• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: كيفية تطهير النجاسات
  • رقم الفتوى: 1315
  • تاريخ الإضافة: 25 جُمادي الآخرة 1440
  • السؤال
    هل يشترط في تطهير النجاسة، موافقة الكيفية التي جاءت في الشرع أم الماء يجزئ مطلقاً ؟
  • الاجابة

     نجاسة الشيء إما أن تكون حكمية، كالبول إذا وقع على الثوب، فيوصف الثوب بأنه نجس، ويحكم عليه بذلك شرعاً، بسبب البول الذي وقع عليه، فإنه لم يكن في الأصل نجساً بل صار كذلك بعد أن وقع البول عليه، وصار متنجّساً.

    وإما أن تكون عينيّة، أي عين الشيء نجسة، كالروث الذي هو براز ما لا يؤكل لحمه.

    فأما النوع الأول من النجاسة فيطهّر بالكيفية التي وردت في الشرع إن أمكن، فإذا وردت في الشرع كيفية تطهير معينة فتزال بها ويكتفى بها، كما ورد في النعل إذا تلوّث بالنجاسة طهُر بمسحه بالتراب.

    لقوله النبي ﷺ: «إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله، فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصلِّ فيهما... » أخرجه أحمد وغيره.

    وكذا بالنسبة لذيل المرأة إذا مشت وأصابته نجاسة طهره ما بعده من تراب ([1])  . 

    وكذلك دم الحيض، فإنه يطهّر بالكيفية التي وردت في السنة، سئل رسول الله ﷺ: المرأة يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ قال: «تحتّه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه » ([2]) .

    و(تحتّه) أي تحكّه لإزالة عين الدم.

    (تقرصه) أي تدلك الدم بأطراف الأصابع، ليتحلّل ويخرج ما شربه الثوب منه.

    (تنضحه) أي تغسله بالماء.

    أما بول الذكر الرضيع فبالنضح كما جاءت الأدلة بذلك.

     هذا الأفضل، والواجب إزالة عين النجاسة.

    وأما ما ورد عن الشارع أنه نجس ولم يرد فيه بيان كيفية تطهيره، فالواجب التخلص من العين النجسة حتى لا يبقى لها ريح ولا لون ولا طعم بأي طريقة كانت سواء بالماء أو غيره ؛ لأن الشيء الذي يجد الإنسان ريحه أو طعمه، فقد بقي فيه جزء من العين، وإن لم يبقَ جرْمُها أو لونها، إذ وجود الرائحة لا يكون إلا عن وجود النجاسة التي وجدت رائحتها، وكذلك وجود الطعم لا يكون إلا عن وجود النجاسة التي وجد طعمها وهذا كله في كيفية تطهير النجاسة الوصفية.

    وأما العينية؛ فتطهر بالاستحالة : وهي التحوّل، أي تغيّر الشيء عن طبعه ووصفه، فيصير شيئاً آخر كتحوّل العَذِرَة إلى رماد، وتحوّل الخنزير إلى ملح.

    فالنجاسة العينية لا تطهر إلا بالاستحالة، وهي أن تتحوّل إلى شيء آخر مخالف للشيء الأول في حقيقته، كاستحالة العَذِرَة رماداً.

    فتطهُر في هذه الحالة؛ لأن الوصف الذي وقع عليه الحكم بالنجاسة فُقِدَ، لم يعد موجوداً. والله أعلم .

    قال ابن قدامة في المغني(1/ 9): ومنها أن الطهارة من النجاسة لا تحصل إلا بما يحصل به طهارة الحدث؛ لدخوله في عموم الطهارة، وبهذا قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وزفر.

     وقال أبو حنيفة: يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين والأثر، كالخل، وماء الورد، ونحوهما.

    وروي عن أحمد ما يدل على مثل ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً» .
    أطلق الغسل، فتقييده بالماء يحتاج إلى دليل؛ ولأنه مائع طاهر مزيل، فجازت إزالة النجاسة به، كالماء، فأما ما لا يزيل كالمرق واللبن فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به.
    ولنا ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قال لأسماء بنت أبي بكر إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصل فيه.» أخرجه البخاري، وعن أنس - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذنوب من ماء فأهريق على بول الأعرابي» . متفق عليه.
    وهذا أمر يقتضي الوجوب؛ ولأنها طهارة تراد للصلاة، فلا تحصل بغير الماء، كطهارة الحدث، ومطلق حديثهم مقيد بحديثنا، والماء يختص بتحصيل إحدى الطهارتين، فكذلك الأخرى. انتهى.
    أقوى ما يستدل به على أن غير الماء يجزئ في إزالة النجاسة ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: عائشة: «ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها، فقصعته بظفرها»(3) انظر المجموع للنووي(1/ 95).

    وقال ابن تيمية رحمه الله (21/ 474-479): وأما إزالة النجاسة بغير الماء ففيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد:

    أحدها: المنع كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد.

    والثاني: الجواز كقول أبي حنيفة وهو القول الثاني في مذهب مالك وأحمد.

    والقول الثالث: في مذهب أحمد أن ذلك يجوز للحاجة كما في طهارة فم الهرة بريقها وطهارة أفواه الصبيان بأرياقهم ونحو ذلك.

    والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء: "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء" وقوله في آنية المجوس: "ارحضوها ثم اغسلوها بالماء" . وقوله في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد: "صبوا على بوله ذنوبا من ماء" فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة ولم يأمر أمراً عاماً بأن تزال كل نجاسة بالماء. وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع:
    منها: الاستجمار بالحجارة.
    ومنها: قوله في النعلين: "ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهوراً" ومنها قوله في الذيل: "يطهره ما بعده" ومنها أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يكونوا يغسلون ذلك.
    ومنها: قوله في الهر: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" مع أن الهر في العادة يأكل الفأر ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء بل طهرها ريقها.
    ومنها: أن الخمر المنقلبة بنفسها تطهر باتفاق المسلمين.

    وإذا كان كذلك فالراجح في هذه المسألة أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها، فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة لما في ذلك من فساد الأموال كما لا يجوز الاستنجاء بها.

    والذين قالوا لا تزول إلا بالماء: منهم من قال: إن هذا تعبد؛ وليس الأمر كذلك فإن صاحب الشرع أمر بالماء في قضايا معينة لتعينه؛ لأن إزالتها بالأشربة التي ينتفع بها المسلمون إفساد لها، وإزالتها بالجامدات كانت متعذرة كغسل الثوب والإناء والأرض بالماء، فإنه من المعلوم أنه لو كان عندهم ماء ورد وخل وغير ذلك لم يأمرهم بإفساده فكيف إذا لم يكن عندهم.

    ومنهم من قال: إن الماء له من اللطف ما ليس لغيره من المائعات فلا يلحق غيره به؛ وليس الأمر كذلك؛ بل الخل وماء الورد وغيرهما يزيلان ما في الآنية من النجاسة كالماء وأبلغ، والاستحالة له أبلغ في الإزالة من الغسل بالماء؛ فإن الإزالة بالماء قد يبقى معها لون النجاسة فيعفى عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" وغير الماء يزيل الطعم واللون والريح.

    ومنهم من قال؛ كان القياس أن لا يزول بالماء لتنجيسه بالملاقاة لكن رخص في الماء للحاجة، فجعل الإزالة بالماء صورة استحسان فلا يقاس عليها.

    وكلا المقدمتين باطلة؛ فليست إزالتها على خلاف القياس بل القياس أن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها.

    وقولهم: إنه ينجس بالملاقاة ممنوع، ومن سلمه فرق بين الوارد والمورود عليه أو بين الجاري والواقف.

    ولو قيل: إنها على خلاف القياس فالصواب أن ما خالف القياس يقاس عليه إذا عرفت علته؛ إذ الاعتبار في القياس بالجامع والفارق.

    واعتبار طهارة الخبث بطهارة الحدث ضعيف؛ فإن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها؛ ولهذا لم تسقط بالنسيان والجهل، واشترط فيها النية عند الجمهور.

    وأما طهارة الخبث فإنها من باب التروك فمقصودها اجتناب الخبث؛ ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود كما ذهب إليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم.

    ومن قال من أصحاب الشافعي وأحمد: إنه يعتبر فيها النية فهو قول شاذ مخالف للإجماع السابق مع مخالفته لأئمة المذاهب.... وإنما المقصود هنا التنبيه على أن النجاسة من باب ترك المنهي عنه فحينئذ إذا زال الخبث بأي طريق كان حصل المقصود، ولكن إن زال بفعل العبد ونيته أثيب على ذلك، وإلا إذا عدمت بغير فعله ولا نيته زالت المفسدة، ولم يكن له ثواب ولم يكن عليه عقاب.
    وسئل - رحمه الله -:
    عن استحالة النجاسة كرماد السرجين النجس، والزبل النجس، تصيبه الريح والشمس فيستحيل تراباً، فهل تجوز الصلاة عليه أم لا؟ 
    فأجاب:
    وأما استحالة النجاسة، كرماد السرجين النجس والزبل النجس يستحيل تراباً؛ فقد تقدمت هذه المسألة.

    وقد ذكرنا أن فيها قولين في مذهب مالك وأحمد.

    أحدهما: أن ذلك طاهر وهو قول أبي حنيفة وأهل الظاهر وغيرهم.

    وذكرنا أن هذا القول هو الراجح.

    فأما الأرض إذا أصابتها نجاسة؛ فمن أصحاب الشافعي وأحمد من يقول: إنها تطهر وإن لم يقل بالاستحالة. ففي هذه المسألة مع " مسألة الاستحالة " ثلاثة أقوال، والصواب الطهارة في الجميع كما تقدم.انتهى.

     وقال (20/ 522): ولكن قد يقال: هذا مبني على " مسألة الاستحالة " وفيها نزاع مشهور ففي مذهب مالك وأحمد قولان، ومذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر أنها تطهر بالاستحالة، ومذهب الشافعي لا تطهر بالاستحالة.

    وقول القائل: إنها تطهر بالاستحالة أصح؛ فإن النجاسة إذا صارت ملحاً أو رماداً فقد تبدلت الحقيقة، وتبدَّل الاسم والصفة، فالنصوص المتناوِلة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير؛ لا تتناول الملح والرماد والتراب، لا لفظاً ولا معنى.
    والمعنى الذي لأجله كانت تلك الأعيان خبيثة؛ معدوم في هذه الأعيان، فلا وجه للقول بأنها خبيثة نجسة.

    والذين فرقوا بين ذلك وبين الخمر، قالوا: الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة، فيقال لهم: وكذلك البول والدم والعذرة إنما نجست بالاستحالة، فينبغي أن تطهر بالاستحالة. انتهى 

     

     


    (1) لحديث أم سلمة زوج النبي ﷺ أن امرأة سألتها : إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة : قال رسول الله ﷺ : « يطهِّره ما بعده».

    (2) أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291) عن أسماء رضي الله عنها.

    (3) أخرجه البخاري (312).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم