• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: قضاء الصلاة من غير عذر
  • رقم الفتوى: 3671
  • تاريخ الإضافة: 27 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    هل يشرع لمن فاتته الصلاة لغير عذر أن يقضيها ؟
  • الاجابة

    من فاتته الصلاة لغير عذر كتكاسل مثلاً، أو كما يقول بعض الناس كنت في السوق أو كنت في سهرة أو ماشابه، فلا يشرع له قضاؤها على الصحيح، ولا ينفعه، وعليه الاستغفار والتوبة، وننصحه بالإكثار من النوافل، فقد ارتكب إثماً عظيماً أجمع العلماء على فسق فاعله، بل ذهب بعض أهل العلم إلى كفره، قال ابن حزم في المحلى (2/ 15): "لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم، ولا من أحد من الأمة، في أن من تعمد ترك صلاة فرض، ذاكرًا لها، حتى يخرج وقتها، فإنه فاسق مجرح الشهادة، مستحق للضرب والنكال". انتهى

    والعلماء مختلفون في القضاء، بعضهم قال يقضيها وهم الجمهور، والبعض قال بما قلناه. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    والخلاف في قضاء الصلاة لمن أخرجها عن وقتها بغير عذر مبني على  قياسه على المعذور، وعلى مسألة أصولية وهي: هل القضاء يكفي فيه دليل وجوب العبادة، أم لا بد من دليل جديد يطلب القضاء؟!

    أي حين أمر الله بصلاة الظهر في وقت محدد، ثم أخرجتها أنت عن وقتها، وفعلتها خارجه، فهل صِحت فعلها خارج وقتها مبني على أنه أمرك بفعلها في وقتها أي بالأمر الأول، أم لابد أن يكون عندك دليل جديد يطلب منك فعلها خارج وقتها؟

    الراجح: الثاني، أي أنه لا بد من دليل جديد يطلب منك عملها خارج وقتها - وهو قول الأكثر - وذلك لأن اقتران العبادة بوقت معين يدلُّ على أن مصلحة العبادة مختصة بذلك الوقت، إذ لو كانت المصلحة في غيره لما خصت به فلا فائدة من تخصيصها به عندها، فيحتاج القضاء إلى أمر جديد كي يدل على بقاء المصلحة خارج الوقت ، واختلف القائلون بالأمر الجديد، هل الصلاة الفائتة لها أمر جديد أم لا؟

    الذين قالوا: لها أمر جديد، استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: «نعم، فدين الله أحق أن يُقضى» متفق عليه([1]) .

    قالوا: الصلاة الفائتة من دَيْنِ الله ، وأجاب الآخرون: بأن هذا الحديث في حق المعذور، والنبي ﷺ قال هذا في صيام النذر المطلق الذي ليس له وقت محدد الطرفين، كما في رواية في «الصحيحين» ، وقد أشبع ابن القيم المسألة بحثاً وتحقيقاً في «الصلاة وأحكام تاركها» ، والقول الصواب، هو أن غير المعذور إن أخرج الصلاة عن وقتها لغير عذر لا ينفعه قضاؤها.

    ولا يصح قياسه على المعذور؛ لأن الإذن له بالقضاء فضل من الله ورحمة به لعدم تقصيره، بخلاف العامد الذي يستحق العقوبة لتقصيره. والله أعلم 

    قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 192): فأما على من يجب القضاء؟ فاتفق المسلمون على أنه يجب على الناسي والنائم، واختلفوا في العامد والمغمى عليه، وإنما اتفق المسلمون على وجوب القضاء على الناسي والنائم لثبوت قوله - عليه الصلاة والسلام - وفعله، وأعني بقوله - عليه الصلاة والسلام -: «رفع القلم عن ثلاث» فذكر النائم، وقوله «إذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، وما روي «أنه من نام عن الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها» .

    وأما تاركها عمداً حتى يخرج الوقت، فإن الجمهور على أنه آثم، وأن القضاء عليه واجب، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا يقضي وأنه آثم، وأحد من ذهب إلى ذلك أبو محمد بن حزم.
    وسبب اختلافهم: اختلافهم في شيئين: أحدهما: في جواز القياس في الشرع. والثاني: في قياس العامد على الناسي إذا سلم جواز القياس.

    فمن رأى أنه إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع في أشياء كثيرة، فالمتعمد أحرى أن يجب عليه؛ لأنه غير معذور - أوجب القضاء عليه، ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان والأضداد لا يقاس بعضها على بعض إذ أحكامها مختلفة، وإنما تقاس الأشباه، لم يجز قياس العامد على الناسي، والحق في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغاً. وأما إن جعل من باب الرفق بالناسي والعذر له وأن يفوته ذلك الخير، فالعامد في هذا ضد الناسي، والقياس غير سائغ؛ لأن الناسي معذور والعامد غير معذور.

    والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء، وإنما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون؛ لأن القاضي قد فاته أحد شروط التمكن من وقوع الفعل على صحته، (وهو الوقت) إذ كان شرطا من شروط الصحة، والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه، لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم وتردد العامد بين أن يكون شبيها أو غير شبيه، والله الموفق للحق. انتهى

    وقال ابن تيمية (22/ 103): وأما من كان عالماً بوجوبها، وتركها بلا تأويل حتى خرج وقتها الموقت، فهذا يجب عليه القضاء عند الأئمة الأربعة، وذهب طائفة منهم ابن حزم وغيره إلى أن فعلها بعد الوقت لا يصح من هؤلاء، وكذلك قالوا فيمن ترك الصوم متعمداً. والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى

    وقد ذكر ابن حزم في المحلى من قال بهذا القول من السلف مع ذكر أدلته، والرد على من خالفه، انظره في المحلى (2/ 10). 

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (2/ 136): وقوله: «يجب فورا قضاء الفوائت»، ظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يدعها عمدا بلا عذر، أو يدعها لعذر، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: أن قضاء الفوائت واجب، سواء تركها لعذر أم لغير عذر، أي: حتى المتعمد الذي تعمد إخراج الصلاة عن وقتها يقال له: إنك آثم وعليك القضاء، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور أهل العلم.
    والقول الثاني في المسألة: أنه إذا فاتت العبادة المؤقتة عن وقتها لعذر قضيت، وإن فاتت لغير عذر فلا قضاء، ليس تخفيفا عن المؤخر، ولكن تنكيلا به وسخطا لفعله، وهناك فرق بين التخفيف وبين التنكيل والسخط، فنحن نقول لمن تركها عمدا: لا تقض؛ لأنك لو تقضي ألف مرة ما قبل الله منك حتى ولو تبت، لكن إذا تبت فأحسن العمل.
    حجة القائلين بأنه يقضي ولو كان لغير عذر ما يلي:

    أولا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، فإذا كان المعذور بنوم أو نسيان يلزمه القضاء، فغير المعذور من باب أولى.

    ثانيا: وقالوا أيضا: إنه لما ترك الصلاة حتى خرج وقتها كانت دينا عليه، والدين لا وقت له، ويجب على الإنسان أن يؤديه فورا، ولو خرج وقته. أرأيت لو كان بينك وبين شخص معاملة يحل الدين فيها لأول ليلة من شهر ربيع الأول، ثم مضت الليلة ولم توف، هل يسقط؟ الجواب: لا، بل يبقى في ذمتك حتى توفيه، ولو بعد حين، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم العبادات «دينا»، فإذا كان سماها «دينا» فإنه يجب قضاؤها، ولو تركها لغير عذر.

    أما دليل الذين قالوا بعدم الوجوب إذا كان لغير عذر فهو ما يلي:

    أولا: أن هذه الصلاة المؤقتة محدودة أولا وآخرا، والمحدود موصوف بهذا الوقت، كما قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103]، أي: صلاتها في هذا الوقت، فإذا أخرها عنه بلا عذر فقد صلاها على غير الوصف الذي فرضت عليه، فترك واجبا من واجباتها عمدا فلا تصح، كما لو صلى بغير وضوء عمدا بلا عذر فإنها لا تصح.

    ثانيا: إذا أخرها عن وقتها لغير عذر فقد فعلها على وجه لم يؤمر به، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». وهذا نص صريح عام، «من عمل عملا»، عملا: أي عمل يكون؛ لأنه نكرة في سياق الشرط فكان للعموم؛ «فهو رد»، أي: مردود.

    ثالثا: أنه لو صلى قبل الوقت متعمدا فصلاته لا تجزئه بالاتفاق، فأي فرق بين ما إذا فعلها قبل الوقت أو فعلها بعده؟ فإن كل واحد منهما قد تعدى حدود الله عز وجل، وأخرج العبادة عن وقتها: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 229]. 

    رابعا: أن هذا الرجل إذا أخرها عن وقتها فإنه ظالم معتد، وإذا كان ظالما معتديا فالله لا يحب المعتدين، ولا يحب الظالمين، فكيف يوصف هذا الرجل الذي لا يحبه الله لعدوانه وظلمه بأنه قريب من الله متقرب إليه؟! هذا خلاف ما تقتضيه العقول والفطر السليمة.

    أما قولهم: إنه وجب على المعذور القضاء بعد الوقت؛ فغير المعذور من باب أولى؛ فممنوع، لأن المعذور معذور غير آثم، ولا يتمكن من الفعل في الوقت، فلما لم يتمكن، لم يكلف إلا بما يستطيع، أما هذا الرجل غير المعذور فهو قادر على الفعل مكلف به، فخالف واستكبر ولم يفعل، فقياس هذا على هذا من أبعد القياس، إذا؛ فهذا قياس فاسد غير صحيح مع مخالفته لعموم النصوص: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، ومع أنه مخالف للقياس فيما إذا صلى قبل دخول الوقت.

    فالصواب: أن من ترك الصلاة عمداً ـ على القول بأنه لا يكفر ـ كما لو كان يصلي ويخلي، فإنه لا يقضيها، ولكن يجب عليه أن تكون هذه المخالفة دائما نصب عينيه، وأن يكثر من الطاعات والأعمال الصالحة لعلها تكفر ما حصل منه من إضاعة الوقت. انتهى 


    ([1]) أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم