• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الأصناف الذين لا تجب عليهم الجمعة
  • رقم الفتوى: 3676
  • تاريخ الإضافة: 27 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    من هم الذين تجب عليهم صلاة الجمعة والذين لا تجب عليهم؟
  • الاجابة

    الجمعة تجب على الأحرار البالغين المقيمين الذين لا عذر لهم، فلا تجب على غير المكلفين ومنهم الصبيان، ولا تجب على من له عذر في التخلف عنها -كالمريض والحارس-، والعبد المملوك، والمرأة، والمسافر؛ لقول النبي ﷺ: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة، عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»([1]).

    أما المرأة فأجمع العلماء على عدم وجوبها عليها وأنها تجزئ عنها لو صلتها، سيأتي في كلام ابن المنذر رحمه الله.

    واختلفوا في العبد والمسافر، والصحيح أنها لا تجب عليهما.

     ودليل عدم وجوبها على المسافر أن النبي ﷺ صلى الظهر في حجة الوداع يوم عرفة وكان يوم جمعة([2]).

    وكذلك لا تجب على من له عذر في التخلف عنها، نقلوا الاتفاق على ذلك في الجملة([3]) واختلفوا في الأعذار، وهي كثيرة منها المرض وهذا متفق عليه أيضاً([4])، وعلاج المريض والقيام على خدمته الضرورية وقت صلاة الجمعة، والحارس الذي يخشى على ما يحرسه من السرقة، أو الجندي الذي يؤدي تركه لمكانه إلى مفسدة كدخول العدو. وضابط ذلك: أن يترتب عليه مفسدة، أو أذية أو تلحقه مشقة غير معتادة، أو تعارض مع فرض شرعي هو أولى من الجمعة. ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها؛ طبع على قلبه"(4)، وفي رواية: " من غير عذر"، وفي رواية: "من غير ضرورة". هذه خلاصة الفتوى . والله أعلم 

    قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 16): جماع أبواب من تجب عليه الجمعة ومن تسقط عنه
    ذكر إسقاط فرض الجمعة عن غير البالغ وإيجابها على البالغ
     عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى من راح إلى الجمعة أن يغتسل».
    وثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم "، والجمعة والصلوات غير واجبة على من لم يبلغ بدلالة الكتاب والسنة والاتفاق، وقد ذكرت هذا الباب في غير هذا الموضع.

    ذكر إسقاط فرض الجمعة عن النساء
    أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا على أنهن إن حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك مجز عنهن.

    وممن حفظنا عنه أنه قال: لا جمعة على النساء: الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، وقتادة، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وكان عبد الله بن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول: اخرجن إلى بيوتكن خير لكن.
    عن أبي عمرو الشيباني، " أنه رأى ابن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول: اخرجن إلى بيوتكن خير لكن ".

    ذكر اختلافهم في وجوب الجمعة على العبيد
    أجمع أهل العلم على أن الجمعة واجبة على الأحرار البالغين الذين لا عذر لهم.
    واختلفوا في وجوب الجمعة على العبيد، فقالت طائفة: الجمعة واجبة على العبد الذي يؤدي الضريبة، كذلك قال الحسن البصري، وقتادة، وقال الأوزاعي: إذا كان مخارجاً فأدى ضريبته فعليه الجمعة.

    وقال قائل: الجمعة على العبيد كهي على الأحرار لدخولهم في جملة قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]، والدليل على ذلك إجماعهم على أن العبد إذا صلى مع الناس الجمعة صلى فرضاً لا تطوعاً، ولو لم يكن ذلك فرضاً ما أجزأه؛ لأن التطوع غير جائز عن الفرض، غير أنهم قد أجمعوا على أن مولاه إذا منعه من حضورها أنه معذور بالتخلف عنها، ولا عذر له في التخلف عنها إذا أذن له مولاه في حضورها.

    وقال كثير من أهل العلم: ليس على العبيد جمعة، كذلك قال عمر بن عبد العزيز، وعطاء، وروي عن ذلك عن الحسن، والشعبي، وكذلك قال مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. 

    وحكم المكاتب والمدبر كحكم سائر العبيد

    ذكر وجوب الجمعة على المسافر
    واختلفوا في وجوب الجمعة على المسافر، فقال كثير من أهل العلم: ليس على المسافر جمعة، كذلك قال ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وطاوس، وروينا عن علي أنه قال: ليس على المسافر جمعة، وروي عن أنس أنه أقام بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع، وعن عبد الرحمن بن سمرة أنه شتا بكابل شتوة أو شتوتين فكان لا يجمع.
    عن نافع، قال: كان ابن عمر يقول: «لا جمعة على المسافر».
    عن الحارث، عن علي، قال: «ليس على المسافر جمعة».
    عن الحسن «أن أنس بن مالك، أقام بنيسابور سنة أو سنتين، وكان يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين، ولا يجمع».

     وممن قال ليس على المسافر جمعة: مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
    وقال الزهري: إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة، وقد اختلف عنه، وكان النخعي يقول: ليس لمن ترك الجمعة والجماعة عذر، إلا خائف أو مريض.

    قال أبو بكر: ولعل من حجة من يقول: على المسافر الجمعة ظاهر قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]، فيقول: على كل حر بالغ الجمعة، إلا حراً أزال عنه الجمعة كتاب، أو سنة، أو إجماع.
    ومما يحتج به في إسقاط الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في أسفاره جمع لا محالة، فلم يبلغنا أنه جمع وهو مسافر، بل قد ثبت عنه أنه صلى الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة، فدل ذلك مِن فعله على أن لا جمعة على المسافر؛ لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه، فسقطت الجمعة عن المسافر استدلالاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كالإجماع من أهل العلم؛ لأن الزهري مختلف عنه في هذا الباب، وحكى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري أنه قال: لا جمعة على المسافر، وإن سمع المسافر أذان الجمعة وهو في بلد جمعة فليحضر معهم.

    قال أبو بكر: وقوله: فليحضر معهم يحتمل أن يكون أراد استحباباً، ولو أراد غير ذلك كان قولاً شاذاً خلاف قول أهل العلم، وخلاف ما دلت عليه السنة.

    وقال: ذكر من له عذر في التخلف عن الجمعة
    ثابت عن ابن عمر، أنه استصرخ على سعيد بن زيد بعدما ارتفع الضحى، فأتى ابن عمر بالعقيق وترك الجمعة حينئذ.
    عن ابن عمر أنه استصرخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعدما ارتفع الضحى، فأتاه ابن عمر بالعقيق وترك الجمعة حينئذ.

    عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذئب «أن ابن عمر دعي وهو يستجمر للجمعة لسعيد بن زيد وهو يموت، فأتاه وترك الجمعة».

    وقال ابن جريج لعطاء: أتيت عند المنبر والإمام يخطب فاستصرخت على والدي، أكنت قائماً إليه وتاركاً للجمعة؟ قال: نعم، قلت: فولد وابن عم؟ قال: نعم، لم أقم إلا في خير وصلة لم تلهني عن الجمعة الدنيا.

    وكان الحسن يقول: لا رخصة لأحد في ترك الجمعة إلا أن يخاف على نفسه، أو صاحب جنازة يخشى عليها.
    وقال الأوزاعي في صاحب الجنازة التي يتخوف عليها أن تتغير، قال: يعذر في تخلفه عن الجمعة، وقال: لا يتخلف عنها لمن يجود بنفسه، وقال الشافعي: وإن مرض له ولد، أو والد فرآه منزولاً به، وخاف فوت نفسه، فلا بأس أن يدع له الجمعة، وكذلك إن لم يكن ذلك به وكان ضائعاً لا قيم له، أو له قيم غيره، له شغل في وقت الجمعة عنه، فلا بأس أن يدع له الجمعة. انتهى باختصار الأسانيد. وانظر المغني لابن قدامة (2/ 250).

    قال النووي في المجموع (4/ 486): لا تجب الجمعة على المريض، سواء فاتت الجمعة على أهل القرية بتخلفه لنقصان العدد أم لا؛ لحديث طارق وغيره. قال البندنيجي: لو تكلف المريض المشقة وحضر كان أفضل. قال أصحابنا: المرض المسقط للجمعة هو الذي يلحق صاحبه بقصد الجمعة مشقة ظاهرة غير محتملة. قال المتولي: ويلتحق بالمريض في هذا من به اسهال كثير. قال: فان كان بحيث يضبط نفسه حرم عليه حضور الجماعة؛ لأنه لا يؤمن تلويثه المسجد. قال إمام الحرمين: فهذا المرض المسقط للجمعة أخف من المرض المسقط للقيام في الفريضة، وهو معتبر بمشقة الوحل والمطر ونحوهما. انتهى

    وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 244): وأما قوله في الحديث:" من غير عذر" فالعذر يتسع القول فيه، وجملته: كل مانع حائل بينه وبين الجمعة مما يتأذى به، أو يخاف عدوانه، أو يبطل بذلك فرضاً لا بدل منه، فمن ذلك السلطان الجائر يظلم، والمطر الوابل المتصل، والمرض الحابس.. وما كان مثل ذلك.

    ومنح العذر أيضاً أن تكون عنده جنازة لا يقوم بها غيره وإن تركها ضاعت وفسدت، وقد روينا هذا في الجنازة عن يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن أبي كثير والأوزاعي والليث بن سعد، وعن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن رجل كان مع الإمام وهو يخطب في الجمعة فبلغه أن أباه أخذه الموت؛ فرخص له أن يذهب إليه ويترك الإمام في الخطبة.

    قال أبو عمر: هذا عندي على أنه لم يكن لأبيه أحد غيره يقوم لمن حضره الموت بما يحتاج الميت إليه من حضوره للتغميض والتلقين وسائر ما يحتاج إليه؛ لأن تركه في مثل تلك الحال عقوق، والعقوق من الكبائر، وقد تنوب له عن الجمعة الظهر، ولم يأت الوعيد في ترك الجمعة إلا من غير عذر ثلاثاً، فكيف بواحدة من عذر بين؟! فقول عطاء صحيح. والله أعلم. انتهى 

    وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري (6/ 196): وهذا مذهب ابن عباس: أن من جملة الأعذار لترك الجمعة المطر، وإليه ذهب ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة وهو قول أحمد وإسحاق. وقالت طائفة: لا يتخلف عن الجمعة في اليوم المطير، وروى ابن قانع: قيل لمالك: أتتخلف عن الجمعة في اليوم المطير؟ قال: ما سمعت، قيل له: في الحديث: "ألا صلوا في الرحال" قال: ذلك في السفر.

    وقد رخص في ترك الجمعة بأعذار أخر غير المطر، روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يتخلف عنها لجنازة أخ من إخوانه لينظر في أمره. وقال ابن حبيب عن مالك: وكذا إن كان له مريض يخشى عليه الموت، وقد زار ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، ابنا لسعد بن زيد ذكر له شكواه، فأتاه إلى العقيق وترك الجمعة، وهو مذهب عطاء والأوزاعي. وقال الشافعي في أمر الوالد: إذا خاف فوات نفسه. وقال عطاء: إذا استصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فقم إليه واترك الجمعة. وقال الحسن: يرخص ترك الجمعة للخائف، وقال مالك في الواضحة : وليس على المريض والصحيح الفاني جمعة. وقال أبو مجلز: إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة. وقال ابن حبيب: أرخص صلى الله عليه وسلم في التخلف عنها لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة، لما في رجوعه من المشقة لما أصابهم من شغل العيد، وفعله عثمان، رضي الله تعالى عنه، لأهل الغوالي، واختلف قول مالك فيه، والصحيح عند الشافعية: السقوط، واختلف في تخلف العروس والمجذوم، حكاه ابن التين، واعتبر بعضهم شدة المطر، واختلف عن مالك: هل عليه أن يشهدها؟ وكذا روي عنه، فيمن يكون مع صاحبه فيشتد مرضه: لا يدع الجمعة إلا أن يكون في الموت. انتهى


    ([1]) أخرجه أبو داود (1067)، والطبراني في « المعجم الأوسط » (5679)، وفي « الكبير » (8206) وغيرهما عن طارق بن شهاب.

    ([2]) أما كونه صلى ظهراً يوم عرفه فأخرجه مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه.

    وكونه يوم جمعة، أخرجه البخاري (45) ومسلم (3017) عن عمر رضي الله عنه.

    وانظر « المغني » (2/ 193).

    ([3]) قال البغوي في شرح السنة (4/ 215):  أما ترك الجمعة بالعذر، فجائز بالاتفاق، دعي ابن عمر لسعيد بن زيد وهو يموت، وابن عمر يستجمر للجمعة، فأتاه وترك الجمعة.
    وقال ابن عباس، لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلتَ: أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: «حي على الصلاة، قل صلوا في بيوتكم»، وقال: «إن الجمعة عزمة، فإني كرهت أن أخرجكم، فتمشوا في الطين والدحض». انتهى

    ([4]) قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 167): أما المتفق عليهما، فالذكورة، والصحة، فلا تجب على امرأة، ولا على مريض باتفاق، ولكن إن حضروا كانوا من أهل الجمعة، وأما المختلف فيهما: المسافر والعبد، فالجمهور على أنه لا تجب عليهما الجمعة، وداود وأصحابه على أنه تجب عليهما الجمعة. انتهى

    ([5]) أخرجه أحمد (24/ 255)، وأبو داود (1052)، والترمذي (500) وابن ماجه (1125) وغيرهم عن أبي الجعد الضمري، وسنده ضعيف، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، أخرجه أحمد (22/ 422)، وابن ماجه (1126). وابن خزيمة (1856) والحاكم في المستدرك (1/ 430)، وقال: هذا حديث خرجت فيما تقدم من هذا الكتاب من حديث الثوري وغيره عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي الجعد الضمري «وصححته على شرط مسلم، وهذا الشاهد العالي وجدته بعد، وله شاهد آخر من حديث محمد بن عجلان صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه» . ثم ذكر حديث ابن عجلان. وله شاهد مرسل عند مالك في الموطأ (1/ 111) شك مالك في رفعه، وذكر البيهقي في الشعب(4/ 418 فما بعدها) له شواهد ليس فيها محل الشاهد. فالحديث ثابت، وقد صححه جمع من العلماء آخرهم الإمام الألباني وشيخنا الوادعي. والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم