• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: رؤية الهلال في بلد ما
  • رقم الفتوى: 1656
  • تاريخ الإضافة: 4 شعبان 1440
  • السؤال
    إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد ما ، فهل يلزم جميع الدول والبلاد الصيام أم تعتمد كل بلد على رؤيتها ؟
  • الاجابة

    إذا رُئي الهلال في بلد ما، لزم جميع دول الإسلام أن تصوم معها، والأحاديث التي فيها الأمر بالصيام والفطر لرؤية الهلال تدل على ذلك، فإن قوله ﷺ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، خطاب لأمة محمد ﷺ كلها، فإذا رُئِيَ في أي بلد لزمنا أن نصوم وأن نفطر.

    وخالف البعض، فقالوا لكل أهل بلد رؤيتهم، واستدل هؤلاء بحديث كُرَيب عند مسلم وغيره: « أنه استهل عليه هلال رمضان وهو بالشام، فرأى الهلال ليلة الجمعة فقدم المدينة فأخبر بذلك ابن عباس، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، ثم قال هكذا أمرنا رسول الله ﷺ »([1]).

    أي أن كريباً كان في الشام واستهل عليه الهلال – أي رآه – ليلة الجمعة – أي الخميس ليلاً، وهو ما يسمى ليلة الجمعة، فإن الليل يسبق النهار – فلما أخبر ابن عباس، قال إنا رأيناه ليلة السبت، ففهم البعض من هذا الحديث أن ابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله ﷺ، أي أن كل بلد يعمل أهله برؤيتهم ولا يلزمهم أن يعملوا برؤية أهل البلاد الأخرى.

    وهذا الحديث ليس فيه أن النبي ﷺ أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأمصار، وكلامه ليس صريحاً أنه من قول النبي ﷺ، والظاهر أنه استدلال من ابن عباس، فذهب رضي الله عنه إلى أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل.

    والظاهر أن قوله «هكذا أمرنا النبي ﷺ» إشارة إلى قوله: «فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه»، هذا الذي وردت به الأحاديث.

    أما الشطر الأول، فلم يرد فيه حديث عن النبي فحمل كلام ابن عباس في معرفة المرفوع من كلامه على المعنى الأول خطأ؛ لأن المعنى الثاني هو الذي وردت الأحاديث بتصديق أنه عن النبي ﷺ، فحمل الكلام على ما هو موجود ومروي أولى من حمله على شيء محتمل، وإذا ثبت عندنا أن هذا اجتهاد من ابن عباس، فلا يكون محل دلالة، والصحيح هو الأخذ بظاهر الأحاديث المتقدمة «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ، واحتمال أن يكون عند ابن عباس حديث في المنع من العمل برؤية غيرهم من أهل الأقطار، ضعيف؛ لأنه لو وجد حديث كهذا لما خفي حتى لا يعلم إلا في كلام محتمل كهذا ، والله أعلم.

    قال ابن عبد البر في التمهيد (14/ 356):  "واختلف العلماء في الحكم إذا رأى الهلال أهل بلد دون غيره من البلدان، فروي عن ابن عباس وعكرمة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، أنهم قالوا: لكل أهل بلد رؤيتهم، وبه قال إسحاق بن راهويه، وحجة من قال هذا القول .. " فذكر حديث ابن عباس، ثم قال: "وفيه قول آخر روي عن الليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل، قالوا: إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا، وهو قول مالك فيما روي لابن القاسم، وقد روي عن مالك وهو مذهب المدنيين من أصحابه: أن الرؤية لا تلزم غير البلد الذي حصلت فيه إلا أن يحمل الإمام على ذلك ، وأما مع اختلاف الكلمة فلا إلا في البلد بعينه وعمله، هذا معنى قولهم، وقد لخصنا مذاهبهم في ذلك في الكتاب الكافي". انتهى ثم رجح القول الثاني.

    وقال البغوي في شرح السنة (6/ 245): قال ابن المنذر: قال أكثر الفقهاء: إذا ثبت بخبر الناس أن أهل بلد من البلدان قد رأوه قبلهم، فعليهم قضاء ما أفطروا، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي رحمهم الله. انتهى 

    هذا بالنسبة للإمام يحكم بهذا، وأما الأفراد فالصوم والفطر يكون مع أهل بلدهم على جميع الأحوال، تبعاً للإمام إذا كان مستنده شرعياً ، أي يأمر الإمام بالصيام والفطر بناء على رؤية الهلال لا على الحسابات الفلكية فهذا لا عبرة بقوله، انظر الفتوى رقم (1640).

    قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 311): القول الثالث: أن الناس تبع للإمام فإذا صام صاموا، وإذا أفطر أفطروا، ولو كانت الخلافة عامة لجميع المسلمين فرآه الناس في بلد الخليفة، ثم حكم الخليفة بالثبوت لزم من تحت ولايته في مشارق الأرض أو مغاربها، أن يصوموا أو يفطروا لئلا تختلف الأمة وهي تحت ولاية واحدة، فيحصل التنازع والتفرق، هذا من جهة المعنى.
    ومن جهة النص: فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس
    »، فالناس تبع للإمام، والإمام عليه أن يعمل ـ على القول الراجح ـ باختلاف المطالع.
    وعمل الناس اليوم على هذا أنه إذا ثبت عند ولي الأمر لزم جميع من تحت ولايته أن يلتزموا بصوم أو فطر، وهذا من الناحية الاجتماعية قول قوي، حتى لو صححنا القول الثاني الذي نحكم فيه باختلاف المطالع فيجب على من رأى أن المسألة مبنية على المطالع، ألا يظهر خلافاً لما عليه الناس.انتهى المراد والله أعلم 


    ([1]) أخرجه مسلم (1087).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم