• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: صوم الدهر
  • رقم الفتوى: 1748
  • تاريخ الإضافة: 17 شعبان 1440
  • السؤال
    ما حكم صوم الدهر ؟
  • الاجابة

    صوم الدهر هو صوم السنة كلها دون إفطار يوم عيد الفطر و عيد الأضحى وأيام التشريق، وهو محرم.

    وأما إذا اجتنب هذه الأيام الخمسة؛ فيباح، ذكره ابن عبد البر عن أكثر أهل العلم في الاستذكار (3/ 333). هذا إذا لم يشق عليه الصيام بحيث يخاف ضرراً منه أو يترك من الأعمال ما هو أولى. والله أعلم 

     لما صحَّ عنه ﷺ أنه نهى عبد الله بن عمرو عن صيام الدهر، وكذلك نهى من أراد أن يصوم ولا يُفطر، وقال ﷺ: «لا صام من صام الأبد»([1]).

    وصيام الدهر هو الذي كان يفعله ابن عمرو كما جاء في «الصحيحين»، «أنه كان يصوم ولا يفطر»([2])، والذي أراد أن يفعله أحد الثلاثة الذين تقالّوا عبادة النبي ﷺ عندما سألوا عن عبادته، فقال: أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر... ([3])، فهذا هو صيام الدهر الذي نهى عنه ﷺ. والله أعلم

    قال الترمذي في جامعه(767): وقد كره قوم من أهل العلم صيام الدهر، وقالوا: إنما يكون صيام الدهر إذا لم يفطر يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، فمن أفطر هذه الأيام فقد خرج من حد الكراهية، ولا يكون قد صام الدهر كله. هكذا روي عن مالك بن أنس([4])، وهو قول الشافعي. انتهى

    ويعني بالكراهة الكراهة التحريمية؛ لأن صوم يوم عيد الفطر والأضحى محرم بالإجماع، قال ابن قدامة في المغني (3/ 169): أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة. انتهى والله أعلم 

    وقال بعض أهل العلم: صوم الدهر، هو: سرد الصوم من الأيام الكثيرة تباعاً، لا إفطار بينهن، كالشهر والأشهر، وإن أفطرت الأيام المنهي عن صومهن.

    والراجح الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو  الأسلمي عن سرد الصوم، إذ أخبره أنه يسرده([5])، وأنه سرده وصام الدهر إلا الأيام المنهي عنها هو وجماعة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. والله أعلم

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 172): فصل: وروى أبو قتادة، قال: «قيل: يا رسول الله، فكيف بمن صام الدهر؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو لم يصم ولم يفطر» . قال الترمذي: هذا حديث حسن. وعن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام الدهر ضيقت عليه جهنم» . قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فسر مسدد قول أبي موسى: (من صام الدهر ضيقت عليه جهنم) . فلا يدخلها. فضحك وقال: من قال هذا؟ فأين حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره ذلك، وما فيه من الأحاديث؟ 

    قال أبو الخطاب: إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق؛ لأن أحمد قال: إذا أفطر يومي العيدين وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس.
    وروي نحو هذا عن مالك. وهو قول الشافعي؛ لأن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم، منهم أبو طلحة. قيل: إنه صام بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة.

    والذي يقوى عندي، أن صوم الدهر مكروه، وإن لم يصم هذه الأيام([6])، فإن صامها قد فعل محرماً، وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة، والضعف، وشبه التبتل المنهي عنه؛ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قال لعبد الله بن عمرو: إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل؟ فقلت: نعم. قال: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له عينك، ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك. قال: فصم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى» . وفي رواية: «وهو أفضل الصيام. فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: لا أفضل من ذلك» . رواه البخاري. انتهى

    انظر أقوال السلف من الصحابة وغيرهم وخلافهم في تفسير صيام الدهر في تهذيب الآثار للطبري (1/ 304)، والمجموع للنووي (6/ 389).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــ

    ([1]) أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159).

    ([2]) أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159).

    ([3]) أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).

    ([4]) قال ابن عبد البر في التمهيد(23/ 70): فذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال: لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها. انتهى وانظر الاستذكار له (3/ 331).

    ([5]) أخرجه البخاري (1942)و(1943)، ومسلم(1121) عن عائشة رضي الله عنها، أن حمزة بن عمرو الأسلمي، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: «صم إن شئت، وأفطر إن شئت».

    ([6]) قال النووي في المجموع(6/ 389): في مذاهب العلماء في صيام الدهر إذا أفطر أيام النهي الخمسة، وهي: العيدان والتشريق، قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يكره إذا لم يخف منه ضرراً ولم يفوت به حقاً، قال صاحب الشامل: وبه قال عامة العلماء، وكذا نقله القاضي عياض وغيره عن جماهير العلماء، وممن نقلوا عنه ذلك عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو طلحة وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، والجمهور من بعدهم، وقال أبو يوسف وغيره من أصحاب أبي حنيفة: يكره مطلقاً. انتهى والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم