• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: صللاة الجنازة على القاتل والغال والكافر والشهيد
  • رقم الفتوى: 4008
  • تاريخ الإضافة: 10 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه ترك الصلاة على بعض الأصناف من الناس ، أرجو من فضيلتكم بيان هذه الأصناف وهل يقاس عليها غيرها ؟
  • الاجابة

    منهم الغال : ورد أن النبي ﷺ امتنع من الصلاة على الغال في غزوة خيبر، والغّال: هو الذي أخذ شيئاً من مال الغنيمة – غنائم الحرب - قبل قسمتها على أصحابها وكتمه، لكن في نفس الحديث قال ﷺ: «صلوا على صاحبكم»([1])، فيدل هذا على أن الغّال لا تترك الصلاة عليه مطلقاً، بل لابد أن يُصلى عليه كبقية المسلمين، فقد أمر النبي ﷺ بالصلاة عليه ، وأما امتناعه ﷺ من الصلاة عليه، فيُدل على أنه يشرع في هذه الحالة للإمام أو لمن كانت له مكانة في نفوس الناس من أهل الصلاح أن يترك الصلاة على الغّال، وعلى من فعل كبيرة من الكبائر وبقي عليها، فهو مثل الغال؛ ليكون زاجراً لغيره عن هذا الفعل، فإذا عُرف أن مثل هذا الإمام أو الرجل الصالح لم يُصلِ عليه ولم يدعُ له بعد موته، فربما يكون هذا زاجراً لغيره عن فعله.

    وقاتلِ نفسه؛ أخرج مسلم في «صحيحه»: «أن النبي ﷺ، أُتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يُصلِّ عليه»([2]) ، المشاقص، جمع مِشْقَص: وهي نصل السهم، أي الحديدة التي هي رأس السهم الجارح ، وهذا كالذي قبله تماماً، فإن قاتل نفسه مسلم - وإن كان قتل نفسه - ولكنه ارتكب عظيمة من العظائم، وجريمة كبيرة في حق نفسه، وإثم عظيم عند الله، وقد توعَّد الله فاعل ذلك بعذاب جهنم.

    وورد في الحديث أن النبي ﷺ قال: «من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة»([3]) ، وقال في حديث آخر: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوّجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً»([4]) ، ومعنى يتوجأ - أي يطعن - ، فقاتل نفسه لا يزال يعذب في جهنم بما قتل نفسه به، ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى من جبل في نار جهنم ويعذب فيه خالداً مخلداً فيها أبداً - نسأل الله العافية والسلامة ، فهذه جريمة عظيمة ينبغي أن يكون الناس على حذر منها، ولكن قاتل نفسه يبقى مسلماً فالصلاة عليه واجبة كبقية المسلمين، ولكن - كما ذكرنا في الغال - من كان إماماً أو رجلاً صالحاً معروفاً بين الناس وله مكانة في نفوس الناس، فهذا يشرع له أن يترك الصلاة على هذا الشخص كي يكون ذلك رادعاً لغيره.

    فهؤلاء يلحق بهم غيرهم من أصحاب الكبائر على الصحيح.

    وورد أنه لم يصل على ماعز المرجوم بالزنا، وصح عنه أنه صلى على الجهنية المرجومة بالزنا، وكذلك ورد أنه لم يصل على من عليه دين، ولكن أهل العلم يقولون هذا منسوخ؛ لأنه بعد الفتوح صار يقضي دين من عليه دين ويصلي عليه. والله أعلم 

    والكافرِ : لا يجوز الصلاة على الكافر ، فالصلاة عليه غير مشروعة ، إذ لا تشرع إلا على المسلم فقط ، قال الله تبارك وتعالى: { ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره }، فهذا نهي من الله تبارك وتعالى عن الصلاة على غير المسلم، وكذلك الترحم عليه والاستغفار له محرم أيضاً لقوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }، فالكافر لا يجوز الاستغفار له ولا الترحم عليه بنص هذه الآية ، ولا يجوز أيضاً أن نصلي عليه، فالصلاة عليه فيها استغفار وترحم على الكافر، والكافر لا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار له ، وأما اليوم فهناك تجاوزات شديدة جداً في هذه المسائل، نسأل الله عز وجل السلامة والعافية.

    والشهيدِ: لا يُصلى أيضاً على الشهيد، لكن هناك فرق بين عدم الصلاة على هذا وعدم الصلاة على الذي سبق، فهذا لا يصلى عليه لعظم منزلته ولمكانته الرفيعة العالية، ولعدم حاجته لشفاعة أحدٍ، فهو الذي يشفع في الناس، وذاك لا يُصلى عليه لخسة منزلته وقلتها، وليكون ترك الصلاة عليه رادعاً لغيره ، والصلاة هي شفاعة من المصلين للمُصلَّى عليه ، والشهيد هو الذي يَشفع في الناس، وليس بحاجة لشفاعتهم ، ولا يُصلى على الشهيد؛ لأن النبي ﷺ لم يُصل على شهداء أحد([5]). انتهى هذه خلاصة الفتوى

    قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 278): وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "صلوا على صاحبكم"؛ فإن ذلك كان كالتشديد بغير الميت، من أجل أن الميت قد غل، لينتهي الناس عن الغلول؛ لما رأوا من ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على من غل، وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة، فلهذا لم يصل عليه عقوبة له وتشديداً لغيره. والله أعلم. انتهى 

    وقال: والذي عليه جماعة العلماء وجمهور الفقهاء من الحجازيين والعراقيين: أنه يصلى على ما قال لا إله إلا الله، مذنبين وغير مذنبين، مصرين، وقاتلي أنفسهم، وكل من قال لا إله إلا الله؛ إلا أن مالكاً خالف في الصلاة على أهل البدع، فكرهها للأئمة ولم يمنع منها العامة، وخالف أبو حنيفة في الصلاة على البغاة، وسائر العلماء غير مالك يصلون على أهل الأهواء والبدع والكبائر والخوارج وغيرهم. انتهى

    وقال في الاستذكار (5/ 85) في حديث الغال: وأما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه، وأمر غيره بالصلاة عليه؛ لأنه كان لا يصلي على من ظهرت منه كبيرة؛ ليرتدع الناس عن المعاصي وارتكاب الكبائر، ألا ترى أنه لم يصل على ماعز الأسلمي، وأمر غيره بالصلاة عليه، ولم يصل على الذي قتل نفسه، ولا على كثير ممن أقام عليه الحدود؛ ليكون ذلك زاجراً لمن خلفهم، ونحو ذلك.
    وهذا أصل في أن لا يصلي الإمام وأئمة الدين على المحدثين، ولكنهم لا يمنعون الصلاة عليهم بل يأمر بذلك غيره كما قال صلى الله عليه وسلم "صلوا على صاحبكم". انتهى

    وقال النووي في شرح صحيح مسلم (7/ 47): وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي.

    وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة، وعن إهمال وفائه، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: " صلوا على صاحبكم".

    قال القاضي: مذهب العلماء كافة: الصلاة على كل مسلم، ومحدود، ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنى.

    وعن مالك وغيره أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجراً لهم، وعن الزهري لا يصلى على مرجوم ويصلى على المقتول في قصاص، وقال أبو حنيفة: لا يصلى على محارب، ولا على قتيل الفئة الباغية، وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنى، وعن الحسن: لا يصلى على النفساء تموت من زنا، ولا على ولدها.

    ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير، واختلفوا في الصلاة على السقط، فقال بها فقهاء المحدثين وبعض السلف إذا مضى عليه أربعة أشهر، ومنعها جمهور الفقهاء حتى يستهل وتعرف حياته بغير ذلك.

    وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار فقال مالك والشافعي والجمهور : لا يغسل ولا يصلى عليه، وقال أبو حنيفة: يغسل ولا يصلى عليه، وعن الحسن: يغسل ويصلى عليه. والله أعلم انتهى 

    قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/ 349): قوله: «ولا يصلي الإمام على الغال»، إذا أطلق الفقهاء الإمام فالمراد به: الإمام الأعظم، أي: رئيس الدولة فلا يصلي على الغال.والغال: هو من كتم شيئا مما غنمه في الجهاد.
    مثاله: أن يغنم مع المجاهدين شيئا، ويكتمه يريد أن يختص به لنفسه، فهذا قد فعل إثما عظيما ـ والعياذ بالله ـ وأتى كبيرة من كبائر الذنوب. قال تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161]. فسوف يأتي بما غله حاملا إياه على رقبته يوم القيامة، خزيا وعارا وفضيحة.
    ولما كانت المسألة كبيرة ومتعلقة بعموم المسلمين، امتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على الغال، نكالا لمن يأتي بعده. ولا تسقط الصلاة عن بقية المسلمين، فيجب عليهم أن يصلوا عليه.
    ودليل ذلك: ما روى زيد بن خالد ـ رضي الله عنه ـ قال: «توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم، قال: إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين».
    قوله: «ولا على قاتل نفسه»، أي: لا يصلي الإمام على قاتل نفسه نكالا لمن بقي بعده؛ لأن قاتل نفسه ـ والعياذ بالله ـ أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وسوف يعذب في جهنم بما قتل به نفسه. فإن قتلها بخنجر ففي يده خنجر في نار جهنم يطعن به نفسه. وإن قتلها بسم ففي فمه سم يتحساه في النار، وإن قتلها بالتردي من أعلى جبل، أو جدار، أو ما أشبه ذلك فكذلك يعذب به في نار جهنم، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وكثير من الناس غير المسلمين إذا ضاقت به الدنيا قتل نفسه والعياذ بالله ـ فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ عجل العقوبة لنفسه ـ والعياذ بالله ـ؛ لأنه يعذب من حين أن يموت.
    ودليل ذلك: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه».
    ولكن هل يصلي عليه بقية الناس؟
    الجواب: نعم، يصلي عليه بقية الناس؛ لأنه مسلم لا يكفر، وإن كان يخلد في النار إلى أن يشاء الله.
    ولو قال قائل: أفلا ينبغي أن يعدى هذا الحكم إلى أمير كل قرية أو قاضيها أو مفتيها، أي من يحصل بامتناعه النكال، هل يتعدى الحكم إليهم؟
    فالجواب: نعم يتعدى الحكم إليهم، فكل من في امتناعه عن الصلاة نكال فإنه يسن له أن لا يصلي على الغال، ولا على قاتل نفسه.
    مسألة: هل يلحق بالغال، وقاتل النفس من هو مثلهم، أو أشد منهم أذية للمسلمين، كقطاع الطرق مثلا؟ الجواب: المشهور من المذهب: لا يلحق.
    والقول الثاني: أن من كان مثلهم، أو أشد منهم، فإنه لا يصلي الإمام عليه؛ لأن الشرع إذا جاء في العقوبة على جرم من المعاصي، فإنه يلحق به ما يماثله، أو ما هو أشد منه.
    فإذا كان الذي غل هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق، ويقتلهم ويأخذ أموالهم، ويروعهم، أليس هذا من باب أولى أن ينكل به؟
    الجواب: بلى، ولهذا فالصحيح: أن ما ساوى هاتين المعصيتين، ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه، فإنه لا يصلي عليه. انتهى 


    ([1]) أخرجه أحمد (36/9)، ومالك (2/458)، وأبو داود (2710)، والنسائي (1959)، وابن ماجه (2848) وغيرهم.

    ([2]) (978).

    ([3]) أخرجه البخاري (6047)، ومسلم (110).

    ([4]) أخرجه البخاري (5778)، ومسلم (109).

    ([5]) أخرجه البخاري (1343).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم