• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم الزواج
  • رقم الفتوى: 4539
  • تاريخ الإضافة: 10 شعبان 1441
  • السؤال
    هل الزواج واجب أم مستحب أم مباح؟ أرجو من فضيلتكم بيان ذلك.
  • الاجابة

    الزواج مستحب هذا هو الأصل؛ لقول ﷺ: «يا مَعْشَرَ الشبابِ من استطاع منكم الباءَةَ فليتزوج؛ فإنه أَغَضُّ للبَصَرِ وأحصنُ للفرجِ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنّه له وِجَاءٌ([1])»([2]). 

    ظاهر الحديث الوجوب، وهذا الظاهر غير مراد؛ لقول الله تعالى :{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }[النساء: 3] فقد خيره تبارك وتعالى بين النكاح والتَّسرِّي – أي الاستمتاع بالأمة -، فلو كان النّكاح واجباً لما خيره بين واجب وغير واجب، فالتخيير ينافي الوجوب.

    وقوله ﷺ: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم»([3]) في هذا ترغيب في الإكثار من الولد، والإكثار من الولد لا يكون إلّا بالنّكاح فيدل على استحبابه والترغيب فيه.

    ولكنه قد يصير واجباً أو مكروهاً أو حراماً على حسب الحال، فمن خشي على نفسه الوقوع في المعصية بتركه للزواج صار واجباً في حقه عملاً بالقاعدة الأصولية " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب "، فمن لا يقدر على ترك الحرام إلا بالزواج صار الزواج في حقه واجباً.

    ومن صور المحرم: من يعلم من نفسه عدم القيام بحقوق الزوجة والأولاد وظلمهم والتقصير في حقهم.

    ومن صوره: من يريد زواج الثانية مع عدم قدرته على العدل.  هذه خلاصة الفتوى . والله أعلم 

    قال ابن دقيق العيد في الإلمام (2/ 168): وقد قسم الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة، أعني: الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة،  وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت، وقدر على النكاح، إلا أنه لا يتعين واجباً، بل إما هو، وإما التسري، فإن تعذر التسري تعين النكاح حينئذ للوجوب لا لأصل الشرعية. انتهى  

    وقال ابن قدامة: وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، واختلف أصحابنا في وجوبه؛ فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجب، إلا أن يخاف أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه، فيلزمه إعفاف نفسه، وهذا قول عامة الفقهاء.

    وقال: الناس في النكاح على ثلاثة أضرب:

    منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح.

    الثاني: من يستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور، فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة.

    القسم الثالث: من لا شهوة له، إما لأنه لم يُخلق له شهوة كالعِنِّين، أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه.

    ففيه وجهان؛ أحدهما: يستحب له النكاح؛ لعموم ما ذكرنا. والثاني: التخلي له أفضل؛ لأنه لا يُحصل مصالح النكاح، ويمنع زوجته من التحصين بغيره، ويضر بها، ويحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها، ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه. انتهى باختصار.

    وقال النووي في المجموع (16/ 131): النكاح مستحب غير واجب عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور من مذهبه، وأكثر أهل العلم. وقال داود بن على الظاهرى: هو واجب على الرجل والمرأة مرة في العمر.

    دليلنا كما قلنا قوله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} فعلقه بالاستطابة، وما كان واجباً لا يتعلق بالاستطابة.
    وروى أبو أيوب الانصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من سنن المرسلين: الختان والتعطر والسواك والنكاح". وقوله : "من أحب فطرتي" فعلقه على المحبة وسماه سنة، فإذا أطلقت السنة اقتضت المندوب إليه.
    وروى أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فبين لها ذلك، فقالت: لا والله، لا تزوجت أبداً. فلو كان النكاح واجباً لأنكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وروى أن جماعة من الصحابة ماتوا ولم يتزوجوا ولم ينكر عليهم.

    إذا ثبت هذا؛ فالناس في النكاح على أربعة أضرب:

    ضرب تتوق نفسه إليه، أي اشتاقت ويجد أهبته وهو المهر والنفقة وما يحتاج إليه، فيستحب له أن يتزوج؛ لما رواه عبد الله بن مسعود حديث: "يا معشر الشباب".

    والضرب الثاني: من تتوق نفسه إلى الجماع، ولا يقدر على المهر والنفقة؛ فالمستحب له أن لا يتزوج، بل يتعاهد نفسه بالصوم فإنه له وقاية. ولا يشغل ذمته بالمهر والنفقة.

    والضرب الثالث: من لا تتوق نفسه إلى الجماع، ويريد التخلي إلى عبادة الله تعالى؛ فيستحب له أن لا يتزوج؛ لأنه يلزم ذمته حقوقاً هو مستغن عن التزامها. 

    والضرب الرابع: من لا تتوق نفسه، وهو قادر على المهر والنفقة، ولا يريد العبادة، فهل يستحب له أن يتزوج؟ فيه قولان حكاهما العمرانى في الفروع...انتهى المراد. 

    وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 111) بعدما نقل كلام ابن دقيق العيد المتقدم : وكذا حكاه القرطبي عن بعض علمائهم وهو المازري، قال: فالوجوب في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به كما تقدم. قال: والتحريم في حق من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه، والكراهة في حق مثل هذا حيث لا إضرار بالزوجة، فإن انقطع بذلك عن شيء من أفعال الطاعة من عبادة أو اشتغال بالعلم اشتدت الكراهة.

    وقيل: الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في حال التزويج، والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصوداً من كثر شهوة وإعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك، والإباحة فيما انتفت الدواعي والموانع، ومنهم من استمر بدعوى الاستحباب فيمن هذه صفته للظواهر الواردة في الترغيب فيه، قال عياض: هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل، ولو لم يكن له في الوطء شهوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإني مكاثر بكم"، ولظواهر الحض على النكاح والأمر به، وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء، فأما من لا ينسل ولا أرب له في النساء، ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت، وقد يقال إنه مندوب أيضاً لعموم قوله: " لا رهبانية في الإسلام". انتهى  


    ([1]) قال ابن الأثير في « النهاية في غريب الحديث والأثر » (5/ 152) : « الوجاء: أن ترض أنثيا الفحل رضاً شديداً يُذهب شهوة الجماع، ويتنزل في قطعه منزلة الخصي. وقد وجِئ وجاء فهو مَوجُوء.

    وقيل: هو أن توجأ العروق، والخصيتان بحالهما. أراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوجاء ».

    ([2]) أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

    [3]) أخرجه أبو داود 2050)، والنسائي (3227) عن معقل بن يسار رضي الله عنه.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم