• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تحديد مدة القصر
  • رقم الفتوى: 3783
  • تاريخ الإضافة: 11 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    هل تحدد مدة القصر للمسافر إذا نزل بلداً بزمن معين ؟
  • الاجابة

    الصحيح أن المسافر له أن يترخص برخص السفر ما لم ينو واحداً من أمرين:

    الإقامة المطلقة: وهي أن ينوي الإقامة في البلد الذي نزله دون أن يقيد إقامته بزمن أو عمل كسفراء البلدان مثلاً.

    الاستيطان: وهو أن ينوي أن يتخذ البلد الذي نزله وطناً له، فلا نية له في الخروج منه.

    وتحديده بزمن لا دليل عليه من الكتاب والسنة. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال النووي في المجموع (4/ 364): في مذاهب العلماء في إقامة المسافر في بلد: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج انقطع الترخص، وإن نوى دون ذلك لم ينقطع، وهو مذهب عثمان بن عفان وابن المسيب ومالك وأبي ثور.

    وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً مع الدخول أتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر. قال ابن المنذر: وروي مثله عن ابن عمر.

    قال: وقال الأوزاعي وابن عمر -في رواية عنه- وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: إن نوى إقامة اثني عشر يوماً أتم، وإلا فلا.

    وقال ابن عباس واسحق بن راهويه: إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً أتم، وإن نوى دونها قصر.

    وقال الحسن بن صالح: إن نوى إقامة عشرة أيام أتم. قال ابن المنذر: وبه قال محمد بن علي.

    وقال أنس وابن عمر -في رواية عنه- وسعيد بن جبير والليث: إن نوى أكثر من خمسة عشر يوماً أتم.

    وقال أحمد: إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام أتم، وإن نوى أربعة قصر في أصح الروايتين، وبه قال داود.

    وعن أحمد رواية أنه إن نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة أتم، وإن نوى إحدى وعشرين قصر، ويحسب عنده يوما الدخول والخروج، قال ابن المنذر: وروي عن ابن المسيب قال: إن أقام ثلاثاً أتم.

    قال: وقال الحسن البصري: يقصر إلا أن يدخل مصراً من الأمصار. وعن عائشة نحوه.

    قال: وقال ربيعة: إن نوى إقامة يوم وليلة أتم.

    قال العبدري: وحكي عن اسحق بن راهويه أنه يقصر أبداً حتى يدخل وطنه أو بلداً له فيه أهل أو مال. قال القاضي أبو الطيب: وروي هذا عن ابن عمر وأنس.

    أما إذا أقام في بلد لانتظار حاجة يتوقعها قبل أربعة أيام فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يقصر أبداً. وقال أبو يوسف ومحمد: هو مقيم. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/ 372): فإذا نوى المسافر إقامة أكثر من أربعة أيام في أي مكان كان، سواء نوى الإقامة في البر أو نوى الإقامة في البلد، فيلزمه أن يتم.
    مثاله: رجل سافر إلى العمرة ونوى أن يقيم في مكة أسبوعاً فيلزمه الإتمام؛ لأنه نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
    ومثال الإقامة في غير البلد: رجل مسافر انتهى إلى غدير فأعجبه المكان فنزل، ونوى أن يبقى في هذا المكان خمسة أيام فيلزمه أن يتم؛ لأنه نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
    والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في حجة الوداع يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وخرج يوم الخميس إلى منى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة، فنأخذ من هذا أن المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام فإنه يقصر؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عزم على أن يبقى هذه الأيام الأربعة؛ لأنه قدم إلى الحج، ولا يمكن أن ينصرف قبل الحج.
    فإذا قال قائل: إقامة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأيام الأربعة هل وقعت اتفاقاً أم قصداً؟
    الجواب: أنها وقعت اتفاقاً بلا شك؛ أي أن رحلته صلى الله عليه وسلم صادفت القدوم في اليوم الرابع من ذي الحجة؛ لأنه لم يرد عنه أنه حدد يوماً معيناً للقدوم حتى نقول: إن هذا القدوم وقع عن قصد، لكنه وقع كما يقع للمسافر، فيقدم قبل الحج بيوم أو أقل أو أكثر كما هي العادة.
    فإذا قال قائل: ألا يمكن أن نقول: إنه لو أقام خمسة أيام أو أكثر يقصر ما دمتم قلتم: إنه وقع اتفاقاً لا قصدا؟
    قلنا: الأصل أن إقامة المسافر في أي مكان تقطع السفر؛ لأن المعروف أن المسافر يسير ولا ينزل إلا ضحوة أو عشية، أما أن ينزل أكثر من ذلك فإن هذا خلاف الأصل، فالأصل أن المسافر إذا أقام في البلد أو في المكان غير البلد أن إقامته تقطع السفر، ولكن سمح في الأيام الأربعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقامها وقصر فيبقى ما زاد عليها على الأصل، وهو المنع من الترخص ووجوب الإتمام وامتناع المسح على الخفين أكثر من يوم وليلة، ومنع الإفطار في رمضان، فجميع أحكام السفر تنقطع إلا حكماً واحداً فإنه يبقى وهو صلاة الجمعة، فإن صلاة الجمعة تلزم هذا الرجل كغيره، ولا يصح أن يكون إماماً فيها، ولا خطيباً، ولا أن يتم به العدد، فصار مسافراً من وجه، مقيماً من وجه، ففي الجمعة ليس من المقيمين؛ لأنه لا تنعقد به الجمعة، ولا يصح أن يكون إماما فيها ولا خطيبا، ولا تسقط عنه، بل تجب عليه، وفيما عدا ذلك حكمه حكم المقيم، هذا تعليل كلام المؤلف.
    وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي كثرت فيها الأقوال فزادت على عشرين قولا لأهل العلم، وسبب ذلك أنه ليس فيها دليل فاصل يقطع النزاع، فلهذا اضطربت فيها أقوال أهل العلم، فأقوال المذاهب المتبوعة هي:
    أولا: مذهب الحنابلة رحمهم الله: كما سبق أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام، لكن لا ينقطع بالنسبة للجمعة؛ لأن الجمعة يشترط فيها الاستيطان، وهذا غير مستوطن، وبناء على هذا القول ينقسم الناس إلى: مسافر، ومستوطن، ومقيم غير مستوطن.
    فالمسافر أحكام السفر في حقه ثابتة.
    والمستوطن أحكام الاستيطان في حقه ثابتة، ولا يستثنى من هذا شيء. والمقيم غير المستوطن تثبت في حقه أحكام السفر من وجه وتنتفي من وجه آخر، لكن هذا التقسيم يقول شيخ الإسلام: إنه ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا السنة.
    ثانيا: مذهب الشافعي: إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإتمام، لكن لا يحسب منها يوم الدخول، ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة، يوم الدخول، ويوم الخروج، وأربعة أيام بينها.
    ثالثا: مذهب أبي حنيفة: إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوما أتم، وإن نوى دونها قصر.
    وفيها أيضا مذاهب أخرى فردية، مثل ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما قصر، وما زاد فإنه لا يقصر.
    ولكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو القول الصحيح، وهو أن المسافر مسافر، سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو دونها.
    وذلك لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رخص السفر للمسافر بدون تحديد، ولم يحدد الله في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم المدة التي ينقطع بها حكم السفر.
    1 ـ فمن القرآن قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101] فقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض} عام يشمل كل ضارب، ومن المعلوم أن الضرب في الأرض أحيانا يحتاج إلى مدة طويلة بحسب حاجته. قال الله تعالى: {مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل} [المزمل: 20] فالذين يضربون في الأرض للتجارة مثلا، هل يكفيهم أن يقيموا أربعة أيام فأقل في البلد؟
    ربما يكفيهم وربما لا يكفيهم، فالتاجر قد يكفيه يوم واحد، وقد يتأخر أربعة أيام أو خمسة أيام أو عشرة أيام، وقد يطلب سلعة لا تحصل له في أربعة أيام؛ لأنه يجمعها من هنا وهناك.
    2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام مددا مختلفة يقصر فيها فأقام في تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة، «وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما يقصر الصلاة» وأقام في مكة عام حجة الوداع عشرة أيام يقصر الصلاة، لأن أنسا رضي الله عنه سئل كم أقمتم في مكة ـ أي: في حجة الوداع ـ قال: أقمنا بها عشرا»؛ لأنه أضاف أيام الحج إلى الأيام الأربعة، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وخرج في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، فتكون إقامته عشرة أيام.
    فإن قال قائل: ما تقولون في حجة من رأى أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام لزمه الإتمام، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام أربعة أيام قبل أن يخرج إلى منى؟. فالجواب: أن هذا دليل عليهم وليس دليلا لهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع اتفاقا، ولا أحد يشك في هذا، وهل هناك دليل على أنه لو قدم في اليوم الثالث أتم؟ بل نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بأن الناس يقدمون للحج قبل اليوم الرابع، وليس كل الحجاج لا يقدمون إلا من الرابع فأكثر، بل منهم من يقدم في ذي الحجة، وفي ذي القعدة وفي شوال، لأن أشهر الحج تبتدئ من شوال، ولم يقل للأمة من قدم مكة قبل اليوم الرابع فليتم، ولو كانت شريعة الله أن من قدم قبل اليوم الرابع من ذي الحجة إلى مكة لزمه أن يتم لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبينه لدعاء الحاجة للبلاغ والتبيين، فلما لم يبين ولم يقل للناس من قدم قبل اليوم الرابع فليتم علم أنه لا يلزمه الإتمام، فيكون هذا الحديث دليلا على أنه لا يلزم الإتمام من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
    إذا لا دليل على التحديد بأربعة أيام، لأن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أربعة أيام وقع مصادفة لا تشريعا، وهذه قاعدة، ولهذا لا يسن للحاج إذا دفع من عرفات إلى مزدلفة أن ينزل في الطريق، ثم يبول، ثم يتوضأ وضوءا خفيفا، لأن هذا وقع منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الاتفاق.
    وأيضا كيف نقول: من نوى الإقامة ستا وتسعين ساعة فله أن يقصر، ومن نوى الإقامة ستا وتسعين ساعة وعشر دقائق فليس له أن يقصر؛ لأن الأول مسافر والثاني مقيم، أين هذا التحديد في الكتاب والسنة؟ والصلاة كما نعلم أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين فكيف نقول للأمة: إن هذا الرجل الذي نوى إقامة ست وتسعين ساعة وعشر دقائق لو قصر لكانت صلاته باطلة؟ فمثل هذا لا يمكن أن يترك بلا بيان، وترك البيان في موضع يحتاج إلى بيان يعتبر بيانا، إذ لو كان خلاف الواقع والواجب لبين، وعلى هذا فنقول: إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينو واحدا من أمرين:
    1 ـ الإقامة المطلقة.
    2 ـ أو الاستيطان.
    والفرق: أن المستوطن نوى أن يتخذ هذا البلد وطنا، والإقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة، أو طلب العلم فيه قوي فينوي الإقامة مطلقا بدون أن يقيدها بزمن أو بعمل، لكن نيته أنه مقيم لأن البلد أعجبه إما بكثرة العلم وإما بقوة التجارة أو لأنه إنسان موظف تابع للحكومة وضعته كالسفراء مثلا، فالأصل في هذا عدم السفر؛ لأنه نوى الإقامة فنقول: ينقطع حكم السفر في حقه.
    أما من قيد الإقامة بعمل ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر، ولا تتخلف أحكام السفر عنه.
    ثم إننا إذا تأملنا القول بأنه تنقطع أحكام السفر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام وجدنا هذا القول متناقضا.
    ووجه التناقض: أنه في الجمعة في حكم المسافرين، وفي غير الجمعة في حكم المقيمين، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل وتوضيح، ولهذا ما أحسن قول صاحب المغني رحمه الله لما ذكر أن تحديد السفر بالمسافة مرجوح قال: إن التحديد توقيف، أي: أنه حد من حدود الله يحتاج إلى دليل، فأي إنسان يحدد شيئا أطلقه الشارع فعليه الدليل، وأي إنسان يخصص شيئا عممه الشارع فعليه الدليل، لأن التقييد زيادة شرط، والتخصيص إخراج شيء من نصوص الشارع، فلا يحل لأحد أن يضيف إلى ما أطلقه الشارع شرطا يقيده، ولهذا قلنا في المسح على الخف: إن الصحيح أنه لا يشترط فيه ما يشترطه الفقهاء من كونه ساترا لمحل الفرض بحيث لا يتبين فيه ولا موضع الخرز، وقلنا: إن ما سمي خفا فهو خف، سواء كان مخرقا أو رقيقا أو ثخينا أو سليما.
    ولنا في هذا رسالة بينا فيها من اختار هذا القول من العلماء أمثال: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ محمد رشيد رضا، وعلى كل حال نحن لا نعرف الحق بكثرة الرجال، وإنما نعرف الحق بموافقة الكتاب والسنة. انتهى

    قلت: هو القول المنقول عن ابن عمر وأنس وإسحاق بن راهويه، أو قريب منه.

    وقال ابن عبد البر في التمهيد(11/ 181) بعد أن ذكر بعض أقوال السلف، قال: "وعن السلف في هذه المسألة أقاويل متباينة، منها.." إلى أن قال: "فهذه تسعة أقوال في هذه المسألة، وفيها قول عاشر أن المسافر يقصر أبداً حتى يرجع إلى وطنه أو ينزل وطناً له، وروي عن أنس أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة، وقال أبو مجلز: قلت لابن عمر: آتي المدينة فأقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالباً حاجة؟ فقال: صل ركعتين. وقال أبو إسحق السبيعي: أقمنا بسجستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين، وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين، وكان الثلج حال بينهم وبين القفول، وأقام مسروق بالسلسلة سنتين وهو عامل عليها يصلي ركعتين ركعتين، حتى انصرف، يلتمس بذلك السنة، وذكر يعقوب بن شيبة حدثنا معاوية بن عمر حدثنا زائدة عن منصور عن شقيق قال: خرجت مع مسروق إلى السلسلة حين استعمل عليها فلم يزل يقصر حتى بلغ، ولم يزل يقصر في السلسلة حتى رجع، فقلت: يا أبا عائشة، ما يحملك على هذا؟ قال: أتباع السنة. وقال أبو حمزة نصر بن عمران: قلت لابن عباس: إنا نطيل المقام بالغزو بخراسان، فكيف ترى؟ قال: صل ركعتين، وإن أقمت عشر سنين. انتهى المراد. ثم تأول هذه الآثار، وبعضها لا يقبل تأويله.

     وذكر ابن المنذر في الأوسط (4/ 411) أربعة عشر قولاً في المسألة. والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم