• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم انتقاض الوضوء بالقيء
  • رقم الفتوى: 1493
  • تاريخ الإضافة: 16 رجب 1440
  • السؤال
    رجل يصلي فأصابه قيء أي استفرغ، راجع ما في بطنه، فهل عليه إعادة الوضوء والصلاة، وكذلك الدم الخارج من الأنف هل ينقض الوضوء ؟
  • الاجابة

    القيء وهو: ما قذفته المعدة. أي ماخرج من المعدة من الطعام.

     وكذلك القَلَس وهو: ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه، وليس بقيء، وهو ما يشعر به الإنسان أحياناً من خروج عصارة المعدة.

    والرعاف، وهو: الدم يخرج من الأنف.

     هذه كلها لا تنقض الوضوء على الصحيح؛ لعدم وجود الدليل الصحيح، والأصل بقاء الطهارة، والأحاديث الواردة في أنها نواقض للوضوء ضعيفة لا تصح، منها : ما أخرجه الترمذي وغيره أن النبي ﷺ قاء فتوضأ([1])، وحديث عائشة أن النبي ﷺ قال: « من أصابه قيء أو رعاف أو قَلَس أو مَذْي فليتوضأ » أخرجه ابن ماجه وغيره([2])، والله أعلم.

    قال الترمذي في جامعه بعد حديث أبي الدرداء(87): وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين: الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق.
    وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك، والشافعي.انتهى

    وقال ابن المنذر في الأوسط (1/ 290): «اختلف أهل العلم في الوضوء من القيء، فأوجبت طائفة منه الوضوء، فممن روينا عنه أنه رأى الوضوء علي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وكان ابن عمر يأمر بالوضوء منه».
    وذكرآثاراً عن بعض الصحابة بذلك، ثم قال: «وممن رأى منه الوضوء عطاء بن أبي رباح والزهري وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل.

    وقال أصحاب الرأي: إن تقيأ متعمداً أو غير متعمد أو قلس ملء فيه أعاد الوضوء، وإن كان القلس أقل من ملء فيه لم يعد الوضوء.
    واختلف أصحاب الرأي إذا تقيأ ملء فيه بلغماً، فقال النعمان ومحمد: لا يعيد الوضوء، وقال يعقوب: البلغم كغيره من الطعام والشراب إذا كان ملء فيه أعاد الوضوء.
    وكان مالك وأصحابه لا يرون في القيء وضوءاً، وكذلك قال الشافعي وأبو ثور، وقال مالك: رأيت ربيعة يقلس ثم لا ينصرف حتى يصلي.

    ذكر الوضوء من القلس
    واختلفوا في الوضوء من القلس، فرأت طائفة فيه الوضوء، فممن رأى أن فيه الوضوء عطاء وقتادة والنخعي والشعبي والحكم وحماد، وروي ذلك عن مجاهد والقاسم وسالم، وسئل الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز عن القلس فقالا: إذا قلست فظهر على لسانك استأنفت الوضوء والصلاة.
    وقال إسحاق: يعيد الوضوء من قليله وكثيره.

     وقالت طائفة: ليس في القلس وضوء، هذا قول الحسن البصري وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور، وحكي عن الزهري وعمرو بن دينار أنهما قالا: ليس في القلس وضوء.
    وفيه قول ثالث، وهو: أن لا وضوء في قليله وإذا كان كثيراً توضأ، هذا قول حماد بن أبي سليمان، وقد ذكرت قول أصحاب الرأي في هذه المسألة في باب القيء.
    واختلف فيه عن أحمد بن حنبل فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال في القلس إذا كان قليلاً فلا وضوء عليه، وإذا كثر حتى يكون مثل القيء فنعم، وحكى أبو داود عنه أنه قال في القلس مثل ما خرج من السبيلين.
    وروينا من حديث حجاج بن أرطاة عن عطاء والنخعي أنهما قالا في القلس: إذا ازدرده فلا يتوضأ وإن لفظه يتوضأ، وعن الحسن البصري أنه كان لا يرى في القلس الحبة ونحو ذلك وضوءاً.
    قال أبو بكر: أجمع أهل العلم في سائر الأحداث مثل البول والمذي والغائط والريح أن الوضوء يجب من قليل ذلك وكثيره، والقلس نفسه لا يخلو أن يكون حدثاً كسائر الأحداث ولا فرق بين قليله وكثيره، أو لا يكون حدثاً؛ فلا معنى للتفريق بين القليل والكثير.

     وقد احتج أحمد وغيره من أصحابنا- يعني أهل الحديث- في إيجابهم الوضوء من القيء بحديث ثوبان».

     ثم ذكر بإسناده «عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: أنا صببت له وضوءاً.

     قال أبو بكر: وليس يخلوا هذا الحديث من أحد أمرين: إما أن يكون ثابتاً، فإن كان ثابتاً فليس فيه دليل على وجوب الوضوء منه؛ لأن في الحديث أنه توضأ ولم يذكر أنه أمر بالوضوء منه كما أمر بالوضوء من سائر الأحداث، وإن كان غير ثابت فهو أبعد من أن يجب به فرض.
    وكان أحمد يثبت الحديث، وقال غير واحد من أصحابنا- يعني أهل الحديث-: إن ثبت اشتهار يعيش وأبيه بالعدالة جاز الاحتجاج بحديثهما، قال: ولم يثبت  ذلك عندنا بعد، واستحب هذا القائل الوضوء منه.
    قال أبو بكر: فإن ثبت الحديث لم يوجب فرضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به فيما نعلم». والله أعلم
    وقال في الرعاف: «ذكر اختلاف أهل العلم فيما يجب على الراعف
    واختلفوا فيما يجب على الراعف، فأوجبت طائفة عليه الوضوء، فممن روينا عنه أنه رأى أن عليه الوضوء عمر وعلي وسلمان وكان ابن عمر إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع وبنى، وكذلك فعل ابن المسيب وعلقمة بن قيس وهو مذهب إبراهيم وقتادة وعطاء ومكحول، وهذا مذهب الثوري في الجرح لا يرقأ أن عليه الوضوء، وهو قول أحمد في الرعاف وبه قال أصحاب الرأي».
    وقال: «وفي الرعاف والدم السائل يخرج من البدن قول ثان، وهو: أن لا وضوء في الرعاف هذا قول طاوس، وروي ذلك عن عطاء، وبه قال أبو جعفر وسالم بن عبد الله، قال مكحول: لا وضوء من دم إلا ما خرج من جوف أو دبر. وحكي عن ربيعة أنه قال: لو رعفت ملء طست ما أعدت منه الوضوء.
    وممن مذهبه أن لا وضوء في الرعاف ولا في شيء يخرج من غير مواضع الحدث: يحيى الأنصاري وربيعة ومالك، قال مالك: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل من الجسد. وبه قال الشافعي وأبو ثور.
    وأسقطت فرقة ثالثة عن القليل منه الوضوء. روينا عن عبد الله بن أبي أوفى: أنه بزق دما ثم قام فصلى، وعن ابن عباس أنه قال: إذا كان الدم فاحشاً فعليه الإعادة، وإن كان قليلاً فلا إعادة عليه.

    قال أبو بكر: هذا يحتمل معنيين يحتمل أن يكون أراد إذا صلى وفي ثوبه دم قليل فلا إعادة عليه، ويحتمل غير ذلك.

    وعن ابن عمر أنه عصر بثرة كانت بجبهته فخرج منها دم وقيح فمسحها وصلى ولم يتوضأ. وروينا عن أبي هريرة: أنه أدخل إصبعه في أنفه فخرج فيها دم ففته بأصبعه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن جابر أنه قال: لو أدخلت أصبعي في أنفي ثم خرج دم لدلكته بالبطحاء وما توضأت. وعن أبي هريرة: أنه كان لا يرى أن يعيد الوضوء من القطرة والقطرتين. وعن ابن مسعود: أنه أدخل أصابعه في أنفه فخضبهن في الدماء، ثم قال بهن في التراب ففتهن، ثم قام إلى الصلاة».
    وقال: «وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل عن الدم، ما سال من الجرح أو كان في الثوب، فقال: سواء، أي حتى يفحش في خروجه من الجرح، وفيما يكون في الثوب منه، واحتج بأن ابن عمر عصر بثرة فخرج منه دم فمسحه وصلى ولم يتوضأ، وذكر حديث أبي هريرة وابن أبي أوفى، قال: وقال ابن عباس: إذا كان فاحشاً أعاد». انتهى باختصار.

    انظر لمعرفة نواقض الوضوء الفتوى رقم (1456) 


    ([1]) أخرجه أحمد(21701)، والترمذي(87) عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

    أعله البيهقي في«الخلافيات» بالاضطراب ويعيش بن الوليد. انظر«البدر المنير»(5/663).

    ([2]) أخرجه ابن ماجه(1221)، والبيهقي في «الكبرى»(669)، وفي «المعجم الأوسط » للطبراني (5429)، وهو غير محفوظ كما قال البيهقي.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم