• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الطهارة
  • رقم الفتوى: 1259
  • تاريخ الإضافة: 17 جُمادي الآخرة 1440
  • السؤال
    هل يصح الوضوء أو الغسل بالماء الذي خالطه الصابون والتراب؟
  • الاجابة

    مخالطة الشيء الطاهر اليسير للماء نوعان:
    نوع لا ينفك عن الماء غالباً كالطحالب وورق الشجر؛ فهذا يبقى طاهراً مطهراً بالاتفاق(1).

    والنوع الثاني: ما ينفك عن الماء غالباً؛ كمخالطة الصابون ونحوه، فإن الماء في هذه الحالة يبقى طاهراً مطهراً، ما لم يخرجه عن اسم الماء المطلق، يعني ما بقي يسمى ماء فقط، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لأم عطية في تغسيل ابنته: «اغسلنها بماءٍ وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً»(2) متفق عليه.

    قال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (21 / 24 ):  أما مسألة تغير الماء اليسير أو الكثير بالطاهرات: كالأشنان والصابون والسدر والخطمي والتراب والعجين وغير ذلك مما قد يغير الماء، مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر أو خطمي ووضع فيه ماء فتغير به مع بقاء اسم الماء؛ فهذا فيه قولان معروفان للعلماء. أحدهما: أنه لا يجوز التطهير به كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه التي اختارها الخرقي والقاضي وأكثر متأخري أصحابه؛ لأن هذا ليس بماء مطلق فلا يدخل في قوله تعالى {فلم تجدوا ماء}.

    ثم إن أصحاب هذا القول استثنوا من هذا أنواعاً بعضها متفق عليه بينهم وبعضها مختلف فيه..
    إلى أن قال: والقول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه؛ ولا بما لا يشق الاحتراز عنه فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهوراً، كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته.
    وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} وقوله: {فلم تجدوا ماء} نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء، لا فرق في ذلك بين نوع ونوع.

    فإن قيل: إن المتغير لا يدخل في اسم الماء؟  قيل: تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ، ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه، فإن الفرق بين هذا وهذا إنما هو من جهة القياس لحاجة الناس إلى استعمال هذا المتغير دون هذا، فأما من جهة اللغة وعموم الاسم وخصوصه فلا فرق بين هذا وهذا، ولهذا لو وكله في شراء ماء أو حلف لا يشرب ماء أو غير ذلك؛ لم يفرق بين هذا وهذا؛ بل إن دخل هذا دخل هذا، وإن خرج هذا خرج هذا، فلما حصل الاتفاق على دخول المتغير تغيراً أصلياً أو حادثاً بما يشق صونه عنه؛ علم أن هذا النوع داخل في عموم الآية.

    وقد ثبت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر: {هو الطهور ماؤه الحل ميتته} والبحر متغير الطعم تغيراً شديداً لشدة ملوحته.
    فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن ماءه طهور - مع هذا التغير - كان ما هو أخف ملوحة منه أولى أن يكون طهوراً، وإن كان الملح وضع فيه قصداً؛ إذ لا فرق بينهما في الاسم من جهة اللغة.
    وبهذا يظهر ضعف حجة المانعين؛ فإنه لو استقى ماء أو وكله في شراء ماء لم يتناول ذلك ماء البحر، ومع هذا فهو داخل في عموم الآية، فكذلك ما كان مثله في الصفة.

    وأيضا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل المحرم بماء وسدر، وأمر بغسل ابنته بماء وسدر، وأمر الذي أسلم أن يغتسل بماء وسدر، ومن المعلوم أن السدر لا بد أن يغير الماء، فلو كان التغير يفسد الماء لم يأمر به.انتهى باختصار. والله أعلم 

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) قال ابن رشد في بداية المجتهد(1/ 33): وكذلك أجمعوا على أن كل ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالباً أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير؛ إلا خلافاً شاذاً روي في الماء الآجن عن ابن سيرين، وهو أيضا محجوج بتناول اسم الماء المطلق له. والله أعلم 
    (2) أخرجه البخاري (1253) ومسلم (939) عن أم عطية رضي الله عنها.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم