• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: بناء القبور في المساجد وبناء المسجد على القبر
  • رقم الفتوى: 4137
  • تاريخ الإضافة: 21 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    ما حكم دفن الموتى في المساجد والبناء على القبور كالمشاهد التي نراها داخل المسجد أو بناء المسجد على القبر ؟
  • الاجابة

    الأحاديث تدل تحريم ذلك، والتغليظ على فاعله وذمه جدا؛ لأنه يؤدي إلى عبادتها مع الله؛ كما يحصل اليوم من الرافضة والصوفية، منها قوله ﷺ: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»([1])، قالت عائشة – بعد أن روت هذا الحديث – «يحذِّر ما صنعوا»، أي احذروا من أن تتخذوا قبور أنبيائكم مساجد، وقال ﷺ: «أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله»([2]) .

    وقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم لا تجعل قبري وثناً»([3]) وفي «مسلم»: « لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ولا عليها »([4]) ، فهذا كله يدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد. انتهى هذه خلاصة الفتوى.

    قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 167): لهذا الحديث -والله أعلم - ورواية عمر بن عبد العزيز له؛ أمر في خلافته أن يجعل بنيان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محدداً بركن واحد؛ لئلا يُستقبل القبر فيصلى إليه... عن عائشة أن نساء النبي عليه السلام تذاكرن في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرن من حسنها وتصاويرها، وكانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور؛ فأولئك شرار الخلق عند الله". قال أبو عمر-ابن عبد البر-: هذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد..انتهى باختصار.

    وقال (5/ 45): الوثن الصنم، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن؛ صنماً كان أو غير صنم، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم؛ كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تجعل قبري وثناً يصلى إليه ويسجد نحوه ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم واتخذوها قبلة ومسجداً، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه، خشية عليهم امتثال طرقهم، وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعبير والتوبيخ: "لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو النعل بالنعل، حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه. انتهى 

    وقال القرطبي المالكي في تفسيره (2/ 57): "التمسك بسد الذرائع وحمايتها، وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد ابن حنبل في رواية عنه، وقد دل على هذا الأصل الكتاب والسنة. والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع. أما الكتاب فهذه الآية..." إلى أن قال: " وأما السنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة، منها حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهن ذكرتا كنيسة رأياها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ". أخرجه البخاري ومسلم. قال علماؤنا: ففعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم إنهم خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصورة فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"، وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد". وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه..." الحديث، فمنع من الإقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وذلك سداً للذريعة. انتهى

    وقال (10 / 379): وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة، فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز، لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن. وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة". لفظ مسلم. قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد. وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" لفظ مسلم. أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام. فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال:" اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد". وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك:" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا .

    وروى مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه. وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك «4» على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته- في رواية- ولا صورة إلا طمستها. وأخرجه أبو داود والترمذي. قال علماؤنا: ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة»
    . وقد قال به بعض أهل العلم. وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم، وذلك صفة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما- على ما ذكر مالك في الموطإ- وقبر أبينا آدم صلى الله عليه وسلم، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس. وأما ثعلبة البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما؛ فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها. وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال: هو حرام.  انتهى

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 379): ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور؛ لقول النبي: - صلى الله عليه وسلم - «لعن الله زوارات القبور، المتخذات عليهن المساجد والسرج» رواه أبو داود، والنسائي، ولفظه: لعن رسول الله. - صلى الله عليه وسلم -
    ولو أبيح لم يلعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله، ولأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، وإفراطاً في تعظيم القبور، أشبه تعظيم الأصنام ، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر مثل ما صنعوا. متفق عليه.
    وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا يتخذ مسجدا، ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها، والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات، باتخاذ صورهم، ومسحها، والصلاة عندها. انتهى

    وقال ابن باز رحمه الله : وسئلت هل يجوز أن يبنى على موضع أهل الكهف مسجد؟
    فأجبت قائلا:
    بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
    فقد اطلعت على ما نشر في العدد الثالث من مجلة رابطة العلوم الإسلامية في باب (أخبار المسلمين في شهر) .
    إن رابطة العلوم الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية تنوي إشادة مسجد على الكهف الذي اكتشف حديثا في قرية الرحيب وهو الكهف الذي يقال إن أهل الكهف الوارد ذكرهم في القرآن الكريم رقدوا فيه، انتهى. ولواجب النصح لله ولعباده رأيت أن أوجه كلمة في المجلة نفسها لرابطة العلوم الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية مضمونها نصيحة الرابطة عن تنفيذ ما نوته من إشادة مسجد على الكهف المذكور، وما ذاك إلا لأن إشادة المساجد على قبور الأنبياء والصالحين وآثارهم مما جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بالمنع منه والتحذير عنه ولعن من فعله؛ لكونه من وسائل الشرك والغلو في الأنبياء والصالحين، والواقع شاهد بصحة ما جاءت به الشريعة، ودليل على أنها من عند الله عز وجل، وبرهان ساطع وحجة قاطعة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله وبلغه الأمة، وكل من تأمل أحوال العالم الإسلامي وما حصل فيه من الشرك والغلو بسبب إشادة المساجد على الأضرحة وتعظيمها وفرشها وتجميلها واتخاذ السدنة لها علم يقينا أنها من وسائل الشرك، وأن من محاسن الشريعة الإسلامية المنع منها والتحذير من إشادتها،
    ومما ورد في ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت عائشة يحذر ما صنعوا، قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا، وفي الصحيحين أيضا «أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال صلى الله عليه وسلم: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله»
    وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد نص الأئمة من علماء المسلمين من جميع المذاهب الأربعة وغيرهم على النهي عن اتخاذ المساجد على القبور وحذروا من ذلك. عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصحا للأمة وتحذيرا لها أن تقع فيما وقع فيه من قبلها من غلاة اليهود والنصارى وأشباههم من ضلال هذه الأمة.
    فالواجب على رابطة العلوم الإسلامية في الأردن وعلى غيرها من المسلمين أن تأخذ بالسنة، وتسير على نهج الأئمة، وأن تحذر مما حذر الله منه ورسوله، وفي ذلك صلاح العباد وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة وقد تعلق بعض الناس في هذا الباب بقوله عز وجل في قصة أهل الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}
    والجواب عن ذلك أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى أخبر عن الرؤساء وأهل السيطرة في ذلك الزمان أنهم قالوا هذه المقالة، وليس ذلك على سبيل الرضا والتقرير لهم وإنما هو على سبيل الذم والعيب والتنفير من صنيعهم، ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزلت عليه هذه الآية وهو أعلم الناس بتأويلها قد نهى أمته عن اتخاذ المساجد على القبور، وحذرهم من ذلك ولعن وذم من فعله،
    ولو كان ذلك جائزا لما شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك التشديد العظيم وبالغ في ذلك حتى لعن من فعله، وأخبر أنه من شرار الخلق عند الله عز وجل، وهذا فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولو فرضنا أن اتخاذ المساجد على القبور جائز لمن قبلنا لم يجز لنا التأسي بهم في ذلك؛ لأن شريعتنا ناسخة للشرائع قبلها ورسولنا عليه الصلاة والسلام هو خاتم الرسل وشريعته كاملة عامة وقد نهانا عن اتخاذ المساجد على القبور، فلم تجز لنا مخالفته، ووجب علينا اتباعه والتمسك بما جاء به وترك ما خالف ذلك من الشرائع القديمة، والعادات المستحسنة عند من فعلها؛ لأنه لا أكمل من شرع الله ولا هدي أحسن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للثبات على دينه والتمسك بشريعة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأعمال، والظاهر والباطن، وفي سائر الشئون حتى نلقى الله عز وجل، إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. انتهى مجموع الفتاوى (1/ 433).

    وأنصح بقراءة كتاب: "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" للألباني رحمه الله.


    ([1]) أخرجه البخاري (435)، ومسلم (531).

    ([2]) أخرجه البخاري (427)، ومسلم (528).

    ([3]) أخرجه أحمد (12/314)، والحميدي في «مسنده» (1055).

    ([4]) برقم (972).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم