• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الطهارة
  • رقم الفتوى: 1275
  • تاريخ الإضافة: 20 جُمادي الآخرة 1440
  • السؤال
    رجل توضأ وجمع الماء الذي توضأ به، فهل يجزئ الوضوء من هذا الماء؟
  • الاجابة

    هذا يسمى عند الفقهاء (الماء المستعمل)
    يعنون الماء الذي استعمل في عبادة كالوضوء أو الغسل.
    قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1/ 36): 
    والاستعمال: أن يُمَرَّ الماء على العضو، ويتساقط منه، وليس الماء المستعمل هو الذي يُغْتَرفُ منه، بل هو الذي يتساقط بعد الغَسْل به.
    مثاله: غسلت وجهك، فهذا الذي يسقط من وجهك هو الماء المستعمل. انتهى
    اختلف أهل العلم في ذلك، وسبب الاختلاف يرجع إلى حكم الماء المستعمل في عبادة ما هل يخرج بذلك عن كونه طاهراً مطهراً؟

    فالبعض قال: هو طاهر ومطهر. والبعض قال: هو نجس. والبعض قال: هو طاهر، لكنه غير مطهر.

    والكل احتج بأدلة، والصحيح أنه طاهر مطهر.

    والدليل على أنه طاهر أن النبي ﷺ كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه (1)، ولو كان نجساً لما قربوه.

    وقد ثبت أنه عليه السلام صب على جابر من وضوئه(2)، وثبت أن أحد الصحابة شرب من وضوءه ﷺ(3)، وبوّب البخاري باباً في استعمال فضل الوضوء(4)، وساق آثاراً في ذلك.

    وأما كونه مطهراً، فإن الماء المستعمل ماء مطلق داخل في عموم الأدلة المتقدّمة التي تدل على أن الماء المطلق طاهر مطهر ولا يجوز إخراجه منها إلا بدليل صحيح، ولا يوجد. والله أعلم .
    قال ابن المنذر رحمه الله: 
    اختلف أهل العلم في الوضوء والاغتسال بالماء المستعمل.

     فقالت طائفة: لا يجوز الوضوء به.

    كان مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي: لا يرون الوضوء بالماء الذي توضئ به، واختلف فيه عن سفيان؛ فحكى عنه الفاريابي أنه قال كقول هؤلاء، وحكي عن الأشجعي أنه قال: إذا نسيت أن تمسح برأسك وقد توضأت وفي لحيتك بلل؛ أجزأك أن تمسح مما في لحيتك أو يدك، وأن تأخذ ماء لرأسك أحب إلي.

    وقال أحمد في جنب اغتسل في بئر فيها من الماء أقل من قلتين قال: لا يجزيه، قد أنجس ذلك الماء.

    وقالت طائفة: لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل؛ لأنه ماء طاهر.

    وليس مع من أبطل الطهارة بهذا الماء حجة، وليس لأحد أن يتيمم وهو يجد الماء.

     واحتج بعض من يقول بهذا القول بأخبار رويت عن علي وابن عمر وأبي أمامة فيمن نسي مسح رأسه أو وجد بللاً في لحيته أجزأه أن يمسح رأسه بذلك البلل.

    كذلك قال عطاء والحسن والنخعي ومكحول والزهري، وهذا من قولهم يدل على طهارة الماء المستعمل وعلى استعمال الماء المستعمل.

    وكان أبو ثور يقول: إن توضأ بالماء المستعمل الذي توضأ به أجزأه إذا كان نظيفاً.

    قال أبو بكر: ومن حجة من يرى الوضوء بالماء المستعمل؛ قوله جل ذكره: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] قال: فلا يجوز لأحد أن يتيمم وماء طاهر موجود وهذا يلزم من أوجب القول بظاهر الكتاب وترك الخروج عن ظاهره، واحتج في إثبات الطهارة للماء المستعمل بحديث جابر.

    فذكر بإسناده عن جابر، قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب علي من وضوئه.

    قال: فهذا الحديث يدل على طهارة الماء المتوضأ به

    ثم ذكر بإسناده عن الربيع، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء كان في يده فبدأ بمؤخر رأسه إلى مقدمه ثم جره إلى مؤخره.

    قال أبو بكر: فدل هذا الحديث على مثل ما دل عليه الحديث الأول، فأجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه، لو صب ماء على وجهه أو ذراعيه فسال ذلك عليه وعلى ثيابه؛ أنه طاهر، وذلك أن ماء طاهراً لاقى بدنا طاهراً، وكذلك في باب الوضوء ماء طاهر لاقى بدنا طاهراً

    وإذا ثبت أن الماء المتوضأ به طاهر، وجب أن يتطهر به من لا يجد السبيل إلى ماء غيره، ولا يتيمم وماء طاهر موجود؛ لأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء، فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك».

    فأوجب الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه عليه السلام الوضوء بالماء والاغتسال به، على كل من كان واجداً له ليس بمريض، وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقي على أعضاء المتوضئ والمغتسل وما قطر منه على ثيابهما طاهر، دليل على طهارة الماء المستعمل، وإذا كان طاهراً فلا معنى لمنع الوضوء به بغير حجة يرجع إليها من خالف هذا القول. انتهى باختصار(5).
     

    وقال ابن هبيرة: واختلفوا في الماء المستعمل من رفع الحدث، فقال أبو حنيفة في إحدى الروايات عنه: هو نجس نجاسة صريحة، إلا أنه يقول على هذه الرواية، أما ما يترشرش منه على الثوب أو ما يعلق بالمنديل عند التنشيف من بلله طاهر، وإنما يحكم نجاسته عند استقراره منفصلاً إلى الأرض أو الإناء.
    وعنه رواية ثانية: أنه نجس نجاسة مخففة، مثل بول ما يؤكل، فلا يمنع جواز الصلاة ما لا يبلغ ربع الثوب.
    وعنه رواية ثالثة: أنه طاهر غير مطهر.

    وقال مالك وأحمد والشافعي: هو طاهر، وزاد مالك فقال: مطهر، وعن أحمد نحوه (6). انتهى

    وقال ابن تيمية رحمه الله:  فإن قيل: فنحن نحترز من ذلك لأجل قول من ينجس الماء المستعمل. قيل: هذا أبعد عن السنة؛ فإن نجاسة الماء المستعمل نجاسة حسية كنجاسة الدم ونحوه - وإن كان إحدى الروايتين عن أبي حنيفة - فهو مخالف لقول سلف الأمة وأئمتها؛ مخالف للنصوص الصحيحة والأدلة الجلية وليست هذه المسألة من موارد الظنون بل هي قطعية بلا ريب (7).انتهى

    فأخذ يرد القول بنجاسة الماء المستعمل بالأدلة الشرعية. والله أعلم

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ([1]) أخرجه البخاري (18) و (2731) من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة.

    ([2]) أخرجه البخاري (194) ومسلم (1616) عن جابر بن عبد الله .

    ([3]) أخرجه البخاري (190) ومسلم (2345) عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله ﷺ، فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وَجِعٌ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة».

    ([4]) «صحيح البخاري»، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، أول حديث برقم (187).

    ([5]) الأوسط (1/ 395).

    ([6]) اختلاف الأئمة العلماء(1 /37).

    ([7]) مجموع الفتاوى(21/ 66).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم