• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: نصيحة في تسوية الصف وإتمامه
  • رقم الفتوى: 3584
  • تاريخ الإضافة: 17 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    نرجو من فضيلتكم توجيهات للمصلين تتعلق بتسوية الصف وإتمامه ؟
  • الاجابة

    يجب على المصلين تسوية الصفوف وتعديلها ورصها، والاهتمام بذلك؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، وتحذيره من مخالفته باختلاف الوجوه.

    قال صلى الله عليه وسلم: «سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» متفق عليه([1])، وقال: «لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنَّ اللهُ بين وجوهكم » متفق عليه([2]).

    ويجب عليهم وأن يُتِمّوا الصفَّ الأولَ، ثم الذي يليه.. إلخ؛ لأمره ﷺ بذلك، فقد قال: «أتّموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر»([3]) فيجب إتمام الصف الأول فالأول.

    ويقاربوا بينها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رصّوا الصفوف وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق..»([4]) الحديث، قال ابن المنذر: حكى علي عن أبي عبيد قال: قال الكسائي: التراص أن يلتصق بعضهم ببعض، حتى لا يكون بينهم خلل، ومنه قول الله عز وجل: {كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4] الآية([5]).

    وقد اختلف العلماء في وجوب تسوية الصفوف، والراجح الوجوب، ولكنها لا تبطل الصلاة إذا أخل بها المصلون. والله أعلم. هذه خلاصة الفتوى.

    قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 288): وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة، من طرق شتى صحاح، كله ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده. وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه. انتهى

    وقال النووي في المجموع (4/ 225): قوله صلى الله عليه وسلم: "وتراصوا" هو بتشديد الصاد، قال الخطابي وغيره: معناه تضاموا وتدانوا ليتصل ما بينكم. قال أصحابنا: يسن للإمام أن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف عند إرادة الإحرام بها، ويستحب إذا كان المسجد كبيراً أن يأمر الإمام رجلاً يأمرهم بتسويتها ويطوف عليهم أو ينادي فيهم، ويستحب لكل واحد من الحاضرين أن يأمر بذلك من رأى منه خللاً في تسوية الصف؛ فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى، والمراد بتسوية الصفوف: إتمام الأول فالأول، وسد الفرج، ويحاذي القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو بجنبه، ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول، ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله. انتهى 

    وقال ابن رجب في فتح الباري (6/ 268): واعلم؛ أن الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرفها به؛ فإنهم أشبهوا بذلك صفوف الملائكة في السماء، كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا:
    {وإنا لنحن الصافون} [الصافات:165] ، وأقسم بالصافات صفاً، وهم الملائكة. وفي صحيح مسلم عن حذيفة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة.."  الحديث.
    وفيه - أيضاً - عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأولى، ويتراصون في الصف" .
    وروى ابن أبي حاتم من رواية أبي نضرة، قال: كان ابن عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، استووا قياماً، يريد الله بكم هدي الملائكة. ثم يقول: {وإنا لنحن الصافون} [الصافات:165] ، تأخر فلان، تقدم فلان، ثم يتقدم فيكبر.
    وروى ابن جريح، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث، قال: كانوا لا يصفون في الصلاة، حتى نزلت: {وإنا لنحن الصافون} [الصافات:165] .
    وقد روي أن من صفة هذه الأمة في الكتب السالفة: صفهم في الصلاة، كصفهم في القتال. انتهى

    بوب الإمام البخاري في صحيحه (قبل الحديث رقم 724): باب إثم من لم يتم الصفوف، وذكر فيه إنكار أنس على من أخل بتسوية الصفوف، وقال ابن حجر في فتح الباري (2/ 210): ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: " سووا صفوفكم"، ومن عموم قوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي"، ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن.

    ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة؛ لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة.

    وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال: كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة، فقال: ما كان عمر وبلال يضربان أحداً على ترك غير الواجب، وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. انتهى 

    وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري (5/ 258): قيل: الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم. قلت: الإنكار يستلزم المنكر، وفاعل المنكر آثم، على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتسوية، والأصل في الأمر الوجوب إلا إذا دلت قرينة على غيره، ومع ورود الوعيد على تركها وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم. وقال بعضهم: وهو ضعيف؛ لأنه يفضي إلى أنه لا يبقى شيء مسنون؛ لأن التأثيم إنما يحصل من ترك واجب. قلت: قول هذا القائل ضعيف، بل هو كلام الفساد؛ لأنا لا نسلم إن حصول التأثيم منحصر على ترك الواجب، بل التأثيم يحصل أيضاً عن ترك السنة، ولا سيما إذا كانت مؤكدة، ومع القول بوجوب التسوية فتركها لا يضر صلاته؛ لأنها خارجة عن حقيقة الصلاة، ألا ترى أن أنساً، مع إنكاره عليهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة، ولا يعتبر ما ذهب إليه ابن حزم من بطلان صلاته مستدلاً بما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال: كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة، فقال ابن حزم: ما كان عمر وبلال يضربان أحداً على ترك غير الواجب. قال بعضهم: فيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. قلت: في هذا النظر نظر؛ لأن قائله قد ناقض في قوله حيث قال - فيما مر عن قريب-: التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب، فإذا لم يكن تارك السنة آثماً فكيف يستحق التعزير؟ بل الظاهر أن ضربهما كان لترك الأمر الذي ظاهره الوجوب، ولاستحقاق الوعيد الشديد في الترك. انتهى 

    وانظر الشرح الممتع لابن عثيمين (3/ 9).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ([1]) أخرجه البخاري 732)، ومسلم (433) عن أنس رضي الله عنه.

    ([2]) أخرجه البخاري (717)، ومسلم (436) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

    ([3]) أخرجه أحمد (12352)، وأبو داود (671)، والنسائي (818) عن أنس رضي الله عنه.

    ([4]) أخرجه أحمد (24588)، وأبو داود (667) عن أنس رضي الله عنه.

    ([5]) في الأوسط (4/ 201).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم