• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تحديد السفر بمسافة معينة
  • رقم الفتوى: 3782
  • تاريخ الإضافة: 11 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    هل يصح تحديد السفر الذي يجوز فيه القصر والجمع بمسافة معينة ؟
  • الاجابة

    اختلف أهل العلم في ذلك، والصحيح عندي مسيرة يوم وليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه سفراً، وهي أصح الروايات في حديث أبي هريرة، ولأنه القول الذي عليه أكثر السلف رضي الله عنهم، وقد اختلفوا في تقدير هذه المسافة بالكيلو، والأقرب أنها تقدر بـ 80 كيلو تقريباً. والله أعلم  هذه خلاصة الفتوى.

    قال الإمام البخاري في صحيحه (2/ 43): وسمى النبي صلى الله عليه وسلم: «يوماً وليلة سفراً» وكان ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، يقصران، ويفطران في أربعة بُرُد وهي ستة عشر فرسخاً.

    قلت: الفرسخ خمسة كيلو مترات تقريباً، وقيل خمسة ونصف.

    وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 400): "ثابت عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه خرج إلى مكة في حجة الوداع فقصر الصلاة".
    وروى بإسناده "عن أنس بن مالك، قال: «خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع».
    وأجمع أهل العلم على أن لمن سافر سفراً تكون مسافته مثل ما بين المدينة إلى مكة -450 كيلو تقريباً- أن يقصر الصلاة إذا كان خروجه فيما تقدم وصفنا له.

    واختلفوا فيمن سافر أقل من هذه المسافة.

    فقالت طائفة: من سافر مسيرة أربعة بُرُد -80 كيلو تقريباً- فله أن يقصر الصلاة، كذلك قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
    واحتجوا بالأخبار التي رويت عن ابن عمر، وابن عباس من ذلك: أن ابن عمر ركب إلى ريم، فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وذلك نحو من أربع برد، وأن ابن عباس سئل: أيقصر إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف، وروي عن ابن عمر، وابن عباس: أنهما كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربع برد فما فوق ذلك".

    وقال: "وهذا على مذهب أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وحكى أبو ثور ذلك، عن مالك، والشافعي، وبه قال الليث بن سعد في تقصير الصلاة، وكذلك قال عبد الملك الماجشون.

    وقالت طائفة: يقصر الصلاة في مسيرة يومين، ولم يذكر مقدار ذلك بالبرد والأميال، هذا قول الحسن البصري، والزهري،  وقد كان الشافعي يقول، إذ هو بالعراق: يقصر في مسيرة ليلتين قاصدتين، وذلك إذا جاوز السير أربعين ميلاً بالهاشمي، ثم قال بمصر: للمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيره ليلتين قاصدتين، وذلك ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي، ولا يقصر فيما دونهما، وأحب أنا أن لا أقصر في أقل من ثلاث احتياطاً على نفسي، وإن ترك القصر مباح لي.

    وقالت طائفة: يقصر في مسيره اليوم التام، ثبت أن ابن عمر كان يقصر في اليوم التام، وخرج إلى أرض اشتراها من ابن بحينة فقصر الصلاة إليها، وهي ثلاثون ميلاً ، وقال الزهري: يقصر الصلاة في مسيرة يوم تام، ثلاثون ميلاً، وثابت عن ابن عباس أنه قال: يقصر في اليوم، ولا يقصر فيما دون اليوم".

    وقال: "وفيه قول رابع: وهو أن من سافر ثلاثاً قصر، روينا هذا القول عن عبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير، والنخعي، وسويد بن غفلة".

    وقال: "وبه قال الثوري، والنعمان، ومحمد بن الحسن، قال النعمان: ثلاثة أيام ولياليها، سير الإبل ومشي الأقدام، واحتج الثوري بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم».

    وفيه قول خامس: روينا عن علي بن أبي طالب: أنه خرج إلى النميلة فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه، فقال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم، وروينا عن ابن عمر أنه قال: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر، وقال عمرو بن دينار: قال جابر بن زيد: أقصر بعرفة"

    وقال: " أما قول جابر بن زيد لعمرو بن دينار: أقصر بعرفة، فأحسب مثل قول من قال لأهل مكة: أن يقصروا الصلاة بمنى وعرفة.

    وكان الأوزاعي يقول: كان أنس بن مالك يقصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ، وذلك خمسة عشر ميلاً.

    وكان قبيصة بن ذويب، وهاني بن كلثوم، وعبد الله بن محيريز يقصرون الصلاة فيما بين الرملة وبيت المقدس -45 كيلو تقريباً-.

    قال الأوزاعي: وعامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام، وبهذا نأخذ". انتهى مختصراً.

    وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 242) بعد أن بين عدم ثبوت بعض الأقوال المذكورة عن الصحابة، قال: قال الأوزاعي: وعامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام، قال: وبه نأخذ.
    قال أبو عمر -ابن عبد البر-: هو كما قال الأوزاعي وجمهور العلماء، لا يقصرون الصلاة في أقل من أربعة برد، وهو مسيرة يوم تام بالسير القوي الحسن الذي لا إسراف فيه، ومن احتاط فلم يقصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام كاملة فقد أخذنا بالأوثق. وبالله التوفيق

    وقال ابن قدامة : "... واحتج أصحابنا بقول ابن عباس وابن عمر، قال ابن عباس: يا أهل مكة، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من عسفان إلى مكة. قال الخطابي: وهو أصح الروايتين عن ابن عمر.
    ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر، من الحل والشد، فجاز القصر فيها، كمسافة الثلاث، ولم يجز فيما دونها؛ لأنه لم يثبت دليل يوجب القصر فيه. وقول: أنس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ، صلى ركعتين. يحتمل أنه أراد به إذا سافر سفراً طويلاً قصر إذا بلغ ثلاثة أميال كما قال في لفظه الآخر: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين»" . انتهى

    انظر المغني لابن قدامة (2/ 188)، والمجموع للنووي (4/ 323).


    ([1]) أخرجه مسلم (691).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم