروف عند الفقهاء، وهو أخذ قول العالم بدون دليل، وإنما اتباعاً للهو ى أو الرخص، وقد اختلفوا في جوازه، والحق تحريمه لوجوه لا مجال الآن لبيانها، وتجويزه مستوحى من هذا الحديث
    وعليه استند من قال: " من قلد عالماً لقي الله سالماً "! وكل هذا من آثار الأحاديث الضعيفة، فكن في حذر منها إن كنت ترجوالنجاة {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} . انتهى 

    ــــــــــــــــــــــــــ

    (1) انظر التفصيل في الاتباع والتقليد والعذر بالجهل ومتى يعذر المخالف ومتى لا يعذر في الفتوى رقم (1433) و(1540) و(522)

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم