• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تأخير إخراج الزكاة
  • رقم الفتوى: 4520
  • تاريخ الإضافة: 6 شعبان 1441
  • السؤال
    هل يجوز تأخير إخراج الزكاة لشهر أو شهرين ؟
  • الاجابة

    الواجب إخراج الزكاة وقت الوجوب عند تمام الحول، هذا الأصل، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم سلفاً وخلفاً.

    ويجوز تأخيرها عن ذلك لشهر أو شهرين أو أكثر لحاجة أو مصلحة معتبرة شرعاً أو دفع ضرر، كالذي لا يملك سيولة في وقت الوجوب، أو يحتاج إلى نقلها إلى بلد آخر، أو لم يجد من يستحقها في وقت الوجوب، أو رأى أن الذين يستحقونها اكتفوا في رمضان مثلاً وأراد تأخيرها لمصلحة الفقراء.

    ولكن إذا أراد تأخيرها يفصل مال الزكاة إذا وجد عنده عن ماله، ويكتب فيه وصية حتى لا تضيع.

    والأفضل التعجيل حتى قبل الحول، أفضل من التأخير. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى. 

    قال النووي في المجموع (5/ 335): في مذاهب العلماء في تأخير الزكاة
    قد ذكرنا أن مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء، نقله العبدري عن أكثرهم، ونقل أصحابنا عن أبي حنيفة أنها على التراخي وله التأخير. قال العبدري: اختلف أصحاب أبي حنيفة فيها، فقال الكرخي: على الفور، وقال أبو بكر الرازي: على التراخي.

    دليلنا: قوله تعالي {وآتو الزكاة} والأمر عندهم على الفور، وكذا عند بعض أصحابنا.

    احتجوا بأنه لم يطالب فأشبه غير المتمكن، قال الأصحاب: يجب الفرق بين التمكن وعدمه كما في الصوم والصلاة. انتهى 

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 510): وتجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه، والتمكن منه، إذا لم يخش ضررا. وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: له التأخير ما لم يطالب؛ لأن الأمر بأدائها مطلق، فلا يتعين الزمن الأول لأدائها دون غيره، كما لا يتعين لذلك مكان دون مكان.
    ولنا، أن الأمر المطلق يقتضي الفور، على ما يذكر في موضعه، ولذلك يستحق المؤخر للامتثال العقاب، ولذلك أخرج الله تعالى إبليس، وسخط عليه ووبخه، بامتناعه عن السجود، ولو أن رجلا أمر عبده أن يسقيه، فأخر ذلك، استحق العقوبة، ولأن جواز التأخير ينافي الوجوب، لكون الواجب ما يعاقب على تركه، ولو جاز التأخير، لجاز إلى غير غاية، فتنبغي العقوبة بالترك، ولو سلمنا أن مطلق الأمر لا يقتضي الفور، لاقتضاه في مسألتنا، إذ لو جاز التأخير هاهنا لأخره بمقتضى طبعه، ثقة منه بأنه لا يأثم بالتأخير، فيسقط عنه بالموت، أو بتلف ماله، أو بعجزه عن الأداء، فيتضرر الفقراء.
    ولأن هاهنا قرينة تقتضي الفور، وهو أن الزكاة وجبت
    لحاجة
    الفقراء، وهي ناجزة، فيجب أن يكون الوجوب، ناجزا ولأنها عبادة تتكرر، فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها، كالصلاة والصوم. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يحول الحول على ماله، فيؤخر عن وقت الزكاة؟ فقال: لا، ولم يؤخر إخراجها؟ وشدد في ذلك. قيل: فابتدأ في إخراجها، فجعل يخرج أولا فأولا.
    فقال: لا، بل يخرجها كلها إذا حال الحول. فأما إذا كانت عليه مضرة في تعجيل الإخراج، مثل من يحول حوله قبل مجيء الساعي، ويخشى إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى، فله تأخيرها. نص عليه أحمد. وكذلك إن خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها، فله تأخيرها؛؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار» ولأنه إذا جاز تأخير قضاء دين الآدمي لذلك، فتأخير الزكاة أولى.

    فصل: فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها، من ذي قرابة، أو ذي حاجة شديدة، فإن كان شيئا يسيرا، فلا بأس، وإن كان كثيرا، لم يجز. قال أحمد: لا يجزئ على أقاربه من الزكاة في كل شهر. يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة، في كل شهر شيئا، فأما إن عجلها فدفعها إليهم، أو إلى غيرهم متفرقة أو مجموعة، جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كان عنده مالان، أو أموال، زكاتها واحدة، وتختلف أحوالها، مثل أن يكون عنده نصاب، وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب، لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها؛ لأنه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها. انتهى 

    وقال النووي في المجموع (5/ 333): "الزكاة عندنا يجب إخراجها على الفور، فإذا وجبت وتمكن من إخراجها لم يجز تأخيرها، وإن لم يتمكن فله التأخير إلى التمكن، فإن أخر بعد التمكن عصى وصار ضامناً.."

    وقال: "قال أصحابنا: وليس المراد بإمكان الأداء مجرد إمكان الإخراج، بل يشترط معه وجوب الإخراج بثلاثة شروط:
    أحدها: حضور المال عنده، فإن غاب عنه لم يجب الإخراج من موضع آخر بالاتفاق؛ وإن جوزنا نقل الزكاة.

    والثانى: أن يجد المصروف إليه..." .

    إلى أن قال: "ولو وجد من يجوز الصرف إليه فأخر لطلب الأفضل بأن وجد السلطان أو نائبه فأخر ليفرق بنفسه حيث جعلناه أفضل، أو أخر لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج؛ ففي جواز التأخير وجهان مشهوران: أصحهما جوازه، فإن لم نجوز التأخير فأخر أثم وضمن، وإن جوزناه فتلف المال فهل يضمن فيه وجهان مشهوران....".

    إلى أن قال: "الشرط الثالث: لامكان الأداء مشتغلاً بمهم من أمر دينه أو دنياه كصلاة وأكل ونحوهما ذكره البغوي وغيره. والله أعلم. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 186):  قوله: (ويجب على الفور) أي: المبادرة.
    قوله: «مع إمكانه» أي: مع إمكان الإخراج، والمراد بهذا وجوب المبادرة بالإخراج، لا وجوب الإخراج فإنه معلوم مما سبق.
    وقوله: «يجب على الفور» دليله أن الأصل في الأوامر الفورية، والدليل على أن الأصل في الأوامر الفورية ما يلي:
    1 ـ قول الله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} [آل عمران: 133] وقوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة: 148].
    2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة في حجة الوداع أن يحل من إحرامه من لم يسق الهدي منهم، وتأخروا بعض الشيء رجاء أن ينسخ الأمر غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا».
    3 ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما تأخروا في حلق رؤوسهم في غزوة الحديبية؛ ليتحللوا بذلك، غضب لتأخرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن الأصل في الأوامر الفورية لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم.
    4 ـ أن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فهو إذا أخر الواجب يكون مخاطرا، فقد يموت ويبقى الواجب في ذمته، وإبراء الذمة واجب، فهذا دليل نظري أيضا على أن الواجب يفعل على الفور.
    5 ـ أن النظر يوجب إخراجها على الفور؛ لأن حاجة الفقراء متعلقة بها، وإذا أمهل الناس في إخراجها بقي الفقراء بحاجة.
    6 ـ أن تأخير الواجبات يلزم منه تراكمها، وحينئذ يغريه الشيطان بالبخل إذا كان الواجب من المال، أو بالتكاسل إذا كان الواجب من الأعمال البدنية.
    وقال بعض العلماء: لا يجب الإخراج على الفور؛ لأن الله لم يوقت لها وقتا، وهذا ضعيف، بل وقت الله لها وقتا في قوله تعالى، {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] إذا قلنا: إن هذا الحق هو الزكاة.

    لكن المؤلف اشترط بقوله: «مع إمكانه» أن يكون الإخراج ممكنا، فإذا لم يمكنه الإخراج فإنه لا يلزمه؛ كما لو كان ماله غائبا؛ وكما لو كان له دين في ذمة موسر أو في ذمة معسر، وقلنا بوجوب زكاة الدين في ذمة الموسر أو المعسر، وهو الآن ليس بيده فلا يلزمه الإخراج لعدم إمكانه.
    وهل من ذلك إذا وجب على المرأة زكاة الحلي، وليس عندها دراهم لتزكي بها؟
    الجواب: ليس من ذلك؛ فيمكن لها أن تزكي على الفور؛ وذلك بأن تبيع من الحلي بمقدار الزكاة وتخرج الزكاة، ما لم يتبرع لها زوجها أو أحد من أقاربها، فإن تبرع فلا بأس.
    لكن النساء يقلن: إذا أوجبتم علينا أن نبيع من الحلي لإخراج زكاته فإنه سينفد ولن يبقى عندنا منه شيء، وهذا مما نحتاجه بنص القرآن، قال تعالى: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين } [الزخرف].
    فنقول: إن هذا الإيراد غير وارد؛ لأنه ينقطع الوجوب إذا نقص الحلي عن النصاب، فإذا لم يكن عند إحداهن إلا ثمانون جراما من الذهب فإنه لا زكاة عليها، ولذلك نقول: إنه لا ينفد؛ لأنك تصبحين عندئذ من الفقيرات، والفقيرات يكفيهن من حلي الذهب ثمانون جراما.

    (إلا لضرر)

    قوله: «إلا لضرر» أي: فإذا كان هناك ضرر على الرجل في إخراج الزكاة فور وجوبها فلا حرج عليه أن يؤخرها حتى يزول الضرر، كأن يخشى أن يرجع الساعي إليه مرة أخرى.مثال ذلك: وجبت على شخص زكاة الماشية في محرم، ويخشى أن يأتي الساعي في صفر ويقول له: أخرج زكاتك، ولا يصدقه إذا قال له هذا الشخص: لقد أخرجتها، فإن له أن يؤخرها إلى أن ييأس من قدوم الساعي.
    والواجب أن يصدق صاحب الزكاة في دفع زكاته؛ لأنها عبادة، وهو مؤتمن عليها.
    ومن الضرر أيضا أن يخشى على نفسه أو ماله إذا أخرج الزكاة، وذلك بأن يكون بين قوم من الفقراء لصوص، ولو أخرج الزكاة لقالوا: إنه ذو مال، فيسطون على بيته، ويسرقونه أو يقتلونه، وهذا ضرر يحل له أن يؤخر الزكاة حتى ييسر الله له.
    ومثل ذلك إذا كان ماله غائبا، فلا يجب عليه الإخراج عنه، ولو كان عنده مال.
    فإن قال قائل: هل يجوز أن يؤخرها لمصلحة وليس لضرر؟
    الجواب: نعم يجوز، فمثلا عندنا في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو أكثرهم، لكن في أيام الشتاء التي لا توافق رمضان يكونون أشد حاجة، ويقل من يخرج الزكاة، فهنا يجوز تأخيرها؛ لأن في ذلك مصلحة لمن يستحقها، لكن بشرط أن يفرزها عن ماله، أو أن يكتب وثيقة يقول فيها: إن زكاته تحل في رمضان، ولكنه أخرها إلى الشتاء من أجل مصلحة الفقراء، حتى يكون ورثته على علم بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» والزكاة مما يوصى فيه؛ لأنه حق واجب.
    وأيضا يجوز له أن يؤخر الزكاة من أجل أن يتحرى من يستحقها؛ لأن الأمانة ضاعت في وقتنا الحاضر، وحب المال ازداد فتأخير الزكاة حتى يتحرى من يستحقها جائز؛ لأن في ذلك مصلحة المستحق، والله أعلم بالنيات، فقد يتعلل بعض الناس بهذا، وهو يريد أن ينتفع بماله قبل إخراج زكاته، لكن إذا كان في نيته أن يؤخرها؛ من أجل تحري من يستحق فإن هذا لا بأس به.
    والمؤلف ـ رحمه الله ـ لم يذكر جواز تأخير الزكاة لمصلحة المستحق، وإنما ذكرها صاحب الروض، وغيره من العلماء، ويجوز التأخير كذلك، إذا تعذر الإخراج لقوله: «مع إمكانه»، كما سبق.
    فصار التأخير يجوز في الحالات الآتية:
    1 ـ عند تعذر الإخراج.
    2 ـ عند حصول الضرر عليه بالإخراج.
    3 ـ عند وجود حاجة، أو مصلحة في التأخير.

    مسألة: لو أخر الزكاة عن موعدها ثم زاد ماله؛ فإن المعتبر وقت وجوبها عند تمام الحول.
    فلو كانت تجب في رمضان وماله عشرة آلاف، فأخرها إلى ذي الحجة فبلغ ماله عشرين ألفا، فلا زكاة عليه إلا في العشرة. انتهى

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم