• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: خطبة العيد
  • رقم الفتوى: 2291
  • تاريخ الإضافة: 27 رمضان 1440
  • السؤال
    هل تشرع الخطبة لصلاة العيد؟ وهل هي خطبة واحدة أم خطبتان ؟
  • الاجابة

    نعم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب في العيد بعد الصلاة.

     قال أبو سعيد الخدري: كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم... إلخ([1]).

    وقال ابن عباس: «شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة»([2]) .

    وأما عدد الخطب؛ فالذي عليه السلف جميعاً أنهما خطبتان، ولم أجد أحداً من السلف قال بخطبة واحدة، ولا يوجد نص صريح في كونها خطبة واحدة، لذلك يرجع في فهم النصوص إلى ما كان عليه السلف رضي الله عنهم، فالدين ما علموه ونقلوه لنا.

    فلما لم يفهموا من النصوص ما فهمه بعض العلماء المتأخرين، وقاسوا خطبة العيد على خطبة الجمعة، وذكر بعض الحفاظ عدم علمه بالخلاف في ذلك؛ لم يسعنا إلا الأخذ بقولهم والقول به. والله أعلم

    ولمن أراد التفصيل هذا بحث لأحد طلبة العلم وقفت عليه رأيته جيداً في المسألة سأنقله وأتصرف فيه قليلاً بزيادة وحذف.

    قال: المسألة من حيث الأدلة فيها

     ١-أدلة صريحة (ضعيفة) تثبت خطبتين.

    ٢-أدلة صحيحة (غير صريحة) تثبت خطبة واحدة.

    وأما من حيث أقوال السلف فلم نجد سوى قول واحد وهو القول بخطبتين.

    وأما أقوال العلماء عموماً من السلف والخلف؛ ففيها قولان:

    القول الأول:أن لصلاة العيد خطبة واحدة. وقد اختاره العلامة ابن عثيمين والمحدث الألباني وشيخنا الوادعي وأشار إليه الصنعاني. رحم الله الجميع[3] وقد صرح الشيخ ابن عثيمين أنه كان يخطب خطبة واحدة، في آخر خمس سنوات من وفاته.(لقاءاتي مع الشيخين د. عبدالله الطيار 2/ 190).

    القول الثاني:أن لصلاة العيد خطبتان، وهذا قول جماهير العلماء. وحكي إجماعاً كما سيأتي[4].

    حجة أصحاب القول الأول:

    ١-ظواهر النصوص التي يفهم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة ومنها: 

    أ-حديث جابر رضي الله عنه قال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ،ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ. رواه البخاري (978) ومسلم (885).

    ب-حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ،فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ" رواه البخاري (956) ومسلم (889).

    ج-حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ" رواه البخاري (962) ومسلم (884). فظواهر هذه النصوص، تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده؛ كانوا يقتصرون على خطبة واحدة.

    ويمكن أن يوجه هذا؛ بأن قول الصحابي "الخطبة"، لا يدل على أنها خطبة واحدة، فالمقصود جنس الخطبة لا عددها، كما يقال: "خطبة الجمعة" وهي خطبتان.

    ٢-خطبة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو قدميه. كما عند ابن ماجه (1288) وأحمد (11263) وابن حبان (2825) وأصله عند الشيخين بدونهما. وقد صححه ابن الملقن في البدر المنير5/ 85. ولذلك أقر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، الرجلَ الذي أنكر على مروان إخراج المنبر لصلاة العيد، كما عند أبي داود (1140) وأصله عند البخاري (956) ومسلم (49) بدونها.

    فلم يذكر الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج المنبر إلى المصلى، فيفهم منه تعذر جلوسه بين الخطبتين، وهذا يدل على أنها خطبة واحدة. ولكن في بعض روايات البخاري (961-4859) ومسلم (884-885) نص ابن عباس وجابر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ينزل بعد خطبته.

    وهذا يحتمل أنه ينزل من المنبر أو الراحلة أو مكان مرتفع يقف عليه، فلا ترجيح بينها في تحقيق إخراج المنبر أو الجلوس على بعير أو حجر، وقد يترجح أنه يخطب من مكان مرتفع، لأن جابر في الرواية المتقدمة ذكر أن قام متوكئاً على بلال.

    3-ما رواه عبد الرزاق (5650) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: متى كان من مضى يخرج أحدهم من بيته يوم الفطر للصلاة؟ فقال: "كانوا يخرجون حتى يمتد الضحى فيصلون، ثم يخطبون قليلاً سويعة"، يقلل خطبتهم؟ قال: "لا يحبسون الناس شيئا" قال: ثم ينزلون فيخرج الناس؟ قال: "ما جلس النبي صلى الله عليه وسلم على منبر حتى مات، ما كان يخطب إلا قائماً"، فكيف يخشى أن يحبسوا الناس؟ وإنما كانوا يخطبون قياماً لا يجلسون. إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يرتقي أحدهم على المنبر، فيقوم كما هو قائما لا يجلس على المنبر حتى يرتقي عليه، ولا يجلس عليه بعدما ينزل؟ وإنما خطبته جميعا وهو قائم، إنما كانوا يتشهدون مرة واحدة الأولى.

    ففي هذا الأثر يبين عطاء رحمه الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، لم يكونوا يخطبون إلا مرة واحدة. لكن كما هو معلوم، فإن عطاء لم يدرك أحداً منهم، فالأثر فيه انقطاع. ثم إن الخبر فيه إشكال، وهو نسبة إخراج المنبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    حجة أصحاب القول الثاني:

    1-حديث جابر رضي الله عنه عند ابن ماجه (1289) قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ.

    وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عند البزار (3/ 321) قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعِيدَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ.

    وهذه أحاديث لا تثبت. قال النووي في خلاصة الأحكام (2/ 838): لم يثبت في تكرير الخطبة شيء، كما ضعفهما الألباني في السلسلة الضعيفة 12/ 635.

    ٢-قول عبيد الله بن عبدالله بن عتبة: "السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس". رواه الشافعي في الأم 1/ 272، وقريب منه عند عبدالرزاق 3/ 290.

    وعبيد الله من أئمة التابعين والفقهاء السبعة المشهورين؛ إلا أن النووي ضعفه في الخلاصة 2/ 838، وكذا الألباني ضعف السند إليه كما في السلسلة الضعيفة 12/ 636.

    لكن ذكره ابن قدامة في المغني 2/ 286 وعزاه إلى سنن سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبدالرحمن عن أبيه عن عبيدالله قال: يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات.

    وهذا سند صحيح متصل؛ إلا أن الأول فيه قوله (من السنة) وهذا من قول عبيد الله نفسه.

    ٣-تتابع الفقهاء على ذلك من غير ظهور مخالف. وقد حكى ابن حزم أنه لا خلاف في هذا كما في المحلى (5/ 82) فقال: فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتمهما افترق الناس...كل هذا لا خلاف فيه.

    ويؤكد هذا أن لو ثبت الخلاف، لكان أسرع الناس إليه ابن حزم رحمه الله، فإنه لا يفوت ظواهر النصوص الصحيحة لأجل قياس أو حديث ضعيف، تدل على الاكتفاء بخطبة واحدة.

    ومما يؤكد الاجماع ما اختاره المالكية والشافعية، من أن للاستسقاء خطبتان قياساً على خطبتي العيد، ولم يعارضهم غيرهم في أن العيد وقع فيه خلاف[5] وأيضا فقد وقع الخلاف حول عدد خطبة الكسوف والاستسقاء وعرفة، بخلاف العيد، مما يدل على أنه إجماع.

    ٤-قياس خطبتي العيد على خطبتي الجمعة، للتشابه بينهما في مسائل كثيرة، وإن وجدت فوارق فإنما أخرجها الدليل.

    قال النووي في الخلاصة (2/ 838): المعتمد فيه القياس على الجمعة.

    وقال البيهقي في السنن (3/ 420) باب: جلوس الإمام حين يطلع على المنبر، ثم قيامه وخطبته خطبتين، بينهما جلسة خفيفة، قياساً على خطبتي الجمعة.

    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاوى نور على الدرب (13/ 364): والعمدة في ذلك أن العيد كالجمعة، فالعيد عيد العام، والجمعة عيد الأسبوع، فالعلماء قاسوا صلاة العيد على صلاة الجمعة، فخطبوا خطبتين، هذا هو المشروع خطبتان كالجمعة؛ لأنها عيد السنة، فالعيدان هما عيد السنة، والجمعة عيد الأسبوع، وكذلك فيه العمل بالخبر الضعيف، الذي يعضده قياس العيد على الجمعة.

    قال السعدي رحمه الله في الإرشاد (ص119): فالذي اشتركت فيه أكثر مما افترقت. وقد اعترض على هذا، بأن الفروق بينهما كثيرة، فلا يتوجه القياس فيما وقع فيه الخلاف.

    ٥-ما رواه ابن خزيمة(1446) عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ الْخُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، وَكَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ". وقد بوب عليه ابن خزيمة بقوله: باب عدد الخطب في العيدين، والفصل بين الخطبتين بجلوس.

    وابن خزيمة هنا استدل بعموم الحديث، على دخول خطبة العيد فيه. ولكن في رواية مسلم (861) التنصيص على خطبة الجمعة، فدل على أن مقصود ابن عمر هو خطبة الجمعة.

    6-ما ورد في إجزاء حضور العيد عن حضور الجمعة عند توافقهما، كما ورد عند أبي داود وغيره (1070)، مما يدل على أنها تقوم مقامها وتأخذ أحكامها، فالبدل يحكي المبدل، إلا ما استثناه الدليل. وهذا على مذهب الشافعية والحنابلة في الإجزاء، ولم يعارض الحنفية والمالكية بأن خطبة العيد واحدة[6]

    7-تنصيص أئمة السلف على هذا، ومنهم الامام مالك والامام الشافعي رحمهم الله، وأعلى ما ورد في ذلك أثر عبيد الله أحد الفقهاء السبعة المتقدم.

    قال مالك في المدونة (1/ 248): "ويقوم إمامهم فيخطب بهم خطبتين".

    وقال الشافعي: في الأم (1/ 272): "يقوم فيخطب ثم يجلس بعد الخطبة الأولى جلسة أخف من هذه أو مثلها ثم يقوم فيخطب ثم ينزل".

    فالأول يحكي واقع المدينة، والثاني يحكي واقع مكة.

    •الراجح: الناظر في هذه المسألة من جهة الأدلة النقلية، يظهر له رجحان القول بخطبة واحدة، فظواهر النصوص الصحيحة المتقدمة تفيد ذلك، ولكن عند الحكم على المسألة، لابد من استيعاب الأدلة، وعدم الاكتفاء ببعضها. فنحن بين ظواهر نصوص وإجماع، والقاعدة الأصولية أن النصوص تؤول عن ظاهرها، إذا عارضت الإجماع الذي لم يوجد له معارض، وهنا لم يوجد قائل سبق الإجماع بهذا القول، حسب النقل والتتبع. 

    ثم إنه يتعذر خفاء هذه السنة المشهورة على المسلمين، في أعصارهم وأمصارهم وفيهم سلفهم ومحققوهم، ثم تتبين بعد أربعة عشر قرناً، والله أعلم.

    وإذا لم يصح إجماع، فعدم صراحة الأدلة وكونها تحتمل، وعدم صحة أثر واحد عن السلف بهذا كاف لترك هذا القول، والأخذ بفهم السلف وعملهم. والله أعلم 

    ــــــــــــــــــــــــــــ

    ([1]) أخرجه البخاري (509)، ومسلم (889) عن أبي سعيد الخدري.

    ([2])أخرجه البخاري (962)، ومسلم (884).

    ([3]) انظر: الشرح الممتع 5/ 145، والألباني في شريط صوتي له، سبل السلام 3/ 188، والوادعي في صوتية أسئلة شباب العدين. وقد طرح الشيخ ابن عثيمين قولاً ثالثاً وهو جعل خطبة ثانية للنساء إذا لم يسمعن الخطبة الأولى. مجموع فتاوى ابن عثيمين 16/ 248. ويدل عليه حديث ابن عباس قال: ثُمَّ خَطَبَ، فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ. رواه البخاري (98) ومسلم (884). وقد أنكر عطاء على الأمراء ألا يفعلونه البخاري (961)

    ([4]) المحيط البرهاني2/ 100، المدونة1/ 248، الأم للشافعي1/ 272، المغني2/ 285، المحلى5/ 82. وقد ذهب الحنابلة إلى عدم وجوب الجلوس بينهما. كما في الإنصاف والشرح الكبير 5/ 353.

    ([5]) انظر: الذخيرة 2/ 435، نهاية المطلب 2/ 648.

    ([6]) انظر: المغني 2/ 265، المجموع 4/ 491. والشافعية أسقطوها عن أهل القرى والحنابلة عن الكل. 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم