• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: نجاسة لحم الخنزير والخمر
  • رقم الفتوى: 1296
  • تاريخ الإضافة: 25 جُمادي الآخرة 1440
  • السؤال
    هل لحم الخنزير والخمر نجسان ؟
  • الاجابة

    لحم الحنزير نجس، والدليل على نجاسته قوله تعالى {قل لا أجد فيما أُوحي إليّ مُحرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} (الأنعام 145) أي نجس، ونقل بعض أهل العلم الاتفاق على نجاسة لحمه، وكذلك لحم الميتة (1) 

    أما الخمر فالصحيح أنها ليست نجسة، فليس كلُّ محرَّمٍ نجساً، بينما كلُّ نجسٍ محرَّمٌ، والله أعلم . 
    نقل غير واحد من العلماء الإجماع على نجاستها، كالماوردي في الحاوي، وابن عبد البر في التمهيد، وغيرهم، والبعض نقل خلافاً شاذاً كابن رشد في بداية المجتهد.
    ولم ينقل الإجماع بعض من كتب فيه كابن المنذر وابن حزم فيما وقفت عليه. والله أعلم 
    والحق أنه لا إجماع في المسألة.
    قال القرطبي في تفسيره (6 /288): 
    فَهِم الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها؛ الحكم بنجاستها، وخالفهم في ذلك ربيعة ، والليث بن سعد، والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها. انتهى
    وذكره الماوردي في الحاوي عن الحسن.
    وهو اختيار الصنعاني والشوكاني وأحمد شاكر والألباني وابن عثيمين وشيخنا مقبل الوادعي، وغيرهم. والله أعلم 
    قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1 / 429): جمهور العلماء ـ ومنهم الأئمَّة الأربعة، واختاره شيخ الإِسلام ـ أنَّها نجسة، واستدلُّوا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]. والرِّجس: النَّجَس؛ بدليل قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، ولا مانع من أن تكون في الأصل طيِّبة؛ ثم تنقلب إِلى نجسة بعلَّة الإِسكار؛ كما أن الإِنسان يأكل الطَّعام وهو طيِّب طاهر ثم يخرج خبيثاً نجساً.
    واستدلُّوا أيضاً بقوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإِنسان: 21] يعني في الجَنَّة، فدلّ على أنه ليس كذلك في الدُّنيا.
    والصَّحيح: أنها ليست نجسة، والدَّليل على ذلك ما يلي:
    1 - حديث أنس رضي الله عنه: «أنَّ الخمرَ لمَّا حُرِّمت خرج النَّاس، وأراقوها في السِّكك»، وطُرقات المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً لإِراقة النَّجاسة، ولهذا يَحرُم على الإِنسان أن يبولَ في الطَّريق؛ أو يصبَّ فيه النَّجاسة، ولا فرق في ذلك بين أن تكون واسعة أو ضيِّقة كما جاء في الحديث: «اتقوا اللعَّانَين»، قالوا: وما اللعَّانَان يا رسول الله؟ قال: «الذي يَتَخَلَّى في طريق النَّاس أو في ظلِّهم».
    فقوله: «في طريق النَّاس» يعمُّ ما كان واسعاً وضَيِّقاً، على أنَّه يُقال: إِنَّ طُرقات المدينة لم تكن كلُّها واسعة، بل قد قال العلماء رحمهم الله: إِن أوسع ما تكون الطُّرقات سبعة أذرع، يعني عند التَّنازع.
    فإِن قيل: هل عَلِم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بإِراقتها؟
    أجيب: إِنْ عَلِمَ فهو إِقرار منه صلّى الله عليه وسلّم ويكون مرفوعاً صريحاً، وإِن لم يَعْلَم فالله تعالى عَلِمَ، ولا يقرُّ عبادَه على مُنكَر، وهذا مرفوع حُكماً.
    2 - أنَّه لما حُرِّمت الخمر لم يؤمروا بِغَسْل الأواني بعد إِراقتها، ولو كانت نجسة لأُمروا بِغَسْلها، كما أُمروا بِغَسْل الأواني من لحوم الحُمُر الأهليَّة حين حُرِّمت في غزوة خيبر.
    فإِن قيل: إِنَّ الخمر كانت في الأواني قبل التَّحريم، ولم تكن نجاستها قد ثبتت.
    أُجيب: أنَّها لما حُرِّمت صارت نجسة قبل أن تُراق.
    3 - ما رواه مسلم أن رجلاً جاء براوية خمر فأهداها للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أما علمتَ أنَّها حُرِّمت؟» فَسَارَّةُ رجلٌ أنْ بِعْها، فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بِمَ سارَرْتَهُ؟»، قال: أمَرْتُهُ ببيعِهَا، فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إِن الذي حَرَّمَ شُرْبَها حَرَّمَ بَيْعَها»، ففتح الرجلُ المزادة حتى ذهب ما فيها. وهذا بحضرة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يَقُلْ له: اغْسلِها، وهذا بعد التَّحريم بلا ريب.
    4 - أنَّ الأصل الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا دليل هنا. ولا يلزم من التحريم النجاسة؛ بدليل أن السُمَّ حرام وليس بنجس.
    والجواب عن الآية: أنَّه يُراد بالنَّجاسةِ النَّجاسةُ المعنويَّة، لا الحسِّيَّة لوجهين:
    الأول: أنها قُرِنَت بالأنصاب والأزلام والميسر، ونجاسة هذه معنويَّة.
    الثاني: أن الرِّجس هنا قُيِّد بقوله: {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} فهو رجسٌ عمليٌّ، وليس رجساً عينيّاً تكون به هذه الأشياء نجسة.
    وأما قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإِنسان: 21]، فإِننا لا نقول بمفهوم شيء من نعيم الآخرة؛ لأننا نتكلَّم عن أحكام الدُّنيا.
    وأيضاً: فكلُّ ما في الجنَّة طَهُور فليس هناك شيء نجس. فيه: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ} [الصافات] وهذا متعيِّن؛ لأن لدينا سُنَّة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بِعَدَمِ النَّجاسة.
    ثم إِن شراب أهل الجنَّة ليس مقصوراً على الخمر، بل فيها أنهار من ماء ولَبَن وعسل، وكلُّها يُشرب منها، فهل يمكن أن يُقال: إِنَّ ماء الدنيا ولَبَنَها وعسَلَها نَجِس بمفهوم هذه الآية؟
    فإِن قيل: كيف تخالف الجمهور؟
    فالجواب: أن الله تعالى أمر عند التَّنازع بالرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة، دون اعتبار الكثرة من أحد الجانبين، وبالرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة يتبيَّن للمتأمِّل أنه لا دليل فيهما على نجاسة الخمر نجاسة حسيَّة، وإِذا لم يَقُم دليل على ذلك فالأصل الطَّهارة، على أننا بيَّنَّا من الأدلَّة ما يَدُلُّ على طهارته الطَّهارة الحسيَّة. انتهى

     


    ([1]) قال ابن حزم : « واتفقوا أن لحم الميتة وشحمها وودكها وغضروفها ومخها، وأن لحم الخنزير وشحمه وودكه وغضروفه ومخه وعصبه، حرام كله، وكل ذلك نجس » « مراتب الإجماع » (ص 23)، والودك : دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه، والغضروف هو كل عظم يؤكل كرؤوس الأضلاع، فيكون بين اللحم والعظم.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم