• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: الصلاة خلف المبتدعة
  • رقم الفتوى: 3730
  • تاريخ الإضافة: 6 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه أحسن الله إليكم، ما حكم الصلاة خلف المبتدعة؛ مثل الخوارج الذين يكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم؟
  • الاجابة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد؛ ففي الصلاة خلف أهل البدع خلاف بين أهل العلم، والذي أراه أن الصلاة خلفهم جائزة وصحيحة إذا كانت بدعتهم غير مكفرة؛ كبدعة المرجئة والأشاعرة، فتجوز الصلاة خلفهم والصلاة صحيحة؛ لقول عثمان رضي الله عنه:  «الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ»(1).

    وأما إذا كانت بدعتهم مكفرة؛ كبدعة الرافضة، والصوفية عبدة القبور، والنصيرية والدروز والإسماعيلية من الباطنية فلا تجوز الصلاة خلفهم ولا تصح. 

    وقد اختلف أهل العلم في كفر الخوارج على قولين، والراجح أنهم ليسوا كفاراً، ولكنهم مفسدون في الأرض فتجوز الصلاة خلفهم. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 264): ذكر اختلاف أهل العلم في الصلاة خلف من لا يُرضى حاله من الخوارج وأهل البدع
    اختلف أهل العلم في الصلاة خلف من لا يرضى حاله من أهل الأهواء، فأجازت طائفة الصلاة خلفهم، روينا عن أبي جعفر أنه سئل عن الصلاة خلف الخوارج، فقال: صل معهم، وكان الحسن البصري يقول: لا تضر المؤمن صلاته خلف المنافق، ولا تنفع المنافق صلاة المؤمن خلفه، وقال الحسن في صاحب البدعة: صل خلفه وعليه بدعته صاغراً. وكان الشافعي يقول: ومن صلى من مسلم بالغ يقيم الصلاة أجزأته ومن خلفه صلاتهم، وإن كان غير محمود الحال في دينه، أي حاله بلغ يخالف الحمد في الدين، وقد صلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف من لا يحمدون حاله من السلطان وغيرهم.

    وكرهت طائفة الصلاة خلف أهل البدع، وأمر بعضهم من صلى خلفهم بالإعادة، كان سفيان الثوري يقول: في الرجل يكذب بالقدر: لا تقدموه.
    وقال أحمد بن حنبل في المرجئ: إذا كان داعياً فلا يصلى خلفه، وقال أحمد في الجهمي يصلى خلفه: يعيد، والقدري إذا كان يرد الأحاديث ويخاصم فليعد، والرافضي يصلي خلفه يعيد، وقال أحمد: لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعية إلى هواه. وقد حكي عن مالك أنه قال: لا يصلى خلف أهل البدع من القدرية وغيرهم، ويصلى خلف أئمة الجور. انتهى

    وقال في الإشراف (2/ 151): كل من أخرجته بدعته إلى الكفر لم تجز الصلاة خلفه، ومن لم يكن كذلك فالصلاة خلفه جائزة، ولا نحب تقديم من هذه صفته. انتهى

    وبوب الإمام البخاري (1/ 141، قبل الحديث رقم 695 ): باب إمامة المفتون والمبتدع، وقال الحسن: تصلي وعليه بدعته. انتهى وذكر خبر عثمان.

    قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (6/ 187): .. عن الحسن، أنه سئل عن صاحب البدعة: الصلاة خلفه؟ قال: صل خلفه، وعليه بدعته.
    .. عن جعفر بن برقان قال: سألت ميمون بن مهران عن الصلاة خلف من يذكر أنه من الخوارج؟ فقال: إنك لا تصلي له، إنما تصلي لله، قد كنا نصلي خلف الحجاج وهو حروري أزرقي. فنظرت إليه، فقال: أتدري ما الحروري الأزرقي، هو الذي إذا خالفت آية سماك كافراً، واستحل دمك، وكان الحجاج كذلك.
    وروى أبو نعيم في كتاب الصلاة : .. عن ابن سيرين، قال: كان يكون أمراء على المدينة، فسئل ابن عمر عن الصلاة معهم، فقال: الصلاة لا أبالي من شاركني فيها.
    وروى أبو شهاب: .. عن نافع، قال: كان ابن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون. فقال: من قال: حي على الصلاة، أجبته، من قال: حي على الفلاح، أجبته، ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله ، قلت: لا. خرجه البيهقي.
    .. وروى عن ابن عمر من وجوه، أنه كان يصلي خلف الحجاج. وذكر البخاري في تاريخه: عن عبد الكريم البكاء، قال: أدركت عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -كلهم يصلي خلف أئمة الجور.
    قال مهنأ: سألت أحمد عن الصلاة خلف كل بر وفاجر؟ قال: ما أدري ما هذا، ولا أعرف هذا، ما ينبغي لنا أن نصلي خلف فاجر، وأنكر هذا الكلام.
    وقال يعقوب بن بختان: سئل أحمد عن الصلاة خلف كل بر وفاجر؟ قال: ما سمعنا بهذا.
    فالمخنث: هو الذي يتشبه بالنساء في هيئته وكلامه.
    وكلام الزهري هذا يدل على أنه إذا اضطر إلى الصلاة خلف من يكره صلى وراءه.
    وقال مسرور بن محمد: قال الأوزاعي: لا تصل خلف قدري؛ إلا أن تضطر.
    وقال بقية بن الوليد: سألت الزبيدي: هل يصلى خلف صاحب بدعة أو مكذب بالقدر؟ فقال: إن كان واليا فليس من الأمر في شيء، وأنت في عذر، وإن لم يكن واليا فلا تصل خلفه.
    وكره آخرون الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور:
    وروى عن أبي جعفر محمد بن علي، أنه أمر بإعادة الصلاة خلف القدري.
    وكذلك سفيان.
    وفرقت طائفة بين البدع المغلظة وغيرها:
    فقال أبو عبيد فيمن صلى خلف الجهمي أو الرافضي: يعيد. ومن صلى خلف قدري أو مرجىء أو خارجي: لا آمره بالإعادة. وكذلك الإمام أحمد، قال في الصلاة خلف الجهمية: إنها تعاد.
    والجهمي عنده من يقول: القرآن مخلوق؛ فإنه كافر. أو يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق، ونص أنه تعاد الصلاة خلفه - أيضاً -، وقال: لا يصلي خلف من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وهو جهمي.
    وقال: لا يصلي خلف القدري إذا قال: لا يعلم الشيء حتى يكون، فهذا كافر، فإن صلى يعيد.
    وقال - أيضاً - في القدري: إذا كان داعياً مخاصماً تعاد الصلاة خلفه.
    وهذا محمول على من لا ينكر منهم العلم القديم.
    وقال في الخوارج: إذا تغلبوا على بلد: صلي خلفهم.
    وقال - مرة -: يصلى خلفهم الجمعة؛ صلى ابن عمر خلف نجدة الحروري.
    وقال في الرافضي الذي يتناول الصحابة: لا يصلى خلفه.
    وقال فيمن يقدم علياً على أبي بكر وعمر: إن كان جاهلاً لا علم له فصلى خلفه فأرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان يتخذه ديناً فلا تصل خلفه.
    وقال في المرجىء - وهو: من لا يدخل الأعمال في الإيمان -: إن كان داعياً فلا يصلى خلفه. وقال في الصلاة خلف أهل الأهواء: إذا كان داعية ويخاصم في بدعته فلا يصلى خلفه، وإلا فلا بأس.
    وهذا محمول على البدع التي لا يكفر صاحبها، فأما ما يكفر صاحبه فتعاد الصلاة خلفه، كما تقدم عنه. قال حرب: قلت لأحمد: فتكره الصلاة خلف أهل البدع كلهم؟ فقال: إنهم لا يستوون.
    وأما الصلاة خلف الفساق، فقال أحمد - فيمن يسكر -: لا يصلى خلفه، وفيمن ترك شيئا من فرائض الإسلام أو تعامل بالربا: لا يصلي خلفه، ولا خلف من كل بيعه عينة - يعني: نسأة، ولا خلف من يكثر كذبه.
    وسئل عن الصلاة خلف من يغتاب الناس؟ فقال: لو كان كل من عصى الله لا يصلى خلفه، متى كان يقوم الناس على هذا؟
    وفرق - مرة - بين المستتر والمعلن.
    قال أحمد بن القاسم: سئل أحمد عن الصلاة خلف من لا يرضى؟ قال: قد اختلف فيه؛ فإن كان لا يظهر أمره في منكر أو فاحشة بينة أو ما أشبه ذلك فليصل.
    وفرق - مرة - بين الصلاة خلف الأمراء وغيرهم.
    قال الميموني: سمعت أحمد قال: إذا كان الإمام من أئمة الأحياء يسكر فلا أحب أن أصلي خلفه البتة؛ لأن لي اختيار الأئمة، وليس هو والي المسلمين؛ لأن ابن عمر سئل عن الصلاة خلف الأمراء؟ فقال: إنما هي حسنة، لا أبالي من شركني فيها.
    ولهذا المعنى لم يختلف في حضور الجمعة والعيدين خلف كل بر وفاجر.
    والمشهور عنه: إعادتها خلف الفاجر، فإن كان يكفر ببدعته ففي حضورها معه روايتان، ومع حضورها يعيدها ظهرا.
    وحكي عنه: لا يعيد.
    واختلف أصحابنا في حكاية المذهب في الإعادة خلف الفاسق: فمنهم من قال: في الإعادة روايتان مطلقاً.
    ومنهم من قال: إن لم يعلم فسقه فلا إعادة، وإن علم ففي الإعادة روايتان.
    ومنهم من قال: إن كان مستترا لم يعد، وإن كان متظاهرا ففي الإعادة روايتان.
    فأما من يكفر ببدعته فحكمه حكم الكفار.
    ولذلك فرق إسحاق بن راهوية بين القدري والمرجىء، فقال في القدري: لا يصلى خلفه. وقال في المرجىء: إن كان داعية لم يصل خلفه.
    وقال حرب: ثنا ابن أبي حزم القطعي: ثنا معاذ بن معاذ: ثنا أشعث، عن الحسن، في السكران يؤم القوم؟ قال: إذا أتم الركوع والسجود فقد أجزأ عنهم.
    وقال محمد بن سيرين: يعيدون جميعاً، والإمام.
    وحكى ابن المنذر، عن مالك، أنه قال: لا يصلى خلف أهل البدع من القدرية وغيرهم، ويصلى خلف أئمة الجور.
    وعن الشافعي: أنه يجيز الصلاة خلف من أقام الصلاة، وإن كان غير محمود في دينه.
    اختار ابن المنذر هذا القول، ما لم تخرجه بدعته إلى الكفر.
    وفي تهذيب المدونة: تجزىء الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة، وإذا كان الإمام من أهل الأهواء فلا يصلى خلفه ولا الجمعة، إلا أن يتقيه، فليصلها معه، وليعد ظهراً. ووقف مالك في إعادة من صلى خلف مبتدع. وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت. انتهى.
    وفي مصنف على مذهب سفيان الثوري: تكره إمامة أهل البدع والأهواء الداعية إلى ذلك؛ سئل سفيان عن الصلاة خلف الأمراء الذين يقولون: طاعتنا لله طاعة، ومعصيتنا لله معصية؟ قال: كان الحجاج يقول ذلك، وهم يصلون خلف رافضي أو قدري فليعد الصلاة، ولا يصلى خلف من يقول: الإيمان قول بلا عمل.

    وحديث أنس الذي خرجه البخاري في هذا الباب يستدل به على الصلاة خلف أئمة الجور وأعوانهم؛ وقد جعله البخاري دليلاً على إمامة المبتدع - أيضاً - كما يطاع في غير معصية، إذا كان له ولاية على الناس، فإنه أمر بطاعتهم مطلقاً، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنه يكون من بعده ولاة يغيرون ويبدلون، ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة، ولم ينه عن الصلاة وراءهم، وإنما أمر بالصلاة في الوقت إذا أخر الأمراء الصلاة عن الوقت، وأمر بالصلاة معهم نافلة، وقد سبق هذا الحديث في المواقيت. انتهى باختصار

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أخرجه البخاري (695) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، - وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ؟ فَقَالَ: «الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ» .

    (محصور) محبوس في الدار ممنوع عن الأمور ومنها الصلاة بالناس (عامة) إمام جماعة عامة؛ لأنه الخليفة، إمام المسلمين في وقته (إمام فتنة) رئيس فتنة.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم