• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: صيام يوم السبت
  • رقم الفتوى: 1769
  • تاريخ الإضافة: 19 شعبان 1440
  • السؤال
    هل يشرع صيام يوم السبت ؟
  • الاجابة

    أما في الفريضة فلا أعلم خلافاً في جواز صيامه.

    وأما في التطوع فيجوز صيام يوم السبت؛ فلم يصحَّ في النهي عن صيامه في التطوع حديث، ورد فيه حديث كان ابن مهدي يتقيه لا يحدث به، قال أبو داود: قال مالك: كذب، وقال هو : منسوخ. قال فيه الإمام النسائي - رحمه الله -: وهو حديث مضطرب، وكذلك وافقه الحافظ ابن حجر على ذلك في بلوغ المرام والتلخيص، وضعفه غير واحد من علماء الإسلام، والحق معهم، فالحديث لا يصح، فيجوز صيام يوم السبت مطلقاً كبقية الأيام ، والله أعلم.

    قال بعدم كراهة إفراد يوم السبت بصوم التطوع: أكثر أهل العلم كما سيأتي في كلام ابن تيمية، ونقله بعضهم عن مالك، انظر النوادر والزيادات للقيرواني(2/ 76) ، وهو قول بعض الحنابلة، واختيار ابن تيمية كما في الاختيارات الفقهية (الفتاوى الكبرى 5/ 378)، وأحد القولين لابن باز، مجموع الفتاوى(15/ 413)، وقول شيخنا الوادعي، كما في أسئلة أحمد عزيز https://muqbel.net/fatwa.php?fatwa_id=4734

    ومن صحح الحديث حمل النهي على إفراده، جمعاً بينه وبين حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟»، قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غداً؟» قالت: لا، قال: «فأفطري»، أخرجه البخاري (1986)، وغيره، فإذا صمتَ معه الجمعة أو الأحد جاز عندهم.

    قال بكراهة إفراد يوم السبت بصيام، وحملوا النهي على الإفراد: الأحناف والشافعية وأكثر الحنابلة، وهو قول ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 463)، وقال: إن أفرده لسبب فلا كراهة، ومرة علق القول بهذا على صحة الحديث(20/ 58)، وذهب إلى ضعف الحديث في موطن آخر(20/ 36)، وهو القول الثاني لابن باز، مجموع الفتاوى (15/ 407)، وحمل النهي على إفراد السبت بصيام هو القول الأول للألباني في الإرواء (4/ 125).

    قال الترمذي (744): ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام؛ لأن اليهود تعظم يوم السبت. انتهى

    وروى البيهقي (4/ 498) عن الأوزاعي قال: "ما زلت له كاتماً، ثم رأيته انتشر". قال البيهقي: يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت، وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها في الباب قبله ما دل على جواز صوم يوم السبت، وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له. والله أعلم. انتهى

    وأما القول الثاني للشيخ الألباني رحمه الله وهو الذي استقر عليه مذهبه؛ تحريم صيام السبت في التطوع مطلقاً، انظر تمام المنة(ص407) وجامع تراث الألباني (10/ 62) ولم أجد إماماً معروفاً من السلف قال بهذا القول، إلا أن الطحاوي قال في شرح معاني الآثار(2/ 80): فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعاً. وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بصومه بأساً.  انتهى وعلى كلٍّ هذا القول فيه إعمال حديث، وإهمال ما عارضه من أحاديث هي أصح وأشهر منه، فعلى القول بصحة حديث النهي عن صيام السبت فالقول الذي فيه إعمال جميع الأدلة أولى من القول الذي فيه إهمال لبعضها. والله أعلم  

    قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 71): عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة - وفي لفظ: إلا عود عنب أو لحاء شجرة - فليمضغه» رواه أهل السنن الأربعة، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن "، وقد رواه النسائي من وجوه أخرى عن خالد وعبد الله بن بسر، ورواه أيضاً عن الصماء عن عائشة.
    وقد اختلف الأصحاب وسائر العلماء فيه: قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يفترد به، فقال: أما صيام يوم السبت يفترد به فقد جاء في ذلك الحديث حديث الصماء. يعني حديث ثور عن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم». قال أبو عبد الله: " وكان يحيى بن سعيد يتقيه، وأبى أن يحدثني به، وقد كان سمعه من ثور. قال: فسمعته من أبي عاصم.
    قال الأثرم: وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت: أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر، منها حديث أم سلمة حين سئلت: «أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً لها؟ فقالت: " السبت والأحد» .
    ومنها: حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: «أصمت أمس؟ " قالت: لا، قال" أتريدين أن تصومي غداً؟ " فالغد هو يوم السبت» .
    وحديث أبي هريرة: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو يوم بعده». فاليوم الذي بعده هو يوم السبت.
    ومنها: أنه كان يصوم شعبان كله، وفيه يوم السبت.
    ومنها: أنه أمر بصوم المحرم وفيه يوم السبت، وقال: «من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال» . . . . " وقد يكون فيها السبت.
    وأمر بصيام أيام البيض وقد يكون فيها السبت. ومثل هذا كثير .
    فهذا الأثرم، فهم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة، وذكر أن الإمام في علل الحديث (يحيى بن سعيد) كان يتقيه، وأبى أن يحدث به، فهذا تضعيف للحديث.
    واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت، ولا يقال: يحمل النهي على إفراده؛ لأن لفظه: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» والاستثناء دليل التناول، وهذا يقتضي أن الحديث عم صومه على كل وجه، وإلا لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى فإنه لا إفراد فيه، فاستثناؤه دليل على دخول غيره، بخلاف يوم الجمعة، فإنه بين أنه إنما نهى عن إفراده.
    وعلى هذا؛ فيكون الحديث: إما شاذاً غير محفوظ، وإما منسوخاً، وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه كالأثرم، وأبي داود.

    وقال أبو داود "هذا حديث منسوخ " . وذكر أبو داود بإسناده عن ابن شهاب أنه كان إذا ذكر له أنه نهى عن صيام السبت، يقول ابن شهاب: " هذا حديث حمصي "، وعن الأوزاعي قال: " ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر بعد " يعني حديث ابن بسر في صوم يوم السبت. قال أبو داود: قال مالك: " هذا كذب ".

    وأكثر أهل العلم على عدم الكراهة.
    وأما أكثر أصحابنا ففهموا من كلام أحمد الأخذ بالحديث، وحمله على الإفراد، فإنه سئل عن عين الحكم، فأجاب بالحديث، وجوابه بالحديث يقتضي اتباعه.
    وما ذكره عن يحيى إنما هو بيان ما وقع فيه من الشبهة، وهؤلاء يكرهون إفراده بالصوم، عملا بهذا الحديث، لجودة إسناده، وذلك موجب للعمل به، وحملوه على الإفراد كصوم يوم الجمعة، وشهر رجب... انتهى المراد. والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم