• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: زخرفة القبور وإضاءتها
  • رقم الفتوى: 4173
  • تاريخ الإضافة: 22 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    ما حكم زخرفة القبور وتزيينها وإضاءتها ؟
  • الاجابة

    تحرم زخرفة القبور ويحرم تزيينها؛ لأن النبي ﷺ نهى عن البناء عليها وتجصيصها، قال جابر بن عبد الله: «نهى رسول الله ﷺ أن يُجَصَّصَ القبرُ وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» ([1]) ، و «التجصيص»، هو التبييض، أي استعمال الجص - وهو الجبس - في تبييض القبور.

    فهذا يدل على تحريم تزيين وزخرفة القبور. وكل هذا سداً لذريعة الغلو في القبور؛ لأن أصل الشرك بالله كان سببه الغلو في الصالحين ، ومجاوزة الحد فيهم، وذلك أنَّ ابن عباس رضي الله عنه قال: «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما وّدًّ كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواعَ كانت لهذيل، وأما يَغوثَ فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نّسْر فكانت لحِمْيَر لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبِدَت » ([2]).

    أي كان قوم نوح على التوحيد، وكان فيهم رجال صالحون، فلما ماتوا جاءهم الشيطان وقال لهم صوروا لهم صوراً تتذكرونهم بها وتعبدون الله كعبادتهم فصوروا لهم صوراً وجعلوها في ناديهم، فلما مات هؤلاء القوم ونُسي العلم – وهذه مسألة مهمة جداً - فلما لم يعد بينهم علماء يبينون لهم الحق من الباطل، جاءهم الشيطان وقال لهم بأن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فوقع الشرك في الناس.

    ثم أرسل الله تبارك وتعالى نوحاً لهؤلاء القوم كي يردهم إلى التوحيد بعد أن حصل فيهم الشرك.

    ثم أعادوا الكرة من جديد، واتخذ الناس كثيراً من القبور - في زماننا هذا - آلهة تعبد مع الله تبارك وتعالى، تجدهم يطوفون حول القبر، يذبحون لصاحب القبر، يتضرعون له وكأنهم يدعون الله، بل لعلهم لا يخلصون في أدعيتهم لهم كإخلاصهم لله أو أشد، فيعبدون القبر كأنهم يعبدون الله تماماً، وهذا هو الشرك بعينه، وهذا الذي كان النبي ﷺ يحذِّر منه فقال: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد »([3]) ، فكان يخشى ﷺ من هذا الشيء.

    فلابد من الحذر من هذا الأمر، فكل هذه الأوامر والنواهي التي جاءت عن النبي ﷺ في القبور، خشية أن يقع الناس في الغلو ومجاوزة الحد فيها، ومع ذلك فلا يمنع ذلك من احترامها وتقديرها وإعطائها حقها كما سيأتي.

    وأما إضاءة القبور وتسريجها فلا تجوز، يعني إضاءة السُرُجِ، جمع سراج وهو المصباح، سواء كان بطرق الإضاءة التي كانت عندهم قديماً كالفوانيس وغيرها أو بالطرق الموجودة عندنا اليوم؛ لا تجوز على القبر، بناءً على حديث عند أبي داود([4]) ، وهو ضعيف، لكن النهي ثابت للمعنى المراد بأدلة أخرى عامة. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 440): مذهب مالك كراهية البناء والجص على القبور، وأجازه المخالف، وهذا الحديث حجة عليه. انتهى

    وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 104): (أن يجصص القبر) في رواية لمسلم " عن تقصيص القبور " والتقصيص بالقاف وصادين مهملتين هو التجصيص. والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة: هي الجص، وفيه تحريم تجصيص القبور. انتهى 

    وقال أنور شاه الكشميري في العرف الشذي (2/ 340): لا يجوز التجصيص عند أحد ولا البناء، وأما ما ذكر الشيخ الدهلوي في المدارج جوازه عن بعض مشائخنا أي محمد بن سلمة فينبغي أن تراجع عبارة ابن سلمة مشافهة. انتهى 

    وقال ابن قدامة تعليقاً على عدم جواز اتخاذ السُّرُجِ على القبور: «لأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، وإفراطاً في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام» انتهى([5]).

     وقال ابن الملك الحنفي في شرح المصابيح (1/ 447):"والسرج": جمع سراج، وهو المصباح، وإنما حرم اتخاذ السرج عليها؛ لأنها من آثار جهنم، وفيه تضييع المال بلا نفع، وللاحتراز عن تعظيم القبور، كالنهي عن اتخاذها مساجد. انتهى. 

    وقال أبو الحسن عبيد الله المباركفوري الهندي في مرعاة المفاتيح (2/ 453): (والسرج) بضمتين جمع سراج بكسر أوله، وهو المصباح أي: لما فيه من تضييع بلا نفع، ويشبه تعظيم القبور كاتخاذها مساجد، وفيه رد صريح على القبوريين الذين يبنون القباب على القبور، ويسجدون إليها، ويسرجون عليها، ويضعون الزهور والرياحين عليها تكريما وتعظيما لأصحابها" . انتهى 

    فهي محرمة لهذه المعاني المذكورة. والله أعلم 


    ([1]) أخرجه مسلم (970).

    ([2]) أخرجه البخاري (4920).

    ([3]) تقدم تخريجه.

    ([4]) في «سننه»برقم (3236) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»، وقد تقدّم تخريجه وبيان علّته.

    ([5]) « المغني» (2/ 379).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم