• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: مفسدات الصيام
  • رقم الفتوى: 1676
  • تاريخ الإضافة: 8 شعبان 1440
  • السؤال
    أرجو من فضيلتكم ذكر مفسدات الصيام، مبطلاته المعتبرة شرعاً.
  • الاجابة

    المفطرات هي:

    (الأكل والشرب)؛ لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] الشاهد قوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} أي كلوا واشربوا إلى أن يتبين لكم الفجر الصادق، فإذا تبيّن الفجر الصادق فلا تأكلوا ولا تشربوا.

     وقال ﷺ في الحديث القدسي: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»([1]) ، فالصيام يقتضي أن تدع الطعام والشراب، فإن لم تدعهما فصيامك غير صحيح، والأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم، فيشمل ما ينفع وما يضر، وما لا ينفع ولا يضر، فكل هذا يسمى أكلاً.

    قال ابن عثيمين: فبالنسبة للأكل والشرب سواء كان حلالاً أم حراماً، وسواء كان نافعاً أم ضارًّا، وسواء كان قليلاً أم كثيراً، وعلى هذا فشرب الدخان مفطر، ولو كان ضارًّا حراماً، حتى إن العلماء قالوا: لو أن رجلاً بلع خرزة لأفطر. والخرزة لا تنفع البدن، ومع ذلك تعتبر من المفطرات. ولو أكل عجيناً عجن بنجس لأفطر مع أنه ضار.انتهى مجموع الفتاوى (19/ 195).

    ومثله: (الإبر المغذية) تفطر، وأما الإبر المسكنة أو المضادات الحيوية، والمقوية، وما شابه فلا تفطر.

    سئل ابن باز: هل يجوز استعمال الإبر المقوية للصائم في رمضان؟

    فقال: لا حرج في ذلك على الصحيح، المقوية والمسكنة للآلام كل هذا لا بأس به، الممنوع الإبر المغذية التي تغذي، هذه تفطر الصائم، لكن إذا اضطر إليها، واحتاج إليها يعطى إياها ويفطر، ويكون حكمه حكم المرضى، أما الإبر للتقوية، أو تسكين الألم، أو أخذ عينة من الدم، أو شيء من ذلك لا تفطر على الصحيح. فتاوى نور على الدرب (16/ 223).

    وقال ابن عثيمين: مفسدات الصوم هي: ... الخامس: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، لأن هذه وإن كانت ليست أكلاً ولا شرباً لكنها بمعنى الأكل والشرب حيث يستغنى بها عنهما، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقف بقاء الجسم على تناول هذه الإبر، بمعنى أن الجسم يبقى متغذياً على هذه الإبر، وإن كان لا يتغذى بغيرها.

    أما الإبر التي لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب فهذه لا تفطر، سواء تناولها الإنسان في الوريد، أو في العضلات، أو في أي مكان من بدنه. انتهى مجموع الفتاوى والرسائل(19/ 192).

    (والجماع) يُبطل الصيام لقوله تعالى:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} فأحل الرفث إلى النساء في ليلة الصيام، وأمّا في نهاره فلا.

    وكذلك جاء في الحديث القدسي: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»([2]).
    قال ابن قدامة: « لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم يُنزل أو دون الفرج فأنزل أنه يفسد صومه إذا كان عامداً، وقد دلّت الأخبار الصحيحة على ذلك»([3]) . انتهى

     فالذي يُفسد الصيام أن يُجامع في الفرج بغض النظر عن الإنزال أو عدمه، فمجرد الجماع في الفرج يفسد الصيام، ثم إن جامع خارج الفرج وأنزل يفسد صيامه أيضاً، فيفسد في حالتين الإنزال والجماع سواء أنزل أو لم ينزل.

    (والقيء عمداً) مفسد للصيام والقيء خروج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم وهو أمر مجمع عليه ، قال ابن المنذر: «وأجمعوا على أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عمداً»([4]) ، وكذلك قال الخطّابي: «لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عمداً فعليه القضاء»([5]).

    ودليل هذا الإجماع الاحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض»([6]) أخرجه أبو داود، وأحمد والبخاري في «التاريخ الكبير» وضعفاه، فالحديث ضعيف لا يصح ، ومعنى قوله: «من ذرعه القيء»، أي من غلبه القيء، فخرج دون إرادته، قوله: «استقاء عمداً»، أي أخرج القيء عامداً بإرادته، فمعنى الحديث من غلبه القيء وخرج رغماً عنه فليس عليه قضاء، وصيامه صحيح، ومن أخرج القيء عامداً متعمداً، فيجب عليه القضاء ، وهذا ما دلّ عليه الحديث، ولكنه ضعيف كما ذكرنا.

     وجاء عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاث لا يفطّرن: القيء والحجامة والاحتلام»([7]) ، وعن أبي الدرداء: «أن رسول الله ﷺ قاء فأفطر»([8]) ، وهو صحيح إن شاء الله على اختلاف في إسناده.

     إذن لا يصح في هذا الباب إلا حديث أبي الدرداء. الحكم ثابت على ما ذكرنا، أن من أخرج القيء بإرادته (برغبته)، كأن يدخل مثلاً أصبعه في فمه إدخالاً شديداً حتى يخرج ما في بطنه فمثل هذا يجب عليه القضاء، أمّا من غلبه القيء وخرج منه من غير إرادته فهذا لا قضاء عليه.

    (والاستمناء) على الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يفطر إذا فعله متعمداً، وهو طلب خروج المني- الماء الدافق الذي يكون منه الولد- بأي وسيلة كانت سواء بدلك أو مباشرة أو نظر أو سماع.

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 128): ولو استمنى بيده فقد فعل محرماً، ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل، فإن أنزل فسد صومه؛ لأنه في معنى القبلة في إثارة الشهوة. فأما إن أنزل لغير شهوة، كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض، فلا شيء عليه؛ لأنه خارج لغير شهوة، أشبه البول، ولأنه يخرج من غير اختيار منه، ولا تسبب إليه، فأشبه الاحتلام. ولو احتلم لم يفسد صومه، لأنه عن غير اختيار منه، فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم. ولو جامع في الليل، فأنزل بعد ما أصبح، لم يفطر؛ لأنه لم يتسبب إليه في النهار، فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل، فذرعه القيء في النهار. انتهى

    (والردة عن دين الإسلام) تفسد الصوم إن وقعت في أثناءه.

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 133): لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم، أنه يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم، إذا عاد إلى الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم، أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاده ما يكفر به، أو شكه فيما يكفر بالشك فيه، أو بالنطق بكلمة الكفر، مستهزئاً أو غير مستهزئ، قال الله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} [التوبة: 65] {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 66] . وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية، فأبطلتها الردة، كالصلاة والحج، ولأنه عبادة محضة، فنافاها الكفر، كالصلاة. انتهى

    (والحيض والنفاس) من المرأة مبطل للصيام إذا وقع أثناءه.

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 152): أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم، وأنهما يفطران رمضان، ويقضيان، وأنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم، وقد قالت عائشة: «كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» . متفق عليه.
    والأمر إنما هو للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو سعيد: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك من نقصان دينها» . رواه البخاري. والحائض والنفساء سواء؛ لأن دم النفاس هو دم الحيض، وحكمه حكمه. ومتى وجد الحيض في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم، سواء وجد في أوله أو في آخره، ومتى نوت الحائض الصوم، وأمسكت، مع علمها بتحريم ذلك، أتمت، ولم يجزئها. انتهى 

    ولا يفطر الصائم بهذه المفطرات إلا إذا كان عالماً بالحكم والوقت، متعمداً، قاصداً.

    فإذا أكره الصائم على الفطر، أو فعل مفطراً بدون إرادة، أو فعله ناسياً أو جاهلاً لا يعلم أنه يفطر أو يظن أن وقت الصيام انتهى أو لم يدخل بعد؛ فلا شيء عليه وصومه صحيح. والله أعلم

    انظر الفتوى رقم(1677).


    ([1]) أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

    ([2]) تقدم تخريجه.

    ([3]) « المغني» لابن قدامة المقدسي (3/134).

    ([4]) «الإجماع» لابن المنذر (ص49)

    ([5]) « معالم السنن» للخطابي (2/112).

    ([6]) أخرجه أحمد (10462)، وأبو داود (2380)، والترمذي (720)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/92).

    قال البخاري: لا أراه محفوظاً. نقله الترمذي في العلل الكبير (198).

    ([7]) أخرجه الترمذي (719)، والدارقطني (2269)، وهو ضعيف. انظر ضعيف أبي داود (409) للألباني.

    ([8]) أخرجه أحمد (21701)، وأبو داود (2381)، والترمذي(720).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم