الصحيح أن المضمضة والاستنشاق ليستا واجبتين، في الغسل ولا في الوضوء.
فقد ورد في حديث أم سلمة أن النبي ﷺ أمر أم سلمة بإفاضة الماء على نفسها من غير أن يذكر لها المضمضة والاستنشاق، فيدلّ ذلك على عدم الوجوب.
وحديث أم سلمة في «صحيح مسلم » أن النبي ﷺ قال لها: « إنما يكفيك أن تَحْثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهُرْت »، وذلك حين سألته عن نقض ضفر رأسها لغُسل الجنابة([1]).
وحديث جابر في «الصحيح » كان النبي ﷺ: « يأخذ ثلاثة أكُف ويفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده »([2]) والله أعلم.
قال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 34): فإن مالكاً والشافعي وأصحابهما يقولون: المضمضة والاستنشاق سنة، ليستا بفرض لا في الجنابة ولا في الوضوء، وبذلك قال محمد بن جرير الطبري، وهو قول الأوزاعي والليث بن سعد، وروي أيضاً عن الحسن البصري والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد وقتادة والحكم بن عتبة، فمن توضأ وتركهما، وصلى؛ فلا إعادة عليه عند واحد من هؤلاء المذكورين.
وقال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري: هما فرض في الجنابة، سنة في الوضوء، فإن تركهما في غسله من الجنابة وصلى؛ أعاد، كمن ترك لمعة، ومن تركهما في وضوئه وصلى؛ فلا إعادة عليه.
وقال ابن أبي ليلى، وحماد بن أبي سليمان، وهو قول إسحاق بن راهويه: هما فرض في الغسل والوضوء جميعاً، وروي عن الزهري وعطاء مثل هذا القول أيضاً، وروي عنهما مثل قول مالك والشافعي.
وكذلك اختلف أصحاب داود؛ فمنهم من قال: هما فرض في الغسل والوضوء جميعاً، ومنهم من قال: إن المضمضة سنة والاستنشاق فرض.
وكذلك اختلف عن أحمد بن حنبل على هذين القولين المذكورين عن داود وأصحابه، ولم يختلف قول أبي ثور وأبي عبيد أن المضمضة سنة، والاستنشاق واجب، قالا: فمن ترك الاستنشاق وصلى أعاد، ومن ترك المضمضة لم يعد.
وكذلك القول عند أحمد بن حنبل في رواية، وعن بعض أصحاب داود.
وحجة من لم يوجبهما أن الله لم يذكرهما في كتابه، ولا أوجبهما رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا اتفق الجميع عليه، والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه... ". انتهى وذكر حجج الآخرين، وانظر الفتوى رقم (1372).
([1]) أخرجه مسلم (330).
([2]) أخرجه البخاري (256)، ومسلم (329).
جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم