• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم قصر الصلاة في السفر
  • رقم الفتوى: 3747
  • تاريخ الإضافة: 8 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    يرى بعض أهل العلم أن قصر الصلاة واجب في السفر، فما هو الراجح عند فضيلتكم ؟
  • الاجابة

    لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قصر الصلاة الرباعية في السفر، وهي الظهر والعصر والعشاء، يصليها المسافر ركعتين ، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، ولا قصر في الفجر والمغرب، انظر الفتوى رقم (3746)، ولكنهم اختلفوا في حكم القصر للمسافر، هل هو واجب أم مستحب؟ والصحيح أنه مستحب، فإذا صلاها أربعاً صحت صلاته، والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    ذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب واستدلوا بقول عائشة: «أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» متفق عليه([1]) ، وعن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة([2]) ، وقال بوجوب القصر غير واحد من الصحابة وغيرهم.

    وأما من قال بأن للمسافر أن يتم ويقصر، فاحتج بفعل عثمان، فقد أتم وهو مسافر وصلى خلفه الصحابة وتابعوه على ذلك، ومنهم ابن مسعود([3])، ولو كان الإتمام غير جائز ما أتموا خلفه وإن كان إماماً؛ لأنه زاد في الصلاة ما ليس منها.

    وكذلك احتجوا بقوله تعالى : {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ، ففي قوله {فليس عليكم جناح} نفي للجناح الذي هو الإثم، ونفي الجناح لا يدل على الوجوب ، ويدل على أنها رخصة قول النبي ﷺ: «صدقة تصدق الله بها عليكم»([4]) فالصدقة تكون رخصة ، ثم إن عائشة التي روت الحديث ثبت عنها أنها أتمت في السفر([5]) ، فالذي يظهر أن القصر ليس واجباً، والفريقان حجتهما قوية، والله أعلم.

    قال ابن قدامة في المغني (2/ 197): . المشهور عن أحمد، أن المسافر إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء أتم. وروي عنه أنه توقف، وقال: أنا أحب العافية من هذه المسألة. وممن روي عنه الإتمام في السفر: عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم - وبه قال الأوزاعي، والشافعي، وهو المشهور عن مالك.
    وقال حماد بن أبي سليمان: ليس له الإتمام في السفر. وهو قول الثوري، وأبي حنيفة. وأوجب حماد الإعادة على من أتم. وقال أصحاب الرأي: إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهد، فصلاته صحيحة، وإلا لم تصح. وقال عمر بن عبد العزيز: الصلاة في السفر ركعتان حتم، لا يصلح غيرهما.
    وروي عن ابن عباس أنه قال: من صلى في السفر أربعا فهو كمن صلى في الحضر ركعتين. 

    واحتجوا بأن صلاة السفر ركعتان بدليل قول عمر، وعائشة، وابن عباس، على ما ذكرناه. وروي عن صفوان بن محرز، أنه سأل ابن عمر عن الصلاة في السفر، فقال: ركعتان، فمن خالف السنة كفر، ولأن الركعتين الأخريين يجوز تركهما إلى غير بدل، فلم تجز زيادتهما على الركعتين المفروضتين، كما لو زادهما على صلاة الفجر. 

    ولنا: قول الله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] وهذا يدل على أن القصر رخصة مخير بين فعله وتركه، كسائر الرخص. وقال يعلى بن أمية: «قلت لعمر بن الخطاب: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101] ، فقال عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» . رواه مسلم.
    وهذا يدل على أنه رخصة، وليس بعزيمة، وأنها مقصورة. وروى الأسود، عن عائشة، أنها قالت: «خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمرة رمضان، فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أفطرت وصمت، وقصرت وأتممت. فقال: أحسنت» . رواه أبو داود الطيالسي، في " مسنده ". وهذا صريح في الحكم.

    ولأنه لو ائتم بمقيم صلى أربعاً، وصحت الصلاة، والصلاة لا تزيد بالائتمام.
    قال ابن عبد البر: وفي إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في صلاة المقيمين، فأدرك منها ركعة أن يلزمه أربع، دليل واضح على أن القصر رخصة، إذ لو كان فرضه ركعتين لم يلزمه أربع بحال.
    وروى بإسناده، عن عطاء، عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان يتم في السفر ويقصر» . وعن أنس، قال: كنا - أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسافر، فيتم بعضنا، ويقصر بعضنا، ويصوم بعضنا، ويفطر بعضنا، فلا يعيب أحد على أحد، ولأن ذلك إجماع الصحابة، رحمة الله عليهم، بدليل أن فيهم من كان يتم الصلاة، ولم ينكر الباقون عليه، بدليل حديث أنس، وكانت عائشة تتم الصلاة. رواه مسلم والبخاري
    وأتمها عثمان، وابن مسعود، وسعد. وقال عطاء: كانت عائشة وسعد يوفيان الصلاة في السفر، ويصومان، وروى الأثرم بإسناده، عن سعد، أنه أقام بعمان شهرين، فكان يصلي ركعتين، ويصلي أربعاً. وعن المسور بن مخرمة، قال: أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصرها سعد ونتمها. وسأل ابن عباس رجل، فقال: كنت أتم الصلاة في السفر. فلم يأمره بالإعادة.

    فأما قول عائشة: فرضت الصلاة ركعتين. فإنما أرادت أن ابتداء فرضها كان ركعتين، ثم أتمت بعد الهجرة، فصارت أربعاً. وقد صرحت بذلك حين شرحت، ولذلك كانت تتم الصلاة، ولو اعتقدت ما أراد هؤلاء لم تتم.
    وقول ابن عباس مثل قولها، ولا يبعد أن يكون أخذه منها، فإنه لم يكن في زمن فرض الصلاة في سن من يعقل الأحكام، ويعرف حقائقها، ولعله لم يكن موجوداً، أو كان فرضها في السنة التي ولد فيها، فإنها فرضت بمكة ليلة الإسراء قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن عباس حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن ثلاث عشرة سنة، وفي حديثه ما اتفق على تركه، وهو قوله: والخوف ركعة. والظاهر أنه أراد ما أرادت عائشة من ابتداء الفرض، فلذلك لم يأمر من أتم بالإعادة.
    وقول عمر: تمام غير قصر. أراد بها تمام في فضلها غير ناقصة الفضيلة. ولم يرد أنها غير مقصورة الركعات؛ لأنه خلاف ما دلت عليه الآية والإجماع، إذ الخلاف إنما هو في القصر والإتمام، وقد ثبت بروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث يعلى بن أمية أنها مقصورة، ويشبه هذا ما رواه مجاهد، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إني وصاحب لي كنا في سفر، وكان صاحبي يقصر وأنا أتم. فقال له ابن عباس: أنت كنت تقصر وصاحبك يتم؛ رواه الأثرم،
    أراد أن فعله أفضل من فعلك. ثم لو ثبت أن أصل الفرض ركعتان لم يمتنع جواز الزيادة عليها، كما لو ائتم بمقيم، ويخالف زيادة ركعتين على صلاة الفجر، فإنه لا يجوز زيادتهما بحال. انتهى

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

    ([1]) أخرجه البخاري (350)، ومسلم (685).

    ([2]) أخرجه مسلم (687).

    ([3]) أخرجه أبو داود (1960)، وأصله في « البخاري » (1084)، ومسلم (695).

    ([4]) أخرجه مسلم (686) . 

    ([5]) أخرجه البخاري (1090)، ومسلم (685).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم