• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: لا نبي ولا رسول بعد النبي صلى الله عليه وسلم
  • رقم الفتوى: 1574
  • تاريخ الإضافة: 23 رجب 1440
  • السؤال
    في قول الله عز وجل:{ ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نبي بعدي"؛ أنه لن يأتي نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لكننا نعلم أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان؛ فكيف نوفق بين هذه الأدلة؟
  • الاجابة

    أدلة الكتاب والسنة دالة على أنه لا نبي بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو آخر الأنبياء والمرسلين، لا نبي بعده ولا رسول، هذا ما أجمع عليه المسلمون، ذكر الإجماع ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 173)، وانظر شرح صحيح مسلم(18/ 75) للنووي، فيجب على المؤمن الإيمان بهذا، ومن اعتقد أنه يُبعث بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي بشرع جديد فهو كافر؛ لأنه مكذب لله، ومكذب لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    وأما نزول عيسى عليه السلام  فليس من هذا الباب؛ لأنه عليه السلام لا ينسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل يحكم بها، ولا يأتي بدين آخر، بل يصلي خلف إمام هذه الأمة ويقول: إمامكم منكم.
    أخرج مسلم في صحيحه (156) عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة»، قال: « فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة».

    قال ابن هبيرة في الإفصاح (6/ 60): ويُجمع بين قوله: (لا نبي بعدي) وبين نزول عيسى، بأن عيسى كان في الدنيا داعيًا لأمته، ثم ينزل بعد رفعه لأجل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لما جاء بالحق من عند الله عز وجل فكذبه اليهود، وادعوا على أمه بما ادعوا، قام محمد - صلى الله عليه وسلم - بالحق من المنافحة عنهما، فيما عصوهما به، بإبطال ما كانت عليه اليهود، وبرأه الله تعالى على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - مِن كل ما قرفوه به، وشهد بأنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، ووعد بالصلاة عليه، والإيمان به، وأنه رسول الله وعبده وكلمته؛ ثوابًا بالجنة.
    كما أنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى أن آخرين قد أعطوه من الأمر ما لم يرضه هو، وادعوا أنه ولد الله - تعالى الله عن ذلك - فكذبهم فيما ادعوه، وشهد هو وأمته بكفرهم وضلالهم، فكان المعنى في أنه استأهل منه - صلى الله عليه وسلم -، فحيث برأه من هاتين العوارين؛ مما قالت فيه اليهود من الباطل والبهتان، وما قالت فيه النصارى من الإفك والعدوان؛ فنزل هو عليه السلام في آخر أمته مشيدًا لأمره، حكمًا مقسطًا أي عادلاً، يكسر الصليب، ويأخذ الجزية التي شرعها نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فيكون عيسى في معنى تتميم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقوية برهانه، وإظهار علو شأنه - صلى الله عليه وسلم -.انتهى

    وقال ابن عثيمين رحمه الله كما في مجموع الفتاوى والرسائل(9/ 479): قوله: «وأنا خاتم النبيين»، أي: آخرهم، وأكد ذلك بقوله: «لا نبي بعدي» ، فإن قيل: ما الجواب عما ثبت في نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان، مع أنه نبي ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام؛ فالجواب: إن نبوته سابقة لنبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما كونه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام؛ فليس تشريعاً جديداً ينسخ قبول الجزية، بل هو تشريع من محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه أخبر به مقرراً له. انتهى

    وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في إعانة المستفيد (1/ 339): وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأنا خاتم النبيّين، لا نبيّ بعدي" هذا كما قال الله سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، والخاتم- بفتح التاء-: الذي يختم على الشيء فلا يزاد فيه، يقال: ختم الكتاب، يعني: وضع الختم عليه بحيث لا يُزاد فيه، وختم الكيس، بمعنى أنه أغلقه بحيث لا يُزاد فيه ولا يُنقص، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ختم الأنبياء، بمعنى أنه هو آخرهم، ولا يأتي بعده نبي.
    وأما لفظ خاتِم- بالكسر- فهو: اسم فاعل، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتِم النبيّين، أي: الذي كمّلهم وانتهى به عددهم، فلا يُبعث نبي بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن تقوم الساعة، كما أن شريعته لا تُنسخ إلى أن تقوم الساعة، وأرسله الله إلى العالمين كافّة: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ، أرسله إلى العالم كافّة - عليه الصلاة والسلام-، إلى العرب والعجم، والجن والإنس {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} ، وأنزل عليه شريعة كاملة، شاملة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة.
    فالذي يدّعي النبوة بعد محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كافر، لأنه مكذِّب لله، لأن الله قال: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، ومكذِّب لرسول الله في قوله: "أنا خاتم النبيين" ومكذِّب لإجماع المسلمين، لأن المسلمين أجمعوا على أنه لا نبيّ بعد محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فإن قال قائل: "ليس المسيح عيسى بن مريم ينزل في آخر الزمان كما تواتر ذلك في الأحاديث؟.
    قلنا: نعم، ينزل في آخر الزمان، ولكن لا ينزل بشريعة جديدة، وإنما ينزل ليعمل بشريعة محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو يُعتبر مجدِّداً من المجدِّدين، ومصلحاً من المصلحين، يحكم بشريعة الإسلام، ويتبع محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزول عيسى عليه السلام لا يختلف مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا خاتم النبيين" وقول الله: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، لأنه لا ينزل بشريعة، ولا ينزل على أنه نبي يُبعث إلى الناس، وإنما ينزل على أنه حاكم بشريعة محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتابع لمحمد - عليه الصلاة والسلام-. انتهى 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم