• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: البناء على القبور
  • رقم الفتوى: 275
  • تاريخ الإضافة: 7 مٌحَرم 1440
  • السؤال
    كيف نرد على من يستدل بالآية : {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}[الكهف 21] على جواز البناء على القبور؟
  • الاجابة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:

    فاعلم أخي علمني الله وإياك أن أهل الباطل يسعون دائماً إلى نشر باطلهم وترويجه والدعوة إليه، ويستعملون في ذلك شتى أنواع الطرق ولو كانت غير مشروعة، ومن ذلك استدلالهم بالنصوص في غير موضعها، ويلوون أعناق النصوص لتوافق منهجهم وطريقتهم التي هم عليها.

    ومن أخبث تلك الطوائف الصوفية والرافضة ومن نحا نحوهم، حيث إنهم يستدلون بجواز البناء على القبور والصلاة إليها بقوله تعالى: {  قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا } ولا دليل في الآية على ذلك إذ في الآية حكاية لقول أصحاب القرار والغلبة لا غير، وليس فيها إقرار من الله على رأيهم أو عدم إنكار منه عز وجل، وكيف يقال: لا إنكار؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى بسبب مثيل فعلهم، و إنكار رسول الله كإنكار الله تعالى؛ لأن شريعة الله واحدة، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وحي من الله تعالى، قال الألوسي رحمه الله : "مَذْهَبُنا في شرعِ مَنْ قَبْلَنا وإِنْ كان أنه يَلْزَمُنا على أنه شريعتُنا، لكِنْ لا مُطلقًا، بل إِنْ قصَّهُ اللهُ تعالى علينا بلا إنكارٍ، وإنكارُ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم كإنكاره عزَّ وجلَّ، وقد سمعتَ أنه عليه الصلاةُ والسلام لَعَنَ الذين يَتَّخِذون المساجدَ على القبور، على أنَّ كَوْنَ ما ذُكِرَ مِنْ شرائعِ مَنْ قَبْلَنا ممنوعٌ، وكيف يُمْكِنُ أَنْ يكون اتِّخاذُ المَساجِدِ على القبور مِنَ الشرائع المُتقدِّمةِ مع ما سَمِعْتَ مِنْ لعنِ اليهود والنصارى حيث اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مَساجِدَ، والآيةُ ليسَتْ كالآيات التي ذَكَرْنا آنفًا احتجاجَ الأئمَّةِ بها، وليس فيها أَكْثَرُ مِنْ حكايةِ قولِ طائفةٍ مِنَ الناسِ وعَزْمِهم على فعلِ ذلك، وليسَتْ خارجةً مَخْرَجَ المدحِ لهم والحضِّ على التأسِّي بهم؛ فمتى لم يَثْبُتْ أنَّ فيهم معصومًا لا يدلُّ فِعْلُهم ـ فضلًا عن عَزْمِهم ـ على مشروعيةِ ما كانوا بصَدَدِه، وممَّا يُقَوِّي قِلَّةَ الوثوقِ بفعلهم القولُ بأنَّ المرادَ بهم الأمراءُ والسلاطينُ كما رُوِيَ عن قَتادةَ.

    وعلى هذا لقائل أن يقول: إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور، فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده، وكف التعرض لأصحابه، فلم يقبل الأمراء منهم، وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد " اهـ من روح المعاني.

    وقال ابنُ رجبٍ ـ رحمه الله ـ: «فجَعَلَ اتِّخاذَ القبورِ على المَساجِدِ مِنْ فِعْلِ أهلِ الغَلَبَة على الأمور، وذلك يُشْعِرُ بأنَّ مُسْتَنَدَهُ القهرُ والغَلَبةُ واتِّباعُ الهوى، وأنه ليس مِنْ فعلِ أهلِ العلم والفضلِ المتَّبِعين لِما أَنْزَلَ اللهُ على رُسُلِه مِنَ الهدى» اهـ من فتح الباري له.

    وعلى كل حال فالناظر في أدلة الشرع يجد أن الله تعالى أمرنا بعبادته وحده، ونهانا عن الإشراك به في آيات لا تحصى، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} قوله سبحانه : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.

    وكما حرّم الله تعالى القرب من كل وسيلة تؤدي إلى الشرك به سبحانه فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تنهى عن الغلو في قبور الصالحين بالتبرك بها والبناء عليها ودعاء الله عندها، وغيرها من مظاهر الغلو المؤدية إلى الشرك، ومن هذه الأحاديث:

    ما جاء عن عائشة رضي الله عنها: "أن أم سلمة ذكرت لرسول الله ﷺ كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال:" أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله". أخرجه البخاري ومسلم.

    ولهما عن عائشة نفسها قالت: "لما نُزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال - هو كذلك-: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا".

    ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد؛ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك".

    فكل هذه النصوص الصحيحة الصريحة تدل على ما أسلفناه من نهي الشريعة عن الشرك ومظاهره والوسائل المؤدية إليه ومن أعظم أسباب الشرك ووسائله البناء على القبور؛ لأنه مدعاة إلى إقامة العبادة عندها، ومن ثم عبادة أصحاب القبور أنفسهم كما هو مشاهد، وكما حصل مع الأمم التي قبلنا، فلا يأت آت ويتبع المتشابه ويستدل به من أجل تسويغ ما لعن النبي صلى الله عليه فاعله وما تظافرت الأدلة لبيان تحريمه وفحشه، بل الواجب جمع أدلة الباب والنظر فيها لاستخراج الحكم الشرعي ومن فعل هذا في مسألتنا تبين له بطلان ما قيل في السؤال.

    والله أعلم

     

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم