• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: صلاة الخوف عند اشتداد الخوف وبدء القتال
  • رقم الفتوى: 3745
  • تاريخ الإضافة: 7 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    هل يرخص في شروط الصلاة والأركان والواجبات إذا اشتَدَّ الخوفُ والَتَحَم القِتالُ ودبت المدافع وقصفت الطائرات ؟
  • الاجابة

    صلاة الخوف إذا اشتد الخوف والتحم القتال وقصفت الطائرات؛ صلاها الراجلُ - وهو الماشي على قدميه-، والرَّاكِبُ على دابته ، ولو إلى غيرِ القِبْلَةِ، ولو بالإيماءِ، وهذه الحالة هي التي تسمى عند أهل العلم صلاة المسايفة التي يلتقي فيها المسلم مع عدوه، ومثلها إذا بدأ القصف وهجوم العدو بالطائرات والدبابات وغيرها، فلا يمكن في هذه الحالة أن تُصلى الصلاة على صورتها المعروفة، فخُفّف فيها، في عددها وفي هيئتها.

    فتصلى ركعة واحدة كما صحّت بذلك الأحاديث، ولو إلى غير القبلة، وتصلى إيماء، أي تخفض رأسك وظهرك إلى الأسفل عند الركوع والسجود بقدر الإمكان.

    لحديث ابن عمر قال: "فإن كان خوف هو أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، أو ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها". قال مالك: قال نافع: لا أُرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله ﷺ([1]).

    وأما الركعة الواحدة، فلقول ابن عباس : «فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة»([2]) والله أعلم . هذه خلاصة الفتوى . والله أعلم

    قال ابن قدامة في المغني (2/ 309): أما إذا اشتد الخوف، والتحم القتال، فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم؛ رجالاً وركباناً، إلى القبلة إن أمكنهم، وإلى غيرها إن لم يمكنهم، يومئون بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويجعلون السجود أخفض من الركوع، ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون، ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها.

    وهذا قول أكثر أهل العلم.

    وقال أبو حنيفة، وابن أبي ليلى: لا يصلي مع المسايفة، ولا مع المشي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل يوم الخندق، وأخر الصلاة، ولأن ما منع الصلاة في غير شدة الخوف منعها معه، كالحدث والصياح.

    وقال الشافعي: يصلي، ولكن إن تابع الطعن، أو الضرب، أو المشي، أو فعل ما يطول، بطلت صلاته؛ لأن ذلك من مبطلات الصلاة، أشبه الحدث.

    ولنا، قول الله تعالى: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} [البقرة: 239] ، قال ابن عمر: فإن كان خوف أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. متفق عليه.
    وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه في غير شدة الخوف، فأمرهم بالمشي إلى وجاه العدو، ثم يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم، وهذا مشي كثير، وعمل طويل، واستدبار للقبلة، وأجاز ذلك من أجل الخوف الذي ليس بشديد، فمع الخوف الشديد أولى.

    ومن العجب أن أبا حنيفة اختار هذا الوجه دون سائر الوجوه التي لا تشتمل على العمل في أثناء الصلاة، وسوغه مع الغنى عنه، وإمكان الصلاة بدونه، ثم منعه في حال لا يقدر إلا عليه، وكان العكس أولى، سيما مع نص الله تعالى على الرخصة في هذه الحال، ولأنه مكلف تصح طهارته، فلم يجز له إخلاء وقت الصلاة عن فعلها، كالمريض، ويخص الشافعي بأنه عمل أبيح من أجل الخوف، فلم تبطل الصلاة به، كاستدبار القبلة، والركوب، والإيماء.
    ولأنه لا يخلو عند الحاجة إلى العمل الكثير من أجل ثلاثة أمور: إما تأخير الصلاة عن وقتها، ولا خلاف بيننا في تحريمه، أو ترك القتال وفيه هلاكه، وقد قال الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] . وأجمع المسلمون على أنه لا يلزمه هذا، أو متابعة العمل للمتنازع فيه، وهو جائز بالإجماع، فتعين فعله وصحة الصلاة معه. ثم ما ذكره يبطل بالمشي الكثير، والعدو في الهرب وغيره.

    وأما تأخير الصلاة يوم الخندق، فروى أبو سعيد، أنه كان قبل نزول صلاة الخوف. ويحتمل أنه شغله المشركون فنسي الصلاة، فقد نقل ما يدل على ذلك، وقد ذكرناه فيما مضى، وأكده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يكونوا في مسايفة توجب قطع الصلاة.

    وأما الصياح، والحدث، فلا حاجة بهم إليه، ويمكنهم التيمم، ولا يلزم من كون الشيء مبطلاً مع عدم العذر أن يبطل معه، كخروج النجاسة من المستحاضة، ومن به سلس البول. انتهى المراد. انتهى

    قال البسام في توضيح الأحكام (3/ 19): قال الزركشي: لا تسقط الصلاة حال المسايفة، والتحام الحرب، بلا نزاع، ولا يجوز تأخيرها؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] أي: فصلوا رجالاً وركبانًا، يصلون للقبلة وغيرها، يومئون بالركوع والسجود طاقتهم.
    وقال الشيخ المباركفوي: أما إذا تلاحم الفريقان، وأطلقت البنادق والمدافع، ودبت الدبابات والمدرعات، وقذفت القنابل بالطائرات؛ فليس إذ ذاك صورة مخصوصة لصلاة الخوف، بل يصلوها كيف شاءُوا، جماعات ووحدانًا، قيامًا أو مشاة أو ركبانًا. انتهى

    وأما الركعة الواحدة عند شدة الخوف، فقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 5): وقد اختلف أهل العلم في الصلاة عند شدة الخوف، فقالت طائفة: الصلاة عند شدة الخوف ركعة على ظاهر هذه الأخبار، كان جابر بن عبد الله يقول في الركعتين في السفر: «ليستا بقصر إنما القصر واحدة عند القتال».
    عن يزيد الفقير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يسأل عن الركعتين، في السفر أقصر هما؟ قال «لا إنما القصر واحدة عند القتال، وإن الركعتين في السفر ليستا بقصر».
    وممن رأى أن يصلي عند المسايفة ركعة يومئ بها إيماء أينما كان وجهه ماشياً كان أو راكباً، فكان الحسن البصري، ومجاهد، والحكم، وحماد، وقتادة. يقولون: «ركعة يومئ بها»، وروي ذلك عن عطاء، والضحاك بن مزاحم، غير أن الضحاك قال: «فإن لم يقدر كبر تكبيرتين حيث كان وجهه»، وقال إسحاق: «أما عند الشدة فتجزيك ركعة تومئ بها إيماء، فإن لم تقدر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة؛ لأنها ذكر الله».

    وقالت طائفة: «يصلي ركعتين» ذكر ذلك الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.

    عن الزهري، قال: «إذا طلب الأعداء فقد حل لهم أن يصلوا قبل أي وجه كانوا، رجالا كانوا، أو ركباناً، ركعتين يومئون إيماء» ذكره الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، وبه قال النخعي، والثوري، والشافعي، وهو مذهب مالك، والنعمان، وأكثر المفتين من علماء الأعصار. انتهى بحذف الأسانيد.

    وقال البغوي في شرح السنة (4/ 165): وقد ذهب جماعة إلى أن الصلاة في شدة الخوف ركعة واحدة يومئ بها، روي ذلك عن عطاء، وطاوس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والحكم، وحماد، وروي عن جابر، أنه كان يقول في الركعتين في السفر: ليستا بقصر، إنما القصر واحدة عند القتال، وكان إسحاق بن راهويه، يقول: أما عند الشدة، فيجزئك ركعة واحدة تومئ إيماء، فإن لم تقدر فسجدة، فإن لم تقدر فتكبيرة، لأنها ذكر الله.
    وقال الأوزاعي: في شدة الخوف صلى كل واحد إيماء، فإن لم يقدروا على ركعتين، فركعة بسجدتين، فإن لم يقدروا، فلا يجزئهم التكبير، ويؤخروها حتى يأمنوا، وبه قال مكحول. 

    فأما أكثر أهل العلم من الصحابة، فمن بعدهم ذهبوا إلى أن الخوف لا ينقص من العدد شيئاً. انتهى


    ([1]) أخرجه البخاري (4535).

    ([2]) أخرجه مسلم (687).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم