يجوز ولا حرج في أكل لحم هدي التمتع والقران، فقد أكل النبي ﷺ من لحم هديه كما جاء في «صحيح مسلم» في حديث جابر([1]).
وأما ركوبها فيجوز؛ لحديث أبي هريرة في «الصحيحين»: «أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً يسوق بدنة فقال: «اركبها»، فقال: إنها بدنة - أي هدي- فقال النبي ﷺ: «اركبها»، قال: إنها بدنة، قال النبي ﷺ: «اركبها ويلك»([2]) ، فدلَّ ذلك على جواز ركوب الهَدْي.
ولكن اختلف أهل العلم هل يجوز مطلقاً أم عند الحاجة فقط، والظاهر أن الجواز مقيد بالحاجة؛ عملاً بالزيادة التي في حديث جابر، سئل عن ركوب الهدي، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «اركبها بالمعروف، إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً»([3]). والله أعلم
قال ابن قدامة في المغني (3/ 465): مسألة، قال -أي الخرقي-: (ولا يأكل من كل واجب إلا من هدي التمتع) المذهب أنه يأكل من هدي التمتع والقران دون ما سواهما. نص عليه أحمد. ولعل الخرقي ترك ذكر القران؛ لأنه متعة، واكتفى بذكر المتعة لأنهما سواء في المعنى، فإن سببهما غير محظور، فأشبها هدي التطوع. وهذا قول أصحاب الرأي. انتهى
قال ابن المنذر في الإشراف (3/ 347): في قوله: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً"، دليل على المأذون له من ذلك إذا لم يجد ظهراً غيرها، وإذا يوجد ذلك لم يكن له ركوبها. انتهى
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (9/ 74) بعد حديث أبي هريرة وجابر: هذا دليل على ركوب البدنة المهداة، وفيه مذاهب: مذهب الشافعي: أنه يركبها إذا احتاج ولا يركبها من غير حاجة، وإنما يركبها بالمعروف من غير إضرار. وبهذا قال ابن المنذر وجماعة، وهو رواية عن مالك، وقال عروة بن الزبير، ومالك في الرواية الأخرى، وأحمد، وإسحاق: له ركوبها من غير حاجة بحيث لا يضرها. وبه قال أهل الظاهر. وقال أبو حنيفة: لا يركبها إلا أن لا يجد منه بداً. وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه أوجب ركوبها لمطلق الأمر، ولمخالفة ما كانت الجاهلية عليه من إكرام البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وإهمالها بلا ركوب. دليل الجمهور: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى ولم يركب هديه، ولم يأمر الناس بركوب الهدايا، ودليلنا على عروة وموافقيه رواية جابر المذكورة. والله أعلم. انتهى
([1]) أخرجه مسلم (1218).
([2]) أخرجه البخاري (1689)، ومسلم (1322).
([3]) أخرجه مسلم (1324).
جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2025 موقع معهد الدين القيم