• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم صلاة الوتر
  • رقم الفتوى: 3680
  • تاريخ الإضافة: 27 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    السلام عليك ورحمة الله، شيخنا ما الراجح في حكم صلاة الوتر ؟
  • الاجابة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد؛ فالراجح قول جمهور علماء الإسلام من السلف والخلف، أنه مستحب ليس بواجب؛لحديث طلحة بن عبيد الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم للنجدي في الصلاة التي عليه: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ»(1). والخلاف في هذه المسألة ضعيف، ولكن العلماء كانوا يؤكدون عليه ويذمون تركه، فلا يحسن بالمسلم تركه مع مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ووصيته بذلك(2). والله أعلم هذه خلاصة الفتوى. 

    قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 157): "ذكر الأخبار الدالة على أن الوتر ليس بفرض". فذكر حديث طلحة، وذكر بإسناده:
    "عن أنس، قال: «فرض على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الصلوات خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمساً، ثم نودي يا محمد، إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين».
    عن علي، قال: «ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم».

    قال أبو بكر: فدلت هذه الأخبار وما لم نذكره من الأخبار في هذا الموضع على أن فرائض الصلوات خمس وسائرهن تطوع، وهو قول عوام أهل العلم غير النعمان فإنه خالفهم، وزعم أن الوتر فرض، وهذا القول مع مخالفته للأخبار الثابتة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما عليه عوام أهل العلم عالمهم وجاهلهم، ولا نعلم أحداً سبقه إلى ما قال، وخالفه أصحابه فقالوا كقول سائر الناس.

    ذكر خبر غير الأخبار التي ذكرناها يدل على أن الوتر ليس بفرض
    عن جابر، قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر، فلما كانت القابلة جئنا المسجد رجونا أن يخرج إلينا، فلم نزل فيه حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله، اجتمعوا في المسجد رجونا أن تصلي بنا، قال: «إني خشيت أو كرهت أن يكتب عليكم»
    فدل هذا الحديث على أن الوتر وقيام الليل غير مكتوب فرضه على الناس.

    ذكر الترغيب في الوتر واستحبابه إذ الله جل ثناؤه يحبه
    عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وتر يحب الوتر». عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن». انتهى باختصار الأسانيد. 

    وقال النووي في المجموع (4/ 19): في مذاهب العلماء في حكم الوتر: مذهبنا أنه ليس بواجب بل هو سنة متأكدة، وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، قال القاضي أبو الطيب: هو قول العلماء كافة حتى أبو يوسف ومحمد. قال: وقال أبو حنيفة وحده هو واجب وليس بفرض، فإن تركه حتى طلع الفجر أثم ولزمه القضاء. وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه: الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب، وبه قالت الأمة كلها إلا أبا حنيفة، فقال: هو واجب. وعنه رواية أنه فرض، وخالفه صاحباه فقالا هو سنة. قال أبو حامد: قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً وافق أبا حنيفة في هذا.

    واحتج له بحديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس .." إلخ، وهو حديث صحيح كما سبق قريباً، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن. وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ". رواه أبو داود، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر ". وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " رواه البخاري ومسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أوتروا قبل أن تصبحوا ". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال:" قومي فأوتري يا عائشة " رواه مسلم. وذكروا أقيسة ومناسبات لا حاجة إليها مع هذه الأحاديث.

    واحتج أصحابنا والجمهور بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، قال: جاء رجل من أهل نجد فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال: هل علي غيرها؟ فقال:" لا إلا أن تطوع"، وسأله عن الزكاة والصيام ، وقال في آخره: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أفلح إن صدق ". رواه البخاري ومسلم من طرق، واستنبط الشيخ أبو حامد وغيره منه أربعة أدلة: (أحدها): أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن الواجب من الصلوات إنما هو الخمس (الثاني): قوله: هل علي غيرها؟ قال "لا" (الثالث): قوله صلى الله عليه وسلم:" إلا أن تطوع" وهذا تصريح بأن الزيادة على الخمس إنما تكون تطوعاً (الرابع): أنه قال: لا أزيد ولا أنقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أفلح إن صدق" وهذا تصريح بأنه لا يأثم بترك غير الخمس.

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال:" ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم". رواه البخاري ومسلم، وهذا من أحسن الأدلة؛ لأن بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل جداً، وعن عبد الله بن محيريز عن رجل من بني كنانة يقال له المخدجي، قال: كان بالشام رجل يقال له أبو محمد، قال: الوتر واجب، فرحت إلي عبادة - يعنى ابن الصامت - فقلت إن أبا محمد يزعم أن الوتر واجب، قال: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن ضيعهن استخفافاً بحقهن جاء ولا عهد له، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة". هذا حديث صحيح رواه مالك في الموطأ وأبو داود والنسائي وغيرهم، وعن علي رضى الله عنه قال: ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي والنسائي وآخرون، قال الترمذي: حديث حسن. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: الوتر أمر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده، وليس بواجب. رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان يصلي الوتر على راحلته ولا يصلي عليها المكتوبة ". رواه البخاري ومسلم، واستدل به الشافعي والأصحاب على أن الوتر ليس بواجب. فإن قيل: لا دلالة فيه؛ لأن مذهبكم أن الوتر واجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان سنة في حق الأمة. فالواجب أن يقال: لو كان على العموم لم يصح على الراحلة كالمكتوبة، وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز هذا الواجب الخاص عليه على الراحلة.

    فهذه الأحاديث هي التي يعتمدها في المسألة.

    واستدل أصحابنا بأحاديث كثيرة مشهورة غير ما سبق، لكن أكثرها ضعيفة لا أستحل الاحتجاج بها، وفيما ذكرته من الأحاديث الصحيحة أبلغ كفاية.

    ومن الضعيف الذي احتجوا به حديث أبي جناب - بجيم ونون - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث هن علي فرائض، وهن لكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الضحى ". رواه البيهقي، وقال: أبو جناب الكلبي اسمه يحيي بن أبي حية ضعيف وهو مدلس، وإنما ذكرت هذا الحديث لأبين ضعفه وأحذر من الاغترار به.

    قال أصحابنا: ولأنها صلاة لا تشرع لها الأذان ولا الإقامة فلم تكن واجبة على الأعيان كالضحى وغيرها، واحترزوا بقولهم على الأعيان من الجنازة والنذر.

    وأما الأحاديث التي احتجوا بها فمحمولة على الاستحباب والندب المتأكد، ولابد من هذا التأويل للجمع بينها وبين الأحاديث التي استدللنا بها، فهذا جواب يعمها، ويجاب عن بعضها خصوصاً بجواب آخر:

    فحديث أبي أيوب لا يقولون به؛ لأن فيه: "فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل"، وهم يقولون لا يكون الوتر إلا ثلاث ركعات.

    وحديث عمرو بن شعيب في إسناد المثنى بن الصباح وهو ضعيف.

    وحديث بريدة في روايته عبيد الله بن عبد الله العتكي، أبو المنيب، والظاهر أنه منفرد به، وقد ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن معين وغيره، وادعى الحاكم أنه حديث صحيح. والله أعلم. انتهى

    ــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أخرج البخاري (46)، ومسلم (11) عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ» فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ»، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ».

    (2) أخرج البخاري (1178)، ومسلم (721) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: «صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ». 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم