• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: زيارة المريض
  • رقم الفتوى: 3849
  • تاريخ الإضافة: 18 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    ما حكم زيارة المريض ؟
  • الاجابة

    عيادة المريض، أي زيارته والسؤال عن حاله، والفرق بين الزيارة والعيادة أن الزيارة للصحيح أي غير المريض، والعيادة للمريض([1])، وهي مشروعة بالاتفاق([2])، ولكن اختلف أهل العلم في حكمها.

    أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، وقال: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس». متفق عليه([3]).

    ونقل النووي رحمه الله الإجماع على أنها ليست واجبة وجوباً عينياً([4]).

    فالصحيح أنها واجبة وجوباً كفائياً، يعني إذا سمعنا بأن واحداً من المسلمين مريض، فلا يجب على كل واحد منا أن يذهب لعيادته، فلو ذهب واحد وعاده سقط هذا الواجب، هذا من حيث الوجوب، لكن إذا ذهب جمع من الناس يستحب ذلك، لا بأس به.

    وقلنا بالوجوب الكفائي لورود الأمر بها ولا صارف له عن الوجوب.

    والمراد بالمريض هنا الذي مرض مرضاً يحبسه عن الخروج إلى الناس، ليس المرض الخفيف الذي لا يمنعه من الخروج.

    فالسنة في مثل هذا المرض عيادة صاحبه؛ لأن المراد بالعيادة مواساة المريض وأن يستأنس بالناس ولا يشعر بالوحدة والانقطاع عنهم، وتذكيره بالصبر على البلاء إلى أن يرفع عنه، وهذا يحصل برؤيته.

    وقال أهل العلم: وإذا عاده كره إطالة القعود عنده لما فيه من إضجاره والتضييق عليه ومنعه من بعض تصرفاته([5]). 

    وقال ابن وضاح: أفضل العيادة أخفها، قال: هو أن لا يطول الرجل في القعود إذا عاد المريض([6]). 

    قلت: من تعليل العلماء يظهر أن هذا في حال علم أن الإطالة تشق على المريض أو على أهل بيته، وأما إذا علم أنه يستأنس به فلا بأس. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    بوب الإمام البخاري في صحيحه (7/ 115، قبل الحديث رقم 5649 ): "باب وجوب عيادة المريض" ، وأخرج حديث  أبي موسى الأشعري (5649)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني».

    وحديث البراء بن عازب (5450): قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: نهانا عن خاتم الذهب، ولبس الحرير، والديباج، والإستبرق، وعن القسي، والميثرة، وأمرنا أن نتبع الجنائز، ونعود المريض، ونفشي السلام ".

    قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/ 112): كذا جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة، وتقدم حديث أبي هريرة في الجنائز:" حق المسلم على المسلم خمس.." فذكر منها :"عيادة المريض" ووقع في رواية مسلم:" خمس تجب للمسلم على المسلم.." فذكرها منها. قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية؛ كإطعام الجائع وفك الأسير، ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة، وجزم الداودي بالأول، فقال: هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض. وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض، وعن الطبري: تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعى حاله، وتباح فيما عدا ذلك. وفي الكافر خلاف كما سيأتي ذكره في باب مفرد، ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب، يعني على الأعيان. انتهى

    قلت: لفظ ابن بطال (9/ 375): يحتمل أن تكون عيادة المريض من فروض الكفاية، كإطعام الجائع وفك الأسير، وهو ظاهر الكلام... انتهى

    قال محمد بن آدم الإثيوبي في ذخيرة العقبى (19/ 151) : الأرجح عندي ما جزم به الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، من وجوب عيادة المريض، لصريح الأمر في قوله: "وعودوا المريض"، لكنه على الكفاية كما قال الداوديّ، وأما ما ذهب إليه الجمهور من الندب، فيحتاج إلى صارف للأمر عن الوجوب إلى الندب، ولم يذكروا ذلك، وأما ما قاله الطبريّ من التفصيل بين من تُرجى بركته وغيره، فمما لا دليل عليه، وأما ما ادعاه النوويّ من الإجماع، فقد أجاب عنه الحافظ بأنه يقصد عدم الوجوب على الأعيان، فلا يخالف القول الأول. واللَّه تعالى أعلم. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/ 239): وقوله: «تسن» ظاهره أنه سنة في حق جميع الناس، ولكن ليس هذا على إطلاقه؛ فإن عيادة المريض إذا تعينت براً أو صلة رحم صارت واجبة، لا من أجل المرض، ولكن من أجل القرابة، فلا يمكن أن نقول لشخص مرض أبوه: إن عيادة أبيك سنة، بل واجبة؛ لأنها يتوقف عليها البر، وكذا عيادة الأخ؛ لأن الوجوب ليس لأجل المرض، ولكن من أجل الصلة في القرابة.

    أما من لا يعد ترك عيادته عقوقاً أو قطيعة فإن المؤلف يقول: إنه سنة.
    وقال بعض العلماء: إنه واجب كفائي أي: يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم، وهذا هو الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها من حق المسلم على المسلم، وليس من محاسن الإسلام أن يمرض الواحد منا ولا يعوده أحد، وكأنه مرض في برية، فلو علمنا أن هذا الرجل لا يعوده أحد فإنه يجب على من علم بحاله وقدر أن يعوده.
    وعيادة المريض مع كونها من أداء الحقوق على المسلم لأخيه ففيها جلب مودة وألفة لا يتصورها إلا من مرض ثم عاده إخوانه، فإنه يجد من المحبة لهؤلاء الذين عادوه شيئاً كثيراً، فتجده يتذوقها، ويتحدث بها كثيراً، ففيها مع الأجر تثبيت الألفة بين المسلمين. انتهى

    وقال (5/ 237): أما المرض فالمراد من مرض مرضاً يحبسه عن الخروج مع الناس، فأما إذا كان لا يحبسه فإنه لا يحتاج إلى عيادة؛ لأنه يشهد الناس ويشهدونه، إلا إذا علم أن هذا الرجل يخرج إلى السوق أو إلى المسجد بمشقة شديدة، ولم يصادفه حين خروجه، وأنه بعد ذلك يبقى في بيته، فهنا نقول: عيادته مشروعة.
    فالمرض بالزكام مرض لا شك، فإن حبس الإنسان دخل في هذا، وإن لم يحبسه كما هو الغالب الكثير فإنه لا يحتاج إلى عيادة، والمريض بوجع الضرس إن حبس في بيته عدناه، وإن خرج وصار مع الناس لا نعوده، لكن لا مانع أن نسأل عن حاله إذا علمنا أنه مصاب بمرض الضرس، والمريض بوجع العين كذلك ينسحب عليه الحكم، إذا كان المرض قد حبسه فإنه يعاد، وإن كان يخرج مع الناس لا يعاد، لكن يسأل عن حاله. انتهى

    وقال: وأما بالنسبة لكونه يتأخر عند المريض ويتحدث إليه، أو يعوده ثم ينصرف بسرعة فهذه أيضا ينبغي ألا تقيد، وإن كان بعض العلماء يقول: الأفضل ألا تتأخر وأن تبادر بالانصراف؛ لأن المريض قد يثقل عليه ذلك، وكذلك أهل المريض ربما يثقل عليهم البقاء عنده؛ لأنهم يحبون أن يأتوا إلى مريضهم.
    ولكن الصحيح في ذلك أنه يرجع إلى ما تقتضيه الحال والمصلحة، فقد يكون هذا المريض يحب من يعوده سواء محبة عامة أو محبة خاصة لشخص معين، ويرغب أن يبقى عنده، ويتحدث إليه، ولا سيما إذا أنس بك المريض، ورأيت أنه يحب أن تتحدث إليه، مثل أن يسألك عن أحوال الناس مثلا، أو عن أشياء يحب أن يطلع عليها، فهنا ينبغي لك أن تمكث عنده، أما إذا علمت من حاله أنه يرغب ألا تبقى كثيرا، مثل: أن تراه يتململ، وأن صدره ضائق فهنا تخرج ولا تبقى؛ لأنك تعلم أنه لا يريد أن تبقى عنده، والناس يختلفون، لا المرضى ولا العائدون.
    ولهذا أنا أرى أن إطلاق المؤلف هذا الإطلاق بدون تقييد بزمن ولا ببقاء من أحسن ما فعل ـ رحمه الله ـ.
    مسألة: الاتصال بالهاتف لا يغني عن العيادة؛ لا سيما مع القرابة، أما إن كان بعيدا يحتاج لسفر فتغني. انتهى 


    ([1]) انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (5/ 236).

    ([2]) وقال ابن حزم: «واتفقوا على أن عيادة المريض فضل» «مراتب الإجماع» (ص 157). وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 203): وعيادة المريض سنة مسنونة، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها وندب إليها، وأخبر عن فضلها بضروب من القول، ليس هذا موضع ذكرها، فثبتت سنة ماضية لا خلاف فيها. انتهى، وقال الشوكاني في النيل (4/ 22): وهي مشروعة بالإجماع. انتهى وانظر شرح صحيح مسلم للنووي (16/ 124).

    ([3]) أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

    ([4]) قال النووي: «أما عيادة المريض فسنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه ومن لايعرفه، والقريب والأجنبي » «شرح صحيح مسلم» (14/ 31).

    ([5]) انظر المجموع للنووي (5/ 112).

    ([6]) التمهيد لابن عبد البر (24/ 277).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم