• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: الميزان في عقيدة أهل السنة والجماعة
  • رقم الفتوى: 1552
  • تاريخ الإضافة: 22 رجب 1440
  • السؤال
    هل الميزان الذي ورد ذكره في الكتاب والسنة أنه ينصب يوم القيامة هو ميزان حقيقي، أم هو عبارة عن العدل كما تقول المعتزلة في تأويله؟
  • الاجابة

    الميزان الذي ورد في نصوص الكتاب والسنة ميزان حقيقي؛ له كفتان ولسان، و توزن به الحسنات والسيئات يوم القيامة، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، السلف الصالح، أهل الحديث.

    قال ابن أبي زمنين في أصول السنة (ص 162): "وأهل السنة يؤمنون بالميزان يوم القيامة، وقال عز وجل: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}[القارعة: 6-9]، وقال: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}[الأنبياء: 47]". 
    ثم ذكر أدلة من السنة وأقوال السلف، وقال: "وأخبرني ابن وهب عن ابن وضاح عن زهير بن عباد أنه قال: كل من أدركت من المشايخ: مالك وسفيان وفضيل وعيسى بن يونس وابن المبارك ووكيع بن الجراح؛ كانوا يقولون: الميزان حق.
    وقال ابن وضاح: سألت يحي بن معين عنه، فقال: حق". انتهى

    وانظر الشريعة للآجري (3/ 1326)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/ 175) و (1/ 197) و(6/ 1242).

    وليس كما تقول المعتزلة: هو العدل وليس ميزاناً حقيقياً. هذا القول باطل، قول مُبتدَع حادث، لا يعرف عن السلف رضي الله عنهم، وقول السلف الإيمان بميزان حقيقي، والذي دفع المعتزلة إلى هذا التحريف أصلهم الفاسد، وهو تقديم العقل على النقل، فلا يؤمنون إلا بما يوافق أهواءهم، ويعارضون النصوص بعقولهم المنحرفة. والله أعلم 

    وأدلة الميزان في الكتاب والسنة؛ كثيرة، منها قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 8 و9]
    وقوله: {
     وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] 

    ودليل الكفتين: ما ورد في حديث البطاقة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة" أخرجه أحمد (11/ 570)، والترمذي (2639)، فعلمنا أن الميزان له كفتان.

    وأما اللسان؛ فلم أجد عليه دليلاً من الكتاب والسنة؛ ولكن قال أبو إسحاق الزجاج: "أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال".

     وهذا كافٍ إن ثبت الإجماع.

    وقد حصل خلاف بين أهل العلم؛ هل الأعمال التي توزن ؟ أم يوزن الناس أنفسهم؟ أم توزن الصحف؟

    الظاهر أن كل هذا يحصل؛ لأن الأدلة تدل على ذلك؛ ففي حديث البطاقة؛ توزن السجلات.

    وفي حديث أبي هريرة عند البخاري؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة ؛ لا يزن عند الله جناح بعوضة؛ اقرءوا: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}" في هذا الحديث دليل على أن الشخص نفسه يوزن.

    وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه؛ قال عليه السلام: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"؛ ففي هذا دليل على أن الأعمال توزن.

    وكذلك قول الله عز وجل:{ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }[المؤمنون: 102-103] فالأعمال توزن يوم القيامة، فإذا غلبت سيئات الشخص حسناته فهو من الهالكين، وإذا غلبت حسناته سيئاته فهو من الناجين.

    وهل الموازين ميزان واحد أم أكثر؟

    الراجح أنه واحد؛ والآيات التي فيها ذكر الموازين؛ إنما تدل على تعدد الموزون. قال ابن عثيمين: "الذي يظهر -والله أعلم- أن الميزان واحد، وأنه جمع باعتبار الموزون؛ بدليل قوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}"، مجموع الفتاوى والرسائل (8/ 499).

    قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية (ص 418 و419): فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: "الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام!!".

    فإن الله يقلب الأعراض أجساماً، كما تقدم، وكما روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالموت كبشاً أغثر، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح، ويقال: خلود لا موت». ورواه البخاري بمعناه.

    فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان. والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات.

    فعلينا الإيمان بالغيب، كما أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقصان.

    ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع، لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال!! وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً.

    ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين. فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه.

    فتأمل قول الملائكة، لما قال الله لهم: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}، وقال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. انتهى 

    وانظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (ص417)، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين في مجموع الفتاوى والرسائل له (8/ 498).والله أعلم 

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم