• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: معاني التأويل
  • رقم الفتوى: 1342
  • تاريخ الإضافة: 1 رجب 1440
  • السؤال
    تردُ كلمة التأويل في مواضع مختلفة؛ بعضها أفهم منها أنها صحيحة، وبعضها أفهم من كلام العلماء أنها فاسدة؛ فهل للتأويل عدة معانٍ؟
  • الاجابة

    التأويل يردُ على ثلاثة معان:

    المعنى الأول: التفسير؛ وهو استعمال الكثير من المفسرين كابن جرير وغيره عندما يقول: ( وتأويل هذه الآية كذا وكذا)؛ أي تفسيرها.

    المعنى الثاني: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، أي التي يصير إليها الكلام، ومن ذلك قول يوسف عليه السلام كما في قوله تعالى عنه: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} [يوسف:100]، عندما وقعت وتحققت الرؤيا؛ قال لأبيه: هذا تأويل رؤياي؛ أي: هذا ما آلت إليه الرؤيا؛ فهذا وقوعها.

    المعنى الثالث؛ وهو المعنى الاصطلاحي؛ وهو صرف اللفظ عن ظاهره.
    فإن كان لدليل صحيح، فهو التأويل الصحيح، وأما التأويل الفاسد فصرف اللفظ عن ظاهره لغير دليل صحيح، فالتأول غير جائز إلا مع وجود الدليل الصحيح.
    فتارة العلماء يعرفونه بقيد، فيقولون صرف اللفظ عن ظاهره لدليل صحيح، ويعنون به التأويل الصحيح خاصة.
    وتارة يطلقون فيقولون: صرف اللفظ عن ظاهره.
    فقط ولا يذكرون الدليل الصحيح، فيريدون التأويل بقسميه الصحيح والفاسد. والله أعلم 

    قال ابن عثيمين في تقريب التدمرية (ص75): التأويل لغة: ترجيع الشيء إلى الغاية المرادة منه، من "الأول" وهو الرجوع.
    وفي الاصطلاح: رد الكلام إلى الغاية المرادة منه بشرح معناه أو حصول مقتضاه.
    ويطلق على ثلاثة معان:
    الأول: التفسير: وهو توضيح الكلام بذكر معناه المراد به، ومنه قوله تعالى عن صاحبي السجن يخاطبان يوسف: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 36] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" وسبق قول ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله". ومنه قول ابن جرير وغيره من المفسرين "تأويل قوله تعالى" أي: تفسيره.
    والتأويل بهذا المعنى معلوم لأهل العلم.
    المعنى الثاني: مآل الكلام إلى حقيقته، فإن كان خبراً فتأويله نفس حقيقة المخبر عنه - وذلك في حق الله كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره - وإن كان طلباً فتأويله امتثال المطلوب.
    - مثال الخبر: قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: 53] . أي ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا وقوع حقيقة ما أخبروا به من البعث والجزاء، ومنه قوله تعالى عن يوسف: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف: 100] .
    - ومثال الطلب: قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن؛ أي: يمتثل ما أمره الله به في قوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر: 1-3] .
    وتقول: فلان لا يتعامل بالربا يتأول قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275] .
    والتأويل بهذا المعنى مجهول حتى يقع فيدرك واقعاً.
    فأما قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] . فيحتمل أن يكون المراد بالتأويل فيها التفسير، ويحتمل أن يكون المراد به مآل الكلام إلى حقيقته بناء على الوقف فيها والوصل.
    فعلى قراءة الوقف عند قوله: {إِلَّا اللَّهُ} ؛ يتعين أن يكون المراد به مآل الكلام إلى حقيقته؛ لأن حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر لا يعلمها إلا الله عز وجل.
    وعلى قراءة الوصل يتعين أن يكون المراد به التفسير، لأن تفسيره معلوم للراسخين في العلم فلا يختص علمه بالله تعالى.
    فنحن نعلم معنى الاستواء أنه العلو والاستقرار، وهذا هو التأويل المعلوم لنا، لكننا نجهل كيفيته وحقيقته التي هو عليها، وهذا هو التأويل المجهول لنا.
    وكذلك نعلم معاني ما أخبرنا الله به من أسمائه وصفاته، ونميز الفرق بين هذه المعاني فنعلم معنى الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر ونحو ذلك ونعلم أن الحياة ليس هي العلم، وأن العلم ليس هو القدرة، وأن القدرة ليس هي السمع، وأن السمع ليس هو البصر ... وهكذا بقية الصفات والأسماء، لكننا نجهل حقائق هذه المعاني وكنهها الذي هي عليه بالنسبة إلى الله عز وجل.
    وهذا المعنيان للتأويل هما المعنيان المعروفان في الكتاب والسنة وكلام السلف.

    المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقتضيه. وإن شئت فقل: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر لدليل يقتضيه.
    وهذا اصطلاح كثير من المتأخرين الذين تكلموا في الفقه وأصوله، وهو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل هو حق أو باطل؟
    والتحقيق: أنه إن دل عليه دليل صحيح فهو حق محمود يعمل به ويكون من المعنى الأول للتأويل وهو التفسير؛ لأن تفسير الكلام تأويله إلى ما أراده المتكلم به سواء كان على ظاهره، أم على خلاف ظاهره ما دمنا نعلم أنه مراد المتكلم.
    مثال ذلك: قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوه} [النحل: 1] . فإن الله تعالى يخوف عباده بإتيان أمره المستقبل، وليس يخبرهم بأمر أتى وانقضى بدليل قوله: {فَلا تَسْتَعْجِلُوه} .
    ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] ؛ فإن ظاهر اللفظ إذا فرغت من القراءة، والمراد إذا أردت أن تقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ إذا أراد أن يقرأ لا إذا فرغ من القراءة.
    وإن لم يدل عليه دليل صحيح كان باطلاً مذموماً، وجديراً بأن يسمى تحريفاً لا تأويلاً.
    مثال ذلك: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . فإن ظاهره أن الله تعالى علا على العرش علواً خاصاً يليق بالله عز وجل، وهذا هو المراد، فتأويله إلى أن معناه "استولى" و"ملك" تأويل باطل مذموم، وتحريف للكلم عن مواضعه؛ لأنه ليس عليه دليل صحيح.. انتهى. 

    وقال في تلخيصه للحموية (ص106): 

    الثالث - صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يُخالف الظاهر.

    وهو اصطلاح المتأخرين من المتكلمين وغيرهم. وهذان نوعان؛ صحيح وفاسد:

    فالصحيح: ما دلّ الدليل عليه، مثل تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . إلى أن المعنى إذا أردت أن تقرأ.

    والفاسد: ما لا دليل عليه؛ كتأويل استواء الله على عرشه باستيلائه، ويده بقوته ونعمته، ونحو ذلك. انتهى . والله أعلم 

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم