• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: توجيه المحتضر نحو القبلة
  • رقم الفتوى: 3868
  • تاريخ الإضافة: 20 جُمادي الأول 1441
  • السؤال
    هل من السنة توجيه المحتضَر الذي أوشك على الموت نحو القبلة ؟
  • الاجابة

    في المسألة خلاف بين أهل العلم، فبعضهم يقول إنه من السنة، لكنهم يعتمدون على أحاديث ضعيفة لا يصح منها شيء، ولم يثبت عن النبي ﷺ في حديث صحيح أنه كان يوجه المُحتضَر -أي المسلم الذي أوشك على الموت- إلى القبلة، ومن الأحاديث التي يستدلون بها حديث عبيد بن عمير عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال وقد سأله رجل عن الكبائر، قال: «هي تسع» يعني الكبائر، وذكر منها «استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً »([1])

    قالوا: قال: «قبلتكم أحياءً وأمواتاً»، فمن قارب على الموت نستقبل به القبلة.

    وهذا خطأ، خطأ من حيث إن الحديث نفسه ضعيف لا يصح.

    والأمر الثاني: قوله أمواتاً، فالمحتضر ليس ميتاً ما زال حياً فلا يدخل فيه.

    وإنما المقصود أنكم تستقبلون البيت في الصلاة، وكذلك أمواتاً في القبر، فالميت في قبره يكون متجهاً إلى القبلة.

    واستدلوا أيضاً بحديث عند الحاكم عن أبي قتادة أن البراء بن معرور أوصى أن يوجه إلى القبلة إذا احْتُضِر، فقال رسول الله ﷺ: «أصاب الفطرة»، وهو حديث ضعيف، فهو مرسل وفيه نعيم بن حماد، وهو ضعيف([2]).

    وكان سعيد بن المسيب وهو أحد أئمة التابعين الكبار من فقهاء المدينة السبع يُنكر هذا الفعل، فقد وجهوه إلى القبلة وكان يُحتضَر فلما استيقظ قال: من فعل بي ذلك؟ قالوا: فلان، فأنكره، وقال: أليس الميت أمرأً مسلماً، فلِماذا توجهونه إلى القبلة([3]).

    فالعبرة بالدليل على كل حال، وبما أنه لم يرد في السنة شيء صحيح عن النبي ﷺ في ذلك، وكذلك لا يصح عن أحد من الصحابة([4])، فليس هذا من السنة، وخاصة أنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه حضر أكثر من واحد كانوا يُحتَضَرون ومع ذلك لم يثبت عنه في حديث واحد أنه أمر بهم أن يوجهوا إلى القبلة، فالصحيح أن هذا الفعل ليس من السنة. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال الإمام الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز (ص243): توجيه المحتضر إلى القبلة. (أنكره سعيد بن المسيب كما في (المحلى) (5/ 174) ومالك كما في (المدخل) (3/ 229 - 230) ولا يصح فيه حديث. انتهى

    وقال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 238): واختلفوا في استحباب توجيهه إلى القبلة: فرأى ذلك قوم ولم يره الآخرون. وروي عن مالك أنه قال في التوجيه: ما هو من الأمر القديم. وروي عن سعيد بن المسيب أنه أنكر ذلك، ولم يرو ذلك عن أحد من الصحابة ولا من التابعين - أعني: الأمر بالتوجيه. انتهى

    والقول بالتوجيه عزاه ابن المنذر في الأوسط (5/ 338) لأكثر أهل العلم. والله أعلم  
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ([1]) أخرجه أبو داود (2875) عن عبيد عن جده، ولجده صحبة.

    في سنده عبد الحميد بن سنان، قال البخاري: في حديثه نظر.انتهى قلت: يعني هذا الحديث. وقال الذهبي: لا يعرف، وقد وثقه بعضهم. انتهى. قلت: كأنه يشير إلى ذكر ابن حبان له في الثقات.
    وله شاهد من حديث ابن عمر لا يقويه؛ ففي سنده أيوب بن عتبة ضعيف، واختلف عليه فيه، وشيخه طيسلة مجهول الحال.

    ([2]) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1305)، والبيهقي في « السنن الكبرى » (6604) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

    ([3]) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/ 447).

    ([4]) أشار ابن المنذر في الأوسط (5/ 338) إلى أنه مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يصح عنه فهو من رواية أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهي رواية معلة، انظرها في العلل لابن أبي حاتم(2/ 527)، وشرح علل الترمذي لابن رجب(2/ 817)، ويحيى بن أبي راشد البصري أو يحيى بن راشد راويه عن عمر، لم يسمع من عمر، قال أبو حاتم الرازي: مرسل، كما في الجرح والتعديل (606)، وقد اختلفوا في مراد عمر بقوله: " إذا حضرتني الوفاة فأحرفني"، واختلفوا في ضبطها. 

    واستدل ابن قدامة في المغني (2/ 336)، بقول حذيفة رضي الله عنه: "وجهوني" وهو خطأ من وجهين، الأول أنه ضعيف؛ ففي سنده أخت ربعي بن حراش لم أجد من وثقها سوى العجلي المعروف بتوثيق المجاهيل، والثاني: الظاهر من الحديث أن حذيفة طلب توجيهه إلى القبلة للدعاء، لا لأنه يحتضر، لذلك -والله أعلم - لم يجعله أحد من أهل العلم الذين نقلوا مذاهب العلماء من الذين وقفت على كلامهم مذهباً له. والله أعلم، وهذا لفظه كما أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين(309)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 296)، قال ابن أبي الدنيا: حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا عباد بن العوام قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش أنه حدثهم: أن أخته وهي امرأة حذيفة قالت: لما كان ليلة توفي حذيفة جعل يسألنا: أي الليل هذا؟ فنخبره. حتى كان السحر، قالت: فقال: أجلسوني. فأجلسناه، قال: وجهوني. فوجهناه، قال: «اللهم إني أعوذ بك من صباح النار ومن مسائها». انتهى

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم