• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: هل يؤاخذ المأموم بنقص صلاة الإمام ؟
  • رقم الفتوى: 3580
  • تاريخ الإضافة: 16 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    هل يؤاخذ المأموم بنقص صلاة الإمام ؟
  • الاجابة

    النقص الذي يحصل في صلاة الإمام هو الذي يتحمله فقط، ولا شيء على المأموم إذا أتم المأموم صلاته، وصلاته صحيحة إن شاء الله وأجره تام، فإذا اختلّت صلاةُ الإمامِ كانَ ذلكَ عليهِ، لا على المؤتمّينَ بهِ ؛ لقول النبي ﷺ في الأمراء: «يصلّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم»([1])، والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 184): يدل هذا الحديث على أن المأموم لا يضره تقصير صلاة الإمام في صلاته، إذا أتى هو بما يجب عليه فيها، إذ كلٌّ مُؤَدٍّ فرض نفسه، ولا يضره تقصير غيره، وهذا الحديث يدل على إغفال من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه. انتهى 

    وقال ابن تيمية: وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأئمة: "يصلون لكمن، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم". فخطؤه وتفريطه عليه لا على المسلمين الذين لم يفرطوا ولم يخطئوا. انتهى من مجموع الفتاوى (25/ 206).

    وقال : وأما الإمام فلو أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم كما في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أئمتكم يصلون لكم ولهم، فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطؤوا فلكم وعليهم". فجعل خطأ الإمام على نفسه دونهم، وقد صلى عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم وهو جنب ناسياً للجنابة فأعاد ولم يأمر المأمومين بالإعادة، وهذا مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه.

    وكذلك لو فعل الإمام ما يسوغ عنده وهو عند المأموم يبطل الصلاة، مثل أن يفتصد(2) ويصلي ولا يتوضأ، أو يمس ذكره، أو يترك البسملة، وهو يعتقد أن صلاته تصح مع ذلك، والمأموم يعتقد أنها لا تصح مع ذلك؛ فجمهور العلماء على صحة صلاة المأموم، كما هو مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين، بل في أنصهما عنه، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي اختاره القفال وغيره.

    ولو قدر أن الإمام صلى بلا وضوء متعمداً والمأموم لم يعلم حتى مات المأموم، لم يطالب الله المأموم بذلك، ولم يكن عليه إثم باتفاق المسلمين، بخلاف ما إذا علم أنه يصلي بلا وضوء، فليس له أن يصلي خلفه فإن هذا ليس بمصل، بل لاعب، ولو علم بعد الصلاة أنه صلى بلا وضوء ففي الإعادة نزاع ...انتهى من مجموع الفتاوى (23/ 352).

    وقال ابن حجر في فتح الباري (2/ 188): قال ابن المنذر: هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه. قوله: (وأن أخطؤوا) أي ارتكبوا الخطيئة، ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد؛ لأنه لا إثم فيه. قال المهلب: فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه. ووجَّه غيره قوله: "إذا خيف منه" بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة. وقال البغوي في شرح السنة: فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثاً أنه تصح صلاة المأمومين، وعليه الإعادة. واستدل به غيره على أعم من ذلك، وهو: صحة الائتمام بمن يُخِل بشيء من الصلاة: ركناً كان أو غيره إذا أتم المأموم ، وهو وجه عند الشافعية، بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه، والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن علم أنه ترك واجباً، ومنهم من استدل به على الجواز مطلقاً بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد، قال: ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية؛ كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة، ولا أنها من أركان القراءة، ولا أنها آية من الفاتحة، بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها. قال: فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة؛ لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ، وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب. انتهى 

    وقال ابن رجب في فتح الباري (6/ 183): وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن من صلى خلف من لا يتم صلاته فأتم صلاته، فإن صلاته صحيحة، ودخل في هذا: من صلى خلف محدِث، يعلم حدث نفسه أو لا يعمله. وقد سبق الكلام على ذلك. ومن صلى خلف إمام يؤخر الصلاة عن مواقيتها، وقد سبق الكلام عليه - أيضاً - .

    ومن صلى خلف من ترك ركناً أو شرطاً في صلاته متأولاً، والمأموم يخالف تأويله.
    وفي صحة صلاته وراءه قولان، هما روايتان عن أحمد، كمن صلى خلف من مس ذكره أو احتجم ولم يتوضأ، ومن صلى خلف من لا يتم ركوعه وسجوده، وأتمه المأموم أجزأته صلاته، كذا قال علقمة، والأوزاعي.
    وسئل أحمد عمن قام إمامه قبل أن يتم تشهده الأول، فذكر قول علقمة - يعني: أنه يتمه ثم يقوم.
    وسئل سفيان الثوري عمن صلى خلف من يسرع الركوع والسجود؟ قال: تمم أنت والحق به.
    وقال يحيى بن آدم: صليت خلف رجل فأعدت صلاتي من سوء صلاته.
    وقال أحمد في إمام لا يتم ركوعه ولا سجوده: لا صلاة له، ولا لمن خلفه -: نقله عنه أبو طالب.
    ونقل عنه ابن القاسم ما يدل على أن من خلفه إذا أتم فلا إعادة عليه.
    وهذا يرجع إلى ما ذكرنا؛ فإن من صور هذا الاختلاف: من ترك الطمأنينة متأولاً، وصلى خلفه من يرى وجوب ذلك واطمأن.
    وأكثر كلام أحمد يدل على أنه يفرق بين التأويلات الضعيفة المخالفة للسنن الصحيحة، [فلا يمنع](3) من الصلاة خلف متأولها، كما نص على أنه لا يصلى خلف من يقول: الماء من الماء، ولا من ترك قراءة الفاتحة في بعض الركعات على التأويل، وأنه يصلى خلف من لا يتوضأ من خروج الدم، ولا من أكل لحم الإبل، ولا من مس الذكر، أو يصلي في جلود الثعالب على التأويل.
    وسوى أبو بكر عبد العزيز بن جعفر وأكثر أصحابنا بين الجميع، والصحيح التفرقة.
    ولهذا نص الشافعي وأحمد على أنه لا يحد الناكح بلا ولي، ويحد من شرب النبيذ متأولاً، ونص أحمد على أن الفرق هو: ضعف التأويل في شرب النبيد خاصة.
    وقال سفيان الثوري: لا يصلى خلف من مسح على رجليه، ومن صلى خلفه أعاد الصلاة.
    وقال شريك: لا يصلى خلفه، ولا تعاد الصلاة...انتهى 


    (1) أخرجه البخاري (694) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

    (2) أي يخرج الدم، وبعض أهل العلم يذهب إلى أن خروج الدم من المتوضئ يبطل الوضوء.

    (3) كذا هي في المطبوع، ولعلها: فيمنع.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم