• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الضابط في نواقض الوضوء
  • رقم الفتوى: 1457
  • تاريخ الإضافة: 12 رجب 1440
  • السؤال
    اختلف أهل العلم في عد بعض الأشياء أنها نواقض للوضوء فمنهم من عدها من النواقض ومنهم من لم يجعلها من النواقض فما الضابط في ذلك ؟
  • الاجابة

     أجمع العلماء على طهارة المتوضئ، وهذه الطهارة لا يجوز دعوى نقضها إلا بدليل صحيح من الكتاب أوالسنة أوالإجماع.

    فمثلاُ مما ثبت في كتاب الله تعالى أنه من نواقض الوضوء الغائط؛ لقوله تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً } [النساء: 43 والمائدة: 6].

    ومما ثبت في السنة أنه ناقض كالبول مثلاً، ودليله حديث صفوان بن عسال الذي أخرجه الترمذي وغيره، قال زر بن حبيش أتيت صفوان بن عسال أسأله عن المسح، فقال: « كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنّا سَفَراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيامٍ ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم»([1]).

    ومما ثبت بالإجماع أنه ناقض للوضوء المني، قال ابن المنذر - رحمه الله - في «الإجماع »: « وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من الذكر، وكذلك المرأة، وخروج المني وخروج الريح من الدبر، وزوال العقل بأي وجه زال العقل، أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء »([2]).
    انظر تتمة نواقض الوضوء في الفتوى رقم (1456).

    وقد ذهب بعض أهل العلم إلى عد بعض الأشياء نواقض للوضوء بأدلة ضعيفة أو بالقياس، والقياس هنا لا محل له؛ لأنها عبادات تعبد الله بها خلقه غير معقولة عللها، وقد يخرج من المخرج الواحد ما يوجب الوضوء وما يوجب الغسل، وما لا يوجب شيئاً، كالبول والمني والحيض والاستحاضة، فليست العلّة هي اتحاد المخرج، وبعض الفقهاء تجده يتكلف في استنباط العلة مما يجعلهم يبتعدون عن الصواب والله أعلم.

    قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 281) في أثناء ذكره لنقض الوضوء بالرعاف أو خروج الدم: واحتج غيرهما ممن لا يوجب الوضوء من ذلك بأن الفرائض إنما تجب بكتاب أو سنة أو إجماع، وليس مع من أوجب الوضوء من ذلك حجة من حيث ذكرنا، بل قد أجمع أهل العلم على أن من تطهر طاهر.
    وقد اختلفوا في نقض طهارته بعد حدوث الرعاف والحجامة وخروج الدماء من غير القرح والقيء والقلس. فقالت طائفة: انتقضت طهارته، وقال آخرون لم تنتقض قال: فغير جائز أن تنتقض طهارة مجمع عليها إلا بإجماع مثله أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا معارض له، ولا يجوز أن يشبه ما يخرج من سائر الجسد بما يخرج من القبل أو الدبر لأنهم قد أجمعوا على الفرق بين ريح تخرج من الدبر وبين الجشاء المتغير يخرج من الفم، فأجمعوا على وجوب الطهارة في أحدهما وهو الريح الخارج من الدبر، وأجمعوا أن الجشاء لا وضوء فيه، ففي إجماعهم على الفرق بين ما يخرج من مخرج الحدث وبين ما يخرج من غير مخرج الحدث أبين البيان على أن ما خرج من سائر الجسد غير جائز أن يقاس على ما خرج من مخرج الحدث. مع أن من خالفنا من أهل الكوفة يفرق بين الدود يخرج من مخرج الحدث وبين الدود يسقط من الجرح فيوجب الوضوء في الدودة الخارجة من الدبر ولا يوجب الوضوء من الدودة الساقطة من الجرح، ولا فرق بين الدودتين وبين الدمين الخارج أحدهما من مخرج الحدث والآخر من غير مخرج الحدث.
    ويدخل على أهل الكوفة شيء آخر زعموا أن بظهور دم الاستحاضة والغائط والبول يجب الوضوء وتركوا أن يوجبوا الوضوء من الدم يخرج من سائر الجسد حتى يسيل ولو جاز أن يحكم لأحدهما بحكم الآخر وجب أن يكون الجواب في أحدهما كالجواب في الآخر.
    قال أبو بكر: وليس وجوب الطهارات من أبواب النجاسات بسبيل ولكنها عبادات قد يجب على المرء الوضوء بخروج الريح من دبره ثم يجب عليه كذلك غسل الأطراف والمسح بالرأس وترك أن يمس موضع الحدث بماء أو حجارة، وقد يجب بخروج المني وهو طاهر غسل جميع البدن ويجب بخروج البول غسل أعضاء الوضوء والبول نجس ويجب بالتقاء الختانين الاغتسال وكل ذلك عبادات وغير جائز أن يقال: إن الطهارات إنما تجب لنجاسة تخرج فنجعل النجاسات قياسا عليها بل هي عبادات لا يجوز القياس عليها. انتهى
    وانظر الفتوى رقم (1475).

     وذكر ابن حزم الإجماع على أن غير ما ذكره غير ناقض للوضوء(ص20-21) فقال: وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَوْل من غير المستنكح بِهِ، وَأَن الفسو والضراط، إذا خرج كل ذَلِك من الدبر، وَأَن إيلاج الذّكر فِي فرج الْمَرْأَة بِاخْتِيَار المولج؛ ينْقض الْوضُوء، بنسيان كَانَ ذَلِك أَو بعمد، وَكَذَلِكَ ذهَاب الْعقل بسكر أَو إغماء أَو جُنُون.
    وَاتَّفَقُوا على أَن مَا عدا مَا ذكرنَا وَمَا عدا مس الْمَرْأَة الرجل وَالرجل الْمَرْأَة بِأَيّ عُضْو تماسا وكيفما تماسا وَمَا عدا مس الْفرج والدبر وَالذكر والإبط وَمَسّ الصَّلِيب وَمَسّ الإبط والأوثان والكلمة القبيحة ونظرة الشَّهْوَة وَخُرُوج الدَّم حَيْثُمَا خرج وَذبح الْحَيَوَان وَمَاء الْمدَّة والقيء والقلس والقيح وَقلع الضرس وإنشاد الشّعْر والضحك فِي الصَّلَاة وقرقرة الْبَطن فِي الصَّلَاة وَأكل مَا مست النَّار أَو شربه وَلُحُوم الإبل وكل شَيْء مِنْهَا وَالنَّوْم والمذي والودي أَو لمسا على ثوب أَو غير ثوب لشَهْوَة أَو شَيْئاً خرج من أحد المخرجين من دود أَو حَصى أَو غير ذَلِك أَو شَيْء قطر فيهمَا أَو أَدخل أَو رجيعاً أَو بولاً أَو منياً خرج من غير مخرجه الْمَعْهُود أَو حلق شعره أَو قصّ ظفر أَو خلع خف مسح عَلَيْهِ أَو عِمَامَة كَذَلِك أَو كلمة عوراء أَو أَذَى مُسلم أَو حمل ميت أَو وَطْء نَجَاسَة رطبَة؛ فإنه لَا يُوجب وضُوءًا. انتهى والله أعلم

    وقال ابن قدامة في المغني (1/ 145) بعد أن ذكر جملة من نواقض الوضوء: فهذا جميع نواقض الطهارة، ولا تنتقض بغير ذلك في قول عامة العلماء؛ إلا أنه قد حكي عن مجاهد والحكم وحماد: في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، الوضوء. وقول جمهور العلماء بخلافهم، ولا نعلم لهم فيما يقولون حجة، والله سبحانه أعلم. انتهى

    وقال النووي في المجموع (2/ 55):  الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع، ولم يثبت، والقياس ممتنع في هذا الباب؛ لأن علة النقض غير معقولة.

    وقال (2/ 32): قال إمام الحرمين في الأساليب: الوجه أن يقال ما ينقض الوضوء لا يعلل وفاقاً، قال: وقد اتفق الأئمة على أن اقتضاء الأحداث الوضوء ليس مما يعلل. انتهى  


    ([1]) أخرجه الترمذي (96) (3535)، والنسائي (126)، وابن ماجه (478) عن صفوان بن عسّال .

    ([2]) « الإجماع » (ص33).  

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم