• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: سب الله
  • رقم الفتوى: 213
  • تاريخ الإضافة: 8 مٌحَرم 1440
  • السؤال
    جزاكم الله خيراً، أسأل عن حكم ساب الله، هل يكفر الساب أم يعذر بالجهل وسوء التربية؟
  • الاجابة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد؛
    فسب الله أي شتمه، يعني وصفه بالعيب.
    كأن يلعن الله
    ـ والعياذ بالله ـ أو يسبه بالألفاظ التي يسب الناس بعضهم بها.

    وهذا محرم وكفر بالنص والإجماع.
    أما النص فقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة: 65و66]
    وأما الإجماع فحكاه إسحاق بن راهويه من أهل الحديث، قال:
    «وقد أجمع العلماء على أن من سبَّ الله عز وجل، أو سبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقرٌ بما أنزل الله؛ أنه كافر...» (1)، وحكاه ابن حزم الظاهري (2)، والقاضي عياض المالكي (3). وغيرهم.

    قال ابن قدامة في المغني (12/298- عالم الكتب):
    فصل: ومن سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً. وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته أو برسله، أو كتبه، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }. وينبغي أن لا يُكتفى من الهازِئ بذلك بمجرد الإسلام، حتى يُؤدب أدباً يزجره عن ذلك، فإنه إذا لم يُكتف ممن سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بالتوبة، فممن سب الله تعالى أولى. انتهى كلامه رحمه الله.

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع: قوله: «أَوْ سَبَّ اللهَ» أي: وصفه بالعيب، وأعظم السب أن يلعن الله ـ والعياذ بالله ـ أو يعترض على أحكامه الكونية، أو الشرعية بالعيب، ولو على سبيل اللمز والتعريض، حتى لو كان تعريضاً فإنه يكفر؛ لأن هذا امتهان لمقام الربوبية، وهو أمر عظيم، فمن سب الله، سواء بالقول أم بالإشارة، وسواء كان جادّاً أم هازلاً، بل سَبُّ الله هازلاً أعظم وأكبر، فإنه يكون كافراً؛ لقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *} {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]، ولأن سب الله ـ عزّ وجل ـ تنقُّص له فيكون خسراناً، فكل من تنقَّص الله بقوله، أو فعله، أو قلبه فهو كافر؛ لأن الإيمان إيمان بالله عزّ وجل، وبما له من الصفات الكاملة، والربوبية التامة، فإذا سب الله فإنه يكون كافراً، حتى وإن قال: إنما قلت ذلك هازلاً لا جادّاً، نقول: هذا أقبح أن تجعل الله تعالى محل الهزء، والهزل، والسخرية. انتهى.

    وأما عذره بالجهل في مثل هذا فخطأ ظاهر، فلا أحد لا يعلم وجوب تعظيم الله وتنزيهه ، وحرمة سبه، لا من الخاصة ولا من العامة ، فحرمة ذلك أمر معلوم من الدين بالضرورة، فلا عذر بالجهل في ذلك.
    قال ابن باز رحمه الله:
    من كان بين المسلمين لا يعذر بالجهل في مثل هذا، سب الدين ردة عن الإسلام، ترك الصلاة ردة عن الإسلام، وجحد وجوبها ردة عن الإسلام، هكذا سب الله، سب الرسول، الاستهزاء بالله، أو الاستهزاء بالرسول كل هذه ردة، ما يعذر فيها بالجهل، دعوى الجهل وهو بين المسلمين؛ لأن هذا معروف بين المسلمين ومضطر، ضرورة معرفة هذا بين المسلمين، لا يخفى على أحد، ولو قال: إن الزنا حلال أو الخمر حلال كذلك ردة عن الإسلام؛ لأن هذا الشيء لا يخفى، أما إنسان في جاهلية ما يعرف الإسلام ولا هو عند المسلمين، فهذا حكمه حكم أهل الفترة، إذا مات على ذلك فأمره إلى الله يمتحن يوم القيامة، لكن بين المسلمين من سب الدين أو استهزأ بالله أو بالرسول أو ترك الصلاة، أو جحد وجوب الصلاة أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب صوم رمضان أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو قال: إن الزنا حلال أو الخمر حلال، أو العقوق للوالدين حلال كل هذا ردة ما يعذر فيه بالجهل؛ لأن هذه أمور ظاهرة من الدين، معلوم من الدين بالضرورة، يعرفها الخاص والعام بين المسلمين. نعم. انتهى من فتاوى نور على الدرب (4/139).


    وأما العذر بسوء التربية؛ فقول لا نعلم أحداً من السلف ولا من أئمة الإسلام السابقين قال به، وهو مخالف للدليل الشرعي؛ فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30] الْآيَةَ.
    فهؤلاء سوء تربيتهم هي التي جعلتهم كفاراً من اليهود والنصارى والمجوس، ولم يكن ذلك عذراً لهم بعد البلوغ وإقامة الحجة عليهم. والله أعلم.

     

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) التمهيد لابن عبد البر (3/320- مؤسسة الفرقان).

    (2) المحلى (12/435- العلمية) وذكر خلاف الجهمية والأشاعرة، وأنه لا يعتبر بخلافهم؛ لأنه مبني على أصل فاسد، وهو القول بأن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط.

    (3) الشفا في حقوق المصطفى (2/ 582- الفيحاء).

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم