• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: مشروعية سجود السهو
  • رقم الفتوى: 3585
  • تاريخ الإضافة: 17 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    متى يشرع سجود السهو ؟
  • الاجابة

    الصحيح أنه يشرع عند كل سهو في الصلاة؛ لقول ﷺ في الحديث : «فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» أخرجه مسلم (572)، سواء كان السهو بزيادة شيء من جنس الصلاة أو بنقصانه.

    وكذلك يشرع عند الشك، كالشك في عدد الركعات، فإذا شككت ولم تدر أصليت أربعاً أم ثلاثاً، فاجعلها ثلاثاً ثم أكمل الرابعة ثم اسجد سجدتين قبل أن تسلّم؛ لحديث أبي سعيد في «الصحيحين»، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى، ثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان»([1]).

    وهذا إذا لم يغلب على ظنه شيء بعد الشك، وأما إذا غلب على ظنه شيء فيعمل بغلبة الظن ثم يسجد بعد السلام؛ لحديث ابن مسعود في «الصحيحين»: قال: قال رسول الله ﷺ: «وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب، فليتمّ عليه، ثم ليسلّم، ثم يسجد سجدتين»([2]) .

    فسجود السهو يكون لجبر ما حصل في الصلاة من نقصٍ بسبب زيادة أو نقص أو شك، وإرغاماً للشيطان، وهو سجدتان آخر الصلاة، إما قبل التسليم أو بعده، والله أعلم، هذه خلاصة الفتوى.

    قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 200): والسجود المنقول في الشريعة في أحد موضعين: إما عند الزيادة أو النقصان اللذين يقعان في أفعال الصلاة وأقوالها من قبل النسيان لا من قبل العمد.
    وإما عند الشك في أفعال الصلاة. انتهى

    وقال النووي في المجموع (4/ 127): قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يسجد للسهو للزيادة وللنقص، وبه قال جميع العلماء من السلف والخلف، قال الشيخ أبو حامد: إلا علقمة والأسود صاحبي ابن مسعود، فقالا: لا يسجد للزيادة. دليلنا الأحاديث السابقة.

    (فرع): ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يسجد لترك الجهر والإسرار والتسبيح وسائر الهيئات، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يسجد للجهر والإسرار. وقال مالك: يسجد لترك جميع الهيئات، قال الشيخ أبو حامد: وقال ابن أبي ليلى: إذا أسر في موضع الجهر أو عكس بطلت صلاته، وحكى العبدري عن الأوزاعي وأحمد في أصح الروايتين عنه: لا يسجد للجهر في موضع الإسرار ولا للإسرار في موضع الجهر، وعن أبي حنيفة ومالك والثوري وأبي ثور وإسحق: أنه يسجد، وقال أبو حنيفة وأحمد: يسجد لترك تكبيرات العيد، وعن الحكم وإسحق أنه يسجد لجميع ذلك، وأما إذا ترك التشهد الأول عمداً فالأصح عندنا أنه يسجد للسهو، وبه قال مالك، وقال النخعي وأبو حنيفة وابن القاسم: لا يسجد. وقال أحمد: تبطل صلاته. انتهى 

    وقال قبل ذلك: قال أصحابنا الذي يقتضيه سجود السهو قسمان: ترك مأمور به، أو ارتكاب منهي عنه.

     أما المأمور به فنوعان: ترك ركن وغيره.

    أما الركن فإذا تركه لم يكف عنه السجود بل لا بد من تداركه كما سبق، ثم قد يقتضي الحال سجود السهو بعد التدارك وقد لا يقتضيه كما سنفصله إن شاء الله.

    وأما غير الركن فضربان: أبعاض وغيرها، وقد سبق بيان الأبعاض في آخر صفة الصلاة، وهي: التشهد الأول، والجلوس له، والقنوت، والقيام له، وكذا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، إذا تركهما في التشهد الأول وقلنا إنهما سنة، وكذا الصلاة على الآل في التشهد الأخير إذا قلنا بالمذهب إنها ليست واجبة بل هي سنة، وكل واحد من هذه الأبعاض مجبور بسجود السهو إذا تركه سهواً؛ لحديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنهما السابق في أول الباب، وإن تركه عمداً فوجهان مشهوران: أحدهما: لا يسجد؛ لأن السجود مشروع للسهو وهذا غير ساه، ولأن السجود شرع جبراً لخلل الصلاة ورفقاً بالمصلي إذا تركه سهواً لعذره، وهذا غير موجود في العامد فإنه مقصر، وحكى الشيخ أبو حامد هذا الوجه عن أبي اسحق المروزي وأبي حنيفة. والثاني وهو الصحيح باتفاق الأصحاب يسجد؛ لأنه إذا شرع للساهي فالعامد المقصر أولى.

    وأما غير الأبعاض من السنن؛ كالتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين والتكبيرات والتسبيحات والدعوات والجهر والإسرار والتورك والافتراش والسورة بعد الفاتحة ووضع اليدين على الركبتين وتكبيرات العيد الزائدة وسائر الهيئات المسنونات غير الأبعاض؛ فلا يسجد لها، سواء تركها عمداً أو سهواً؛ لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود لشيء منها، والسجود زيادة في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف، وتخالف الأبعاض فإنه ورد التوقيف في التشهد الأول وجلوسه وقسنا باقيها عليه؛ لاستواء الجميع في أنها سنن متأكدة، وحكى جماعة من أصحابنا قولاً قديماً أنه يسجد لترك كل مسنون ذكراً كان أو فعلاً، ووجهاً أنه يسجد لنسيان تسبيح الركوع والسجود، وهما شاذان ضعيفان، والصحيح المشهور الذي قطع به المصنف والجمهور أنه لا يسجد لشيء منها غير الأبعاض لما ذكرناه.

    أما المنهي عنه فصنفان: أحدهما: ما لا تبطل الصلاة بعمده؛ كالالتفات، والخطوة والخطوتين على الأصح، وكذا الضربة والضربتان، والإقعاء في الجلوس، ووضع اليد على الفم والخاصرة، والفكر في الصلاة، والنظر إلى ما يلهي، ورفع البصر إلى السماء، وكف الثوب والشعر، ومسح الحصى، والتثاؤب، والعبث بلحيته وأنفه.. وأشباه ذلك، فهذا كله لا يسجد لعمده ولا لسهوه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعلام الخميصة، وقال: ألهتني أعلامها، وتذكر تبراً كان عنده في الصلاة، وحمل أمامة ووضعها، وخلع نعليه في الصلاة، ولم يسجد لشيء من ذلك.

    والثاني ما تبطل الصلاة بعمده؛ كالكلام والركوع والسجود الزائدين، فهذا يسجد لسهوه إذا لم تبطل به الصلاة، أما إذا بطلت به الصلاة فلا سجود، وذلك كالأكل والفعل والكلام إذا أكثر منها ساهياً؛ فإن الصلاة تبطل به على الأصح كما سبق، وكذلك الحدث تبطل به، وإن كان سهوا فلا سجود، وإذا سلم في غير موضعه ناسياً، أو قرأ في غير موضعه ناسياً، أو قرأ في غير موضع القراءة غير الفاتحة أو الفاتحة سهواً أو عمداً، إذا قلنا بالصحيح إن قراءتها في غير موضعها عمداً لا تبطل الصلاة، سجد للسهو، ولنا وجه ضعيف أن القراءة في غير موضعها لا يسجد لها، وبه قطع العبدري، ونقله عن العلماء كافة إلا أحمد في رواية عنه. انتهى 


    ([1]) أخرجه مسلم (571) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

    ([2]) أخرجه البخاري (401) ، ومسلم (572) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم