• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم لطم الخدود وضرب الرأس عند المصائب
  • رقم الفتوى: 4049
  • تاريخ الإضافة: 13 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    ما حكم شق الجيب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية عند موت الحبيب؟ وما في معناها من ضرب الرأس بالحائط وتكسير الأشياء ؟
  • الاجابة

    يحرم شق الجيب ولطم الخدود وما في معناهما مما يدل على التسخط وعدم الرضا بالمصاب، نحو ضرب الرأس وتكسير الأشياء ؛ ودليل ذلك قوله ﷺ: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» ([1]) ، وضرب الخدود هو اللطم، وأما شق الجيوب، فالجيب: ما يُدخل منه الرأس من الثوب، يسميه الناس عندنا في الشام (القَبّة، قبة القميص)، وكانت المرأة إذا أصابتها مصيبة أمسكت ثوبها بيديها من هذا الموضع وقطعته، وهذا محرَّم.

    ودعوى الجاهلية، كالدعاء بالويل والثبور والنياحة وغيرها من أنواع الدعاء التي نهى عنها النبي ﷺ، والويل هو العذاب، والثبور هو الهلاك، جاء في حديث عند ابن ماجة وابن حبان «أن رسول الله ﷺ لعن الخامشة وجهها - التي تخمش وجهها بأظفارها - والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور»([2]) ، وهو من رواية أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فهو حديث ضعيف([3]). والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال ابن هبيرة في الحديث المتقدم في الإفصاح (2/ 28): في هذا الحديث صريح النهي عن أن يبلغ الحزن إلى ضرب الخدود وشق الجيوب، أو أن ينتهي إلى دعوى الجاهلية من كونهم كانوا يذكرون الكلام الباطل الذي نسخه الإسلام، وليس في هذا ما يمنع البكاء وظهور الرقة على الإنسان عند فقد حبيبه أو أخيه المسلم. انتهى 

    وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (3/ 277): قال: لا ينحن، ولا يشققن، ولا يخمشن، ولا ينشرن شعراً، ولا يدعون ويلاً. وقد نسخ الله ذلك بشريعة الإسلام، وأمر بالاقتصاد فى الحزن والفرح، وترك الغلو فى ذلك، وحض على الصبر عند المصائب واحتساب أجرها على الله، وتفويض الأمور كلها إليه، فقال تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) [البقرة: 156] ، فحق على كل مسلم مؤمن علم سرعة الفناء ووشك الرحيل إلى دار البقاء ألا يحزن على فائت من الدنيا، وأن يستشعر الصبر والرضا، لينال هذه الدرجات الرفيعة من ربه، وهى الصلاة والرحمة والهدى، وفى واحد من هذه المنازل سعادة الأبد، وهبنا الله الصبر والرضا بالقضاء إنه كريم وهاب. انتهى

    وقال البسام في تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص288): 
    " .. دعوى الجاهلية: وذلك بالتفجع كل الميت والنياحة عليه بأنه قاتل النفوس وكهف العشيرة وكافل الأيتام.. إلى غير ذلك من المناقب التي كانوا يعددونها، ومثله الندبة كـ" ياسنداه " و " انقطاع ظهراه " وكل قول ينبيء عن السخط والجزع من قدر الله تعالى وحكمته.
    ضرب الخدود لطمها، وقد جاء بالجمع مناسبة لما بعده.
    الجيب: ما شق من الثوب لإدخال الرأس.
    المعنى الإجمالي:
    لله ما أخذ، وله ما أعطى وفي ذلك الحكمة التامة، والتصرف الرشيد.
    ومن عارض في هذا ومانعه فكأنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة وأساس العدل والصلاح.
    ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه من تسخطَ وجزع من قضاء الله فهو على غير طريقته المحمودة، وسنته المنشودة، إذ قد انحرفت به الطريق إلى ناحية الذين إذا مسهم الشر جزعوا وهلعوا، لأنهم متعلقون بهذه الحياة الدنيا فلا يرجون بصبرهم على مصيبتهم ثواب الله ورضوانه.
    فهو بريء ممن ضعف إيمانهم فلم يحتلوا وَقّعَ المصيبة حتى أخرجهم ذلك إلى التسخط القولى بالنياحة والندب، أو الفعلي، كنتف الشعور، وشق الجيوب، إحياءً لعادة الجاهلية.
    وإنما أولياؤه الذين إذا أصابتهم مصيبة سلَّموا بقضاء الله تعالى، ويقالوا: {إِنَّا لله وإِنا إليه رَاجعُونَ. أولئِكَ عَلَيهِم صَلَوات مِنْ رَبِّهِم وَرَحمَة وَأولئِكَ هُمُ المُهتدُونَ} .
    ما يؤخذ من الحديث:
    1- تحريم التسخط من أقدار الله المؤلمة، وإظهار ذلك بالنياحة أو الندب أو الحلق أو الشق أو غير ذلك كَحَثي التراب على الرأس.
    2- تحريم تقليد الجاهلية بأمورهم التي لم يقرهم الشارع عليها، ومن جملتها دعاويهم الباطلة عند المصائب.
    3- أن هذا الفعل وهذا القول من الكبائر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تَبَرَّأ ممن عمل ذلك، ولا يتبرأ إلا من فعل كبيرة.

    4- لا بأس من الحزن والبكاء، فهو لا ينافي الصبر على قضاء الله. وإنما هو رحمة جعلها الله في قلوب الأقارب والأحِبَّاء.
    والنبي صلى الله عليه وسلم حزن وذرفت عيناه وقال: لا نقول إلا ما يرضى الرب. وبعضهم استحب البكاء.
    وللعلماء والعارفين في هذا الباب، آراء يذهبون فيها حسبما تُوحِى إليهم نزعاتهم الدينية...انتهى المراد


    ([1]) أخرجه البخاري (1297)، ومسلم (103).

    ([2]) أخرجه ابن ماجه (1585)، وابن حبان في « صحيحه » (3146) .وعِلَّتُه أن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد وظنَّه ابن جابر، والحقيقة أن رواية أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد هي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الضعيف، لا عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وقد خفيت هذه العلة على بعض أهل العلم الأفاضل فحسّنوا الحديث، ولكن هذا الحديث ضعيف لهذه العلة. وقد نص علماء العلل عليها، انظرها في شرح العلل لابن رجب. 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم