صفة الغسل الواجب، والذي يجزئ المسلم هو: إفاضة الماء على جميع البدن مع النية، ومنه فروة الرأس، أي ينوي الغسل، ويصب الماء على جميع الجسم، بهذا يحصل الغسل، ويحصل بالانغماس في الماء أيضاً، ودليل ذلك حديث أم سلمة أن النبي ﷺ أمر أم سلمة بإفاضة الماء على نفسها قال لها: « إنما يكفيك أن تَحْثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهُرْت »، وذلك حين سألته عن نقض ضفر رأسها لغُسل الجنابة([1]).
وكذلك حديث جابر في «الصحيح » كان النبي ﷺ: « يأخذ ثلاثة أكُف ويفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده »([2]).
وأما المضمضة والاستنشاق فليستا واجبتين؛ فكل من الحديثين المتقدمين حديث أم سلمة وجابر ذُكر فيهما الإفاضة من غير ذكر المضمضة والاستنشاق، ولو كانتا واجبتين لذكرهما، انظر الفتوى رقم (1372) و(1543).
وكذلك الدلك ليس واجباً؛ فإنه لم يذكر في هذه الأحاديث ولا في حديث عائشة قالت عائشة: « كان النبي ﷺ إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلِّل بها أصول شعره، ثم يصبّ على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جلده كله».
ولا في حديث ميمونة قالت: « وضعت للنبي ﷺ ماءً فغسل يديه مرتين أو ثلاثاً، ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق أو غسل وجهه ويديه، ثم أفاض على جسده، ثم تحوّل من مكانه فغسل قدميه »، والله أعلم.
قال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 96): " واختلف العلماء في الجنب يغتسل في الماء، ويعم جسده ورأسه كله بالغَسل، أو ينغمس في الماء، ويعم بذلك جميع جسده دون أن يتدلك؛ فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزيه حتى يتدلك..." إلى أن قال: "وهذا قول المزني واختياره"، وقال: " هذا كله قول أبي الفرج، وقد عاد إلى جواز الغسل للمنغمس في الماء إذا أسبغ وعم، وعلى ذلك جماعة الفقهاء وجمهور العلماء، وقد روي ذلك عن مالك أيضاً نصاً.." وذكر الرواية عن مالك، ثم قال: " لكن المعروف من مذهبه ما وصفنا من التدلك، وقد روي عن الحسن وعطاء مثل ذلك، وروي عنهما خلافه.
ذكر دحيم عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: إذا اغتسلت من الجنابة فادلك جلدك وكل شيء نالته يدك.
قال: وحدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري في الجنب ينغمس في نهر، قال: يجزئه.
قال: وحدثنا أبو حفص أنه سأل الأوزاعي عن جنب طرح نفسه في نهر وهو جنب، لم يزد على أن انغمس مكانه؟ قال: يجزئه.
وعن الشعبي ومحمد بن علي وعطاء والحسن البصري قالوا: إذا اغتمس الجنب في نهر اغتماسة أجزأه.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي: يجزي الجنب إذا انغمس في الماء وإن لم يتدلك. وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وداود والطبري ومحمد بن عبد الحكم، وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وحماد بن أبي سليمان وعطاء، كل هؤلاء يقول: إذا انغمس في الماء وقد وجب عليه الوضوء، فعم الماء أعضاء الوضوء، ونوى بذلك الطهارة؛ أجزأه. انتهى باختصار
وقال النووي في المجموع (2/ 185): " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه، فوصل به، ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أو وقف تحت ميزاب أو تحت المطر ناوياً، فوصل شعره وبشره أجزأه وضوءه وغسله، وبه قال العلماء كافة إلا مالكاً والمزني، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء". انتهى والله أعلم
([1]) أخرجه مسلم (330).
([2]) أخرجه البخاري (256)، ومسلم (329).
جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم