• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: بناء القبر
  • رقم الفتوى: 4080
  • تاريخ الإضافة: 17 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    هل يجوز البناء على القبر؟ وهل يرفع عن الأرض أو يبسط على مستواها؟
  • الاجابة

    لا يجوز البناء على القبر، والسنة أن لا ترفع أكثر من شبر، ولا تجصص بجبس ونحوه كالرخام، بل تكون من تراب، ولا يزرع عليها، أما ما نراه اليوم من بناء عالٍ كالغرف والقبب، أو من زرع الأشجار والزهور عليها فيكون القبر كالحديقة؛  فليس أمراً مشروعاً البتة ولم يأمرنا به النبي ﷺ، بل البناء على القبور ورفعها محرم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأنه من أسباب الشرك، كما يحصل اليوم من الرافضة والصوفية، خالفوا النهي فوقعوا في المحذور.

    فإذا كانت القبور عالية فتجب إزالة البناء وتسويتها بالأرض إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم ؛ لحديث علي عند مسلم في « صحيحه »([1])، قال علي لأبي الهياج الأسدي «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ؟، قال بلى، قال: « ألّا تدع تمثالاً إلا طَمَسْتَهُ - وفي رواية: ولا صورةً إلا طمستها - ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّيْتَهُ » ، والشاهد قوله: « ولا قبراً مشرفاً إلا سويته »، أي لا تجد قبراً مرتفعاً عن الأرض إلا جعلته مستوياً بالأرض، ويرفع ترابه قدر شبر كما فعل بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، كي يعرف أنه قبر، انظر الفتوى رقم (4068 والله أعلم . هذه خلاصة الفتوى

    قال الترمذي في جامعه (1049): والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض.
    قال الشافعي: أكره أن يرفع القبر إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه. انتهى 

    وقال ابن هبيرة في الإفصاح(1/ 288) في حديث علي: وفيه أيضًا ما يدل على تسوية القبور، وأنه هو السنة، وإن كانت الشيعة قد اعتمدته، ولا نترك السنة لأجل اعتماد الشيعة ذلك. انتهى

    وقال النووي في شرح صحيح مسلم (7/ 36): (يأمر بتسويتها) وفي الرواية الأخرى: " ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" فيه أن السنة: أن القبر لا يرفع على الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها. وهو مذهب مالك. انتهى

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 376):  وإذا فرغ من اللحد أهال عليه التراب، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر؛ ليعلم أنه قبر، فيتوقى ويترحم على صاحبه. وروى الساجي، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع قبره عن الأرض قدر شبر. وروى القاسم بن محمد، قال: قلت لعائشة: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. رواه أبو داود... ولا يستحب رفع القبر إلا شيئاً يسيراً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي، - رضي الله عنه -: «لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته» رواه مسلم وغيره. والمشرف ما رفع كثيراً، بدليل قول القاسم في صفة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه: لا مشرفة، ولا لاطئة. انتهى مختصراً

    قال القرطبي في تفسير (10 / 379): وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة: فاتخاذ المساجد على القبور، والصلاة فيها، والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه؛ ممنوع لا يجوز؛ لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج. قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة، حديث ابن عباس حديث حسن.

    وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أولئك ذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة". لفظ مسلم.

    قال علماؤنا: وهذا يُحرِّم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد. وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" لفظ مسلم. أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام. فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وسَدَّ الذرائع المؤدية إلى ذلك، فقال:" اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد". وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال -وهو كذلك- :" لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا.

    وروى مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. وخرجه أبو داود والترمذي أيضاً عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

    وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته- في رواية- ولا صورة إلا طمستها. وأخرجه أبو داود والترمذي.

    قال علماؤنا: ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها، وأن تكون لاطئة.
    وقد قال به بعض أهل العلم.

    وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم، وذلك صفة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه رضي الله عنهما- على ما ذكر مالك في الموطأ- وقبر أبينا آدم صلى الله عليه وسلم، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس.

    وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً؛ فذلك يهدم ويزال؛ فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهاً بمن كان يعظم القبور ويعبدها.

    وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال: هو حرام.

    والتسنيم في القبر: ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير.

    ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح. وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر. وقال أبو حنيفة: لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط.

    ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة، لما رواه أبو بكر الأثرم قال: حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة، ذكره أبو عمر. انتهى

    وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 195): ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى القبور، وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم؛ رأى أحدهما مضاداً للآخر، مناقضاً له، بحيث لا يجتمعان أبداً.
    فنهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها.
    ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد، مضاهاة لبيوت الله تعالى.
    ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها.
    ونهى أن تتخذ أعياداً، وهؤلاء يتخذونها أعياداً ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.
    وأمر بتسويتها، كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى الهياج الأسدى قال: قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: "أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِى عليهِ رَسُولُ صلّى اللهُ تَعالَى عَليْهِ وآله وَسلّم أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلا طَمَسْتَهُ، وَلا قَبْرًا مُشْرِفاً إِلا سَوَّيْتَهُ".
    وفى صحيحه أيضاً عن ثمامة بن شُفَى قال: "كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس. فتوفى صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوى، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يأمر بتسويتها، وهؤلاء يبالغون فى مخالفة هذين الحديثين. ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب".
    ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه، كما روى مسلم فى صحيحه عن جابر قال: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلم عَنْ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءٌ".
    ونهى عن الكتابة عليها، كما روى أبو داود والترمذى فى سننهما عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "نَهَى أنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا".
    قال الترمذى: حديث حسن صحيح. وهؤلاء يتخذون عليها الألواح، ويكتبون عليها القرآن وغيره.
    ونهى أن يزاد عليها غير ترابها، كما روى أبو داود من حديث جابر أيضاً: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "نهى أن يجصص القبر، أو يكتب عليه، أو يزاد عليه" وهؤلاء لا يزيدون عليه سوى التراب الآجر والأحجار والجص.
    ونهى عمر بن عبد العزيز أن يبنى القبر بأجر، وأوصى أن لا يفعل ذلك بقبره.
    وأوصى الأسود بن يزيد: "أن لا تجعلوا على قبرى آجرا".
    وقال إبراهيم النخعى: "كانوا يكرهون الأجر على قبورهم".
    وأوصى أبو هريرة حين حضرته الوفاة: "أن لا تضربوا على قبرى فسطاطاً".
    وكره الإمام أحمد أن يضرب على القبر فسطاطاً.
    والمقصود: أن هؤلاء المعظمين للقبور، المتخذينها أعياداً، الموقدين عليها السرج، الذين يبنون عليها المساجد والقباب. مناقضون لما أمر به رسول الله صلى الله تعالى عليها وسلم، محادون لما جاء به. وأعظم ذلك اتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها. وهو من الكبائر. وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه.
    قال أبو محمد المقدسى: "ولو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن النبى صلى الله تعالى عليه من فعله. ولأن فيه تضييعا للمال فى غير فائدة، وإفراطاً فى تعظيم القبور، أشبه تعظيم الأصنام". قال: "ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر. ولأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا" متفق عليه. وقالت عائشة: "إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لئلا يتخذ مسجداً" لأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها. وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم، والتمسح بها، والصلاة عندها". انتهى.
    وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً، ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم فى ذلك كتاباً وسماه "مناسك حج المشاهد" مضاهاه منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول فى دين عباد الأصنام.
    فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقصده من النهى عما تقدم ذكره فى القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه. ولا ريب أن فى ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره. انتهى 

    وقال ابن تيمية : وفي صحيح مسلم: عن أبي هياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته. فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب، وأرسل علي في خلافته من يفعل مثل ما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسوي القبور المشرفة ويطمس التماثيل، فإن هذه وهذه من أسباب الشرك وعبادة الأوثان. قال الله تعالى: {لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا - وقد أضلوا كثيرا} [سورة نوح: 23، 24] . قال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا وعكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم من دون الله.
    فالمشاهد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين من العامة ومن أهل البيت كلها من البدع المحدثة المحرمة في دين الإسلام، وإنما أمر الله أن يقصد لعبادته وحده لا شريك له المساجد لا المشاهد. انتهى منهاج السنة (2/ 437)


    ([1]) برقم (969).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم