• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: مشروعية زيارة للقبر للرجال والنساء
  • رقم الفتوى: 4124
  • تاريخ الإضافة: 18 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    هل الرجال والنساء سواء في مشروعية زيارة القبور؟
  • الاجابة

    اختلف أهل العلم في زيارة المرأة للقبور هل هي جائزة أم لا؟ والصحيح أنها جائزة، بشرط عدم الإكثار، وأن لايظهر منها ما يخالف شرع الله من لطم الخدود، وشق الجيوب، أو غير ذلك من المحظورات.

    و سبب الخلاف في جوازه للمرأة، ورود أحاديث تدل على التحريم، مثل قوله ﷺ: «لعن الله زائرات القبور»([1]) ، وجاءت أحاديث أخرى دلت على الجواز، وهو أن النبي ﷺ مرَّ بامرأة جالسة عند قبر وتبكي، فقال لها: « اتقي الله واصبري»([2])، ولم ينهها عن زيارة القبر.

    وعن عبد الله بن أبي مليكة، أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، «كان قد نهى، ثم أمر بزيارتها»([3]).

    فالنسخ يشمل الرجال والنساء، واللعن واقع على المكثرة.

    فالراجح أن الكثرة هي المحرمة لا أصل الزيارة.

    فالصحيح أن زيارة القبور جائزة للنساء بشرط أن لا يحصل منهن مخالفة لشرع الله، هذا أولاً.

    أما الأمر الثاني، أن لا تكون هذه الزيارة بشكل متكرر كثير؛ لأن الصحيح في الحديث الذي ذكروه واستدلوا به على التحريم لفظة «زوّارات» في قوله ﷺ: «لعن الله زوارات القبور»([4]) ، وزوارات هذه تفيد الكثرة ، أي كثرة الزيارة.

    فيكون النهي المطلق منسوخ، والمُحَرَّمُ الكثرة لا أصل الزيارة. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال الترمذي في جامعه (1056): وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء.
    وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن. انتهى 

    قال إسحاق بن منصور للإمام أحمد: قلت: زيارة القبور؟ قال: لا بأس بها.
    قال إسحاق: كما قال، والنساء والرجال في ذلك سواء إلا أن يتخذن النساء من ذلك ما يكره لهن: المساجد والسرج.
    "مسائل الكوسج" (823)

    قال ابن تيمية: " أما زيارة القبور فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان قد نهى عنها نهياً عاماً، ثم أذن في ذلك، فقال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنت في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" .

    وهنا مسألتان: إحداهما: متفق عليها، والأخرى: متنازع فيها.

    فأما الأولى: فإن الزيارة تنقسم إلى قسمين: زيارة شرعية وزيارة بدعية...." إلى أن قال: 

    "وأما المسألة المتنازع فيها: فالزيارة المأذون فيها: هل فيها إذن للنساء، ونسخ للنهي في حقهن؟ أو لم يأذن فيها، بل هن منهيات عنها؟ وهل النهي نهي تحريم أو تنزيه؟

    في ذلك للعلماء ثلاثة أقوال معروفة([5])، والثلاثة أقوال في مذهب الشافعي وأحمد أيضاً وغيرهما، وقد حكي في ذلك ثلاث روايات عن أحمد، وهو نظير تنازعهم في تشييع النساء للجنائز، وإن كان فيهم من يرخص في الزيارة دون التشييع كما اختار ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم. انتهى المراد 

    وقال الشنقيطي في أضواء البيان (9/ 78): قد بحث بعض العلماء مسألة زيارة القبور هنا لحديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة» .
    وقالوا: إن المنع كان عاماً من أجل ذكر مآثر الآباء والموتى، ثم بعد ذلك رخص في الزيارة، واختلفوا فيمن رخص له. فقيل: للرجال دون النساء لعدم دخولهن في واو الجماعة في قوله: «فزوروها» .
    وقيل: هو عام للرجال وللنساء، واستدل كل فريق بأدلة يطول إيرادها.
    ولكن على سبيل الإجمال لبيان الأرجح، نورد نبذة من البحث.
    فقال المانعون للنساء: إنهن على أصل المنع، ولم تشملهن الرخصة، ومجيء اللعن بالزيارة فيهن.
    وقال المجيزون: إنهن يدخلن ضمناً في خطاب الرجال، كدخولهن في مثل قوله: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، فإنهن يدخلن قطعاً.
    وقالوا: إن اللعن المنوه عنه جاء في الحديث بروايتين رواية: «لعن الله زائرات القبور» .
    وجاء: «لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن السرج» إلى آخره. فعلى صيغة المبالغة: زوارات لا تشمل مطلق الزيارة، وإنما تختص للمكثرات؛ لأنهن بالإكثار لا يسلمن من عادات الجاهلية من تعداد مآثر الموتى المحظور في أصل الآية.
    أما مجرد زيارة بدون إكثار ولا مكث، فلا.
    واستدلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها لما ذكر لها صلى الله عليه وسلم، السلام على أهل البقيع، فقالت: «وماذا أقول يا رسول الله إن أنا زرت القبور؟ قال: قولي: السلام عليكم آل دار قوم مؤمنين» الحديث.
    فأقرها صلى الله عليه وسلم، على أنها تزور القبور وعلمها ماذا تقول إن هي زارت.
    وكذلك بقصة مروره على المرأة التي تبكي عند القبر فكلمها، فقالت: إليك عني، وهي لا تعلم من هو، فلما ذهب عنها قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءت تعتذر فقال لها: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» .
    ولم يذكر لها المنع من زيارة القبور، مع أنه رآها تبكي.
    وهذه أدلة صريحة في السماح بالزيارة. ومن ناحية المعنى، فإن النتيجة من الزيارة للرجال من في حاجة إليها كذلك، وهي كون زيارة القبور تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة.
    وليست هذه بخاصة في الرجال دون النساء، بل قد يكن أحوج إليه من الرجال.
    وعلى كل، فإن الراجح من هذه النصوص - والله تعالى أعلم- هو الجواز لمن لم يكثرن ولا يتكلمن بما لا يليق، مما كان سبباً للمنع الأول، والعلم عند الله تعالى. انتهى

    قال في تحفة الأحوذي (4/ 136): قال القارىء: لعل المراد كثيرات الزيارة.
    وقال القرطبي: هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء. انتهى
    قال الشوكاني في النيل: وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر. انتهى

    وقال: قوله: فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء؛ قال الحافظ ابن حجر: وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة. انتهى

    وانظر المغني لابن قدامة (2/ 424).


    ([1]) أخرجه أحمد (3/471)، وأبو داود (3236)، والترمذي (2043) عن ابن عباس رضي الله عنه.

    و في سنده أبو صالح، قال الإمام أحمد في « العلل » لابنه (5435) : « أبو صالح باذام». انتهى. قلت : هو ضعيف.

    ([2]) أخرجه البخاري (1252)، ومسلم (926).

    ([]) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 532)، وغيره.

    ([4]) أخرجه أحمد (14/ 164)، والترمذي (1056)، وابن ماجه (1576) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وله شاهد من حديث حسان بن ثابت يتقوّى به.

    ([5]) قال ابن القيم في تهذيب السنن (9/ 42): وقد اختلف في زيارة النساء للمقابر على ثلاثة أقوال:
    أحدها: التحريم..
    والثاني :يكره من غير تحريم، وهذا منصوص أحمد في إحدى الروايات عنه..
    والثالث: أنه مباح لهن غير مكروه، وهو الرواية الأخرى عن أحمد. انتهى باختصار وذكر أدلة كل قول. 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم