• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: ضابط طول الصلاة بالناس وقصرها
  • رقم الفتوى: 3579
  • تاريخ الإضافة: 16 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    ما هو الضابط في تخفيف الصلاة عند الصلاة بالناس إماماً؟
  • الاجابة

    اتفق أهل العلم في الجملة على أن الإمام عليه أن يخفف على الناس في الصلاة(1)، واختلفوا في ضابط التخفيف، والصحيح أنه ينظر إلى أضعف المصلين الذين يصلون خلفه، ويصلي على حسب حاله، بشرط أن لا يضيع أركان الصلاة من الاطمئنان وغيره، ولا يُخل بسننها ومقاصدها، فلا يطيل بحيث يشق عليهم، وفي نفس الوقت يصليها تامة، يحافظ على الاطمئنان فيها، وعلى أركانها وسننها (2).

    من أدلة التخفيف حديث معاذ الذي قال له رسول الله ﷺ فيه لما أطال الصلاة بالناس: «أفتان أنت يا معاذ»، قال جابر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ - أَوِ النِّسَاءِ - فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ» - أَوْ «أَفَاتِنٌ» - ثَلاَثَ مِرَارٍ: «فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ»(3).

    وكذلك حديث عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أُمَّ قَوْمَكَ. فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ»(4).

    ودليل الضابط المذكور: حديث عثمان بن أبي العاص في السنن(5): قال له النبي صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا». والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال الترمذي (236): وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا: ألا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض. انتهى

    وقال البغوي في شرح السنة (3/ 409):وهذا قول عامة العلماء، اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة، مخافة المشقة على الضعيف، والإطالة على ذي الحاجة، فإن أراد القوم كلهم الإطالة، فلا بأس. انتهى

    وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 225): "ذكر تقدير الإمام الصلاة بضعفاء المأمومين، وذوي الحاجة منهم".

    وذكر بإسناده : "عن مطرف بن عبد الله بن شخير، قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص، قال: كان آخر ما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرني على الطائف، أن يا عثمان اقدر الناس بأضعفهم؛ فإن فيهم السقيم، والضعيف، وذا الحاجة "". انتهى

    وقال ابن حزم في المحلى (3/ 15) بعد أن ذكر حديث عثمان، قال: "هذا حد التخفيف، وهو أن ينظر ما يحتمل أضعف من خلفه وأمسهم حاجة من الوقوف والركوع والسجود والجلوس فليصل على حسب ذلك. وروينا ذلك عن السلف الطيب... انتهى وذكر آثاراً في التخفيف.

    ونقل العراقي كلام ابن حزم هذا في طرح التثريب (2/ 349) وحسنه.

    وقال ابن سيد الناس في النفح الشذي (4/ 270): فهذا حد حسن للتخفيف، وهو أن ينظر إلى ما يحتمله أضعف من خلفه فيصلي على حسبه. انتهى 


    ([1]) نقل الاتفاق ابن عبد البر في التمهيد (19/ 4)، وهو ظاهر كلام البغوي الآتي، وظاهر ما نقله الترمذي في كلامه الآتي أن فيه خلافاً، وعلى كلٍّ فلا عبرة بالخلاف مع وجود النصوص الواضحة في المسألة . والله أعلم 

    ([2]) والقول الثاني: التخفيف المأمور به الأئمة هو الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله إذا أمّ، فالنقص منه ليس بتخفيف مشروع عندهم. وهو اختيار ابن تيمية وابن رجب وابن عثيمين. انظر مجموع الفتاوى (22/ 575 و 596)، وفتح الباري لابن رجب (6/ 221)، والشرح الممتع (4/ 192). انظر أقوال أهل العلم وأدلتهم في كتاب الصلاة لابن القيم (ص 124 فما بعدها)، وانظر ترجيح القول الذي رجحناه ورد أدلة القول الآخر في حاشية الصنعاني على شرح ابن دقيق العيد لعمدة الأحكام (2/ 259- 264). 

    ([3]) متفق عليه البخاري (705) ومسلم (465) .

    ([4]) أخرجه مسلم (468).

    ([5]) أخرجه أحمد (16270)، وأبو داود (531)، والنسائي (672)، والترمذي (209)، وابن ماجه (714)، مختصرا ومطولاً.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم