• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: شروط صلاة الجمعة
  • رقم الفتوى: 3677
  • تاريخ الإضافة: 27 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    يذكر الفقهاء أن صلاة الجمعة لا تصح إلا بإذن الإمام وأن لا يقل عدد الحضور عن عدد مخصوص وأن تكون في مصر جامع فهل هذه الشروط صحيحة ؟
  • الاجابة

    الجمعة كسائر الصلوات لا يشترط لها الإمام الأعظم كما يقول البعض، ولا العدد المخصوص، ولا المِصْرُ الجامع، فكل هذا لا يوجد دليل صحيح عليه، ولكن يشترط لها الجماعة أقلها ثلاثة مستوطنون غير مسافرين، ممن تجب عليهم الجمعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة، عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض» (1)، تصلى ركعتين، والخطبتان واجبتان فيها، لا تصح الجمعة إلا بهما؛ لأنهما من ذكر الله المأمور بالسعي إليه يوم الجمعة، والله أعلم. هذه خلاصة الفتوى. 

    قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 31) بعد أن ذكر أقوالاً كثيرة في المسألة، قال:  أوجب الله على الخلق اتباع كتابه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله جل ذكره: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]، وقال الله جل ذكره: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله..} [الجمعة: 9]، فاتباع ظاهر كتاب الله عز وجل يجب، ولا يجوز أن يستثنى من ظاهر الكتاب جماعة دون عدد جماعة بغير حجة، ولو كان الله في عدد دون عدد مراد لبين ذلك في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما عم ولم يخص كانت الجمعة على كل جماعة في دار إقامة على ظاهر الكتاب، وليس لأحد مع عموم الكتاب أن يخرج قوماً من جملته بغير حجة يفزع إليها، وهذا يلزم من مذهبه القول بعموم الكتاب، وأن لا يحال ظاهر منه إلى باطن، ولا عام إلى خاص إلا بكتاب أو سنة أو اتفاق.
    وقد اختلفت الروايات في هذا الباب عن عمر بن عبد العزيز وقد ذكرناها، ولو لم تختلف الروايات عنه ما وجب الاستثناء من ظاهر الكتاب بقوله، وليس لاحتجاج من احتج بقصة أسعد في أن لا تجزئ جمعة بأقل من أربعين حجة، إذ ليس في شيء من الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كان عددهم كذا أن يصلوا، وإن نقصوا من ذلك العدد لم يصلوا، إنما كتب أن يصلي بمن معه، ولو ورد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وعددهم أقل من أربعين فترك أن يصلي بهم، لكان تاركا لما أمره به.
    ودفع بعض أهل العلم قول من زعم أن الجمعة إنما تصلى في مصر أو مدينة يكون فيها قاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، بأن بعض أصحابه قد صلى بالمدينة الجمعة وليس فيها منبر ولا قاض ولا كانت الحدود تقام بها في ذلك الوقت.
    حدثنا نصر بن زكريا، قال: ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف قال: ثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه أبي أمامة، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: " كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له، فمكثت حينا أسمع ذلك منه، فقلت في نفسي: إن ذا لعجز، إني أسمعه كلما سمع الأذان للجمعة استغفر لأبي أمامة ويصلي عليه ولا أسأله عن ذلك لم هو؟ قال: فخرجت به كما كنت أخرج إلى الجمعة، فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل، قال: فقلت له: يا أبتاه: أرأيت صلاتك على أسعد كلما سمعت النداء بالجمعة لم هو؟ قال: أي بني كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في نقيع الخضمات في هزم من حرة بني بياضة، قال: فكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلاً ".
    وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة وليس فيها منبر، وليس المنبر والقاضي والحدود من أمر الصلاة بسبيل، وقال أحمد بن حنبل: في قول علي: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع: الأعمش لم يسمعه من سعد. انتهى 

    وقال في الإشراف (2/ 87) ملخصاً ما قاله في الأوسط: روينا عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون ولا يعيب ذلك عليهم، وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب بذلك.
    وفيه قول ثان: وهو أن كل قرية عليها أميرٌ يجمع فيها، روى ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وبنحوه قال الأزواعى، والليث بن سعد.
    وفيه قول ثالث: وهو أن لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، روى ذلك عن علي، وبه قال النخعى.
    وقال الحسن، وابن سيرين: لا جمعة إلا في مصر جامع، وبه قال النعمان، وابن الحسن. وفيه قول رابع: "وهو أن الجمعة إنما تجب على كل قرية فيها أربعون رجلاً، أحراراً بالغين، وتكون بيوتها مجتمعة لا يظعنون عنها شتاءً ولا صيفاً، إلا ظعن حاجة"، هذا قول الشافعي.
    ومال أحمد، وإسحاق إلى هذا القول ولم يشترطا هذه الشروط.
    وفيه قول خامس: وهو أيما قرية فيها أربعون رجلاً فصاعداً عليهم إمام حاضر يقضي بينهم، فليخطب وليصل بهم ركعتين.
    وفيه قول سادس: وهو الرواية الرابعة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلاً فليصلوا الجمعة.
    وفيه قول سابع: وهو إذا لم يحضر الإمام إلا ثلاثة صلى بهم الجمعة، هذا قول الأوزاعي، وهو مذهب أبي ثور.
    وقال مكحول: إذا كانت القرية فيها الجماعة صلوا الجمعة ركعتين.
    وقال مالك: في القرية التي تتصل دورها، أرى أن يجمعوا الجمعة كان عليهم والي أو لم يكن.
    وحكى عن عكرمة قال: إذا كانوا سبعة جمعوا.
    قال أبو بكر: قول الأوزاعي موافق لظاهر قوله: {ِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} الآية. انتهى 

    وقال ابن عثيمين في يوم الجمعة: فهو يوم عظيم ولهذا اختص بأحكام نذكر منها ما تيسر فمن ذلك:
    أنه اختص بفرض صلاة الجمعة، هذه الصلاة العظيمة التي لابد من الجماعة فيها، ولو قدر أن الإنسان صلى وحده يوم جمعة، وقال: أريد أن تكون جمعة. قلنا له: إن صلاتك غير صحيحة، ويجب عليك أن تعيد، فهذه الصلاة لابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، وغيرها من الصلاة تنعقد باثنين بإمام ومأموم، أما الجمعة فلابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، واختلف العلماء في العدد الذي لابد منه في صلاة الجمعة:
    فمنهم من قال: أربعون رجلاً، فلو كان هناك قرية صغيرة ليس فيها إلا ثلاثون رجلاً فإنهم لا يقيمون الجمعة؛ لأنه لابد أن يكون العدد أربعين.
    وقال بعض العلماء: يكفي اثنا عشر رجلاً؛ لأن الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأوا التجارة لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشررجلاً.، فنزلت هذه الآية التي في الجمعة {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّو"اْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرازِقِينَ} وهذا يدل على أن اثني عشر رجلاً يكفي في عدد الجمعة.
    ومنهم من قال: يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، فلو فرض أن قرية ليس فيها سوى ثلاثة نفر فإنها تقام الجمعة؛ لأنه يحصل بهم الجمع: إمام يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم يجيب وقد قال الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو"اْ إِذَا نُودِىَ لِلصلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ، المنادي المؤذن، ولابد من خطيب، ولابد من مدعو: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو"اْ إِذَا نُودِىَ لِلصلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وهذا القول أرجح الأقوال، أنه يكفي في عدد الجمعة ثلاثة: إمام يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم يجيب. انتهى من مجموع الفتاوى له (16/ 12).

    وقال ابن باز: هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة، وهو قول جماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب كما تقدم. انتهى مجموع الفتاوى (4/ 306).

    وقال:  اشتراط الأربعين لإقامة صلاة الجمعة قال به جماعة من أهل العلم، منهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والقول الأرجح جواز إقامتها بأقل من أربعين وأقل الواجب ثلاثة كما تقدم في الفتوى في جواب السؤال الذي قبل هذا، لعدم الدليل على اشتراط الأربعين. والحديث الوارد في اشتراط الأربعين ضعيف كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. انتهى من مجموع الفتاوى (12/ 327).

    وقال النووي في المجموع (4/ 514): في مذاهب العلماء في الخطبة
    قد ذكرنا أن مذهبنا أن تقدم خطبتين شرط لصحة الجمعة، وأن من شرطها العدد الذي تنعقد به الجمعة، وبهذه الجملة قال مالك وأحمد والجمهور.
    وقال أبو حنيفة: الخطبة شرط، ولكن تجزئ خطبة واحدة ولا يشترط العدد لسماعها كالاذان، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أن الجمعة تصح بلا خطبة، وبه قال داود وعبد الملك من أصحاب مالك. قال القاضي عياض: وروي عن مالك.
    دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " وثبتت صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين. انتهى 

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/ 51): أي: يشترط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان، وهذا هو الشرط الرابع، فإن لم يتقدمها خطبتان لم تصح.
    ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة لم تصح والدليل على اشتراط تقدم الخطبتين ما يلي:
    1 ـ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، فأمر بالسعي إلى ذكر الله من حين النداء، وبالتواتر القطعي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب، إذاً فالسعي إلى الخطبة واجب، وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب؛ لأن السعي وسيلة إلى إدراكه وتحصيله، فإذا وجبت الوسيلة وجبت الغاية.
    2 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب فقد لغوت»، وهذا يدل على وجوب الاستماع إليهما، ووجوب الاستماع إليهما يدل على وجوبهما.
    3 ـ مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم عليهما مواظبة غير منقطعة، فلم يأتِ يوم من أيام الجمعة لم يخطب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاءً، شدةً ورخاءً يدل على وجوبهما.
    4 ـ أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات، ولا يستفيد الناس من التجمع لها، ومن أهم أغراض التجمع لهذه الصلاة الموعظة وتذكير الناس. انتهى 

    ــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أخرجه أبو داود (1067)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (5679)، وفي «الكبير» (8206) وغيرهما عن طارق بن شهاب - رضي الله عنه -.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم