• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: سب الأموات
  • رقم الفتوى: 4175
  • تاريخ الإضافة: 25 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    ما حكم سب الأموات وانتقاصهم ؟ وهل يباح إذا كان هنالك مصلحة شرعية؛ كأن يكون الميت صاحب بدعة وضلالة ؟
  • الاجابة

    لا يجوز سب الأموات؛ لقول النبي ﷺ: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»([1]) ، أي وصلوا إلى ما قدموه من خير أو شر، وقال ﷺ: «لا تذكروا هلكاكم إلا بخير»([2]) ، وقال ﷺ: «لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء»([3]).

    وأما ذكر الميت بسوء لمصلحة شرعية معتبرة فجائز ، ودليل ذلك ما جاء عن أبي هريرة، أنه قال: مُرّ على النبي ﷺ بجنازة، فأثني عليها خيراً في مناقب الخير، فقال: «وجبت» ثم مروا عليه بأخرى، فأثني عليها شراً في مناقب الشر، فقال: «وجبت، إنكم شهداء الله في الأرض»([4]).

    الشاهد قوله «فذكروها بشر»، والذي ذُكِرَ بالشر ميت، ومع ذلك أقرهم النبي ﷺ فقال: « وجبت، إنكم شهداء الله في الأرض » ، فإذا وجدت مصلحة شرعية معتبرة فلا بأس، فلو قال أهل الحديث مثلاً: هذا الحديث ضعيف في سنده فلان كذاب، هالك...إلخ، جاز، هذا غير داخل في النهي؛ لأن هذا إنما ذكر لأجل حفظ الشريعة، لحفظ دين الله سبحانه وتعالى وتمييز الحديث الصحيح من الحديث الضعيف ، كذلك الكلام في أهل البدع والضلال الذين انحرفوا عن الجادَّة، لابد من بيان ما عندهم من أخطاء كي يحذر الناس من الوقوع في هذه البدع والضلالات والأخطاء. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال ابن حزم في المحلى (3/ 383): ولا يحل سب الأموات على القصد بالأذى، وأما تحذير من كفر أو بدعة أو من عمل فاسد؛ فمباح، ولعن الكفار: مباح؛ لما روينا من طريق البخاري: عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» .
    وقد سب الله تعالى: أبا لهب، وفرعون؛ تحذيرا من كفرهما
    وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} [المائدة: 78]
    وقال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] وأخبر - عليه السلام - «أن الشملة التي غلها مدعم تشتعل عليه ناراً» ، وذلك بعد موته. انتهى باختصار الإسناد.

    وقال النووي في الأذكار (ص166): قلت: قال العلماء: يَحرم سبُّ الميت المسلمَ الذي ليس معلناً بفسقه.
    وأما الكافرُ، والمُعلِنُ بفسقه من المسلمين، ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة، وحاصلُه: أنه ثبت في النهي عن سبّ الأموات ما ذكرناهُ في هذا الباب.
    وجاء في الترخيص في سبّ الأشرار أشياء كثيرة، منها: ما قصَّه الله علينا في كتابه العزيز، وأمرنا بتلاوته، وإشاعة قراءته، ومنها: أحاديثُ كثيرة في الصحيح".

    وذكر بعضها، ثم قال: " واختلف العلماءُ في الجمع بين هذه النصوص على أقوال: أصحُّها وأظهرُها: أن أمواتَ الكفار يجوز ذكر مساويهم، وأما أمواتُ المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما، فيجوز ذكرُهم بذلك إذا كان فيه مصلحة، لحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه، والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة لم يجزْ، وعلى هذا التفصيل تُنَزَّلُ هذه النصوص، وقد أجمعَ العلماءُ على جرح المجروح من الرواة، والله أعلم". انتهى

    وقال في رياض الصالحين (ص444): باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية، وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته وفسقه، ونحو ذلك. انتهى

    فقال ابن عثيمين في شرحه عليه (6/ 230): قال المؤلف رحمه الله في كتاب (رياض الصالحين) : باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية.
    الأموات يعني الأموات من المسلمين، أما الكافر فلا حرمة له إلا إذا كان في سبه إيذاء للأحياء من أقاربه فلا يسب، وأما إذا لم يكن هناك ضرر فإنه لا حرمة له، وهذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله: "بغير حق"؛ لأننا لنا الحق أن نسب الأموات الكافرين الذين آذوا المسلمين وقاتلوهم ويحاولون أن يفسدوا عليهم دينهم.
    "أو مصلحة شرعية" مثل أن يكون هذا الميت صاحب بدعة ينشرها بين الناس، فهنا من المصلحة أن نسبه ونحذر منه ومن طريقته؛ لئلا يغتر الناس به. ثم استدل على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الأموات" والأصل في النهي التحريم فلا نسب الأموات، ثم علل وقال: "فإنهم أفضوا إلى ما قدموا" وسبكم إياهم لا يغني شيئاً؛ لأنهم أفضوا إلى ما قدموا حين انتقلوا إلى دار الجزاء من دار العمل، فكل من مات فإنه أفضى إلى ما قدم، والتحق بدار الجزاء، وقامت قيامته، أفضى وانقطع عمله ولم يبق له حظ من العمل إطلاقاً، إلا ما دلت السنة عليه مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحفظ لسانه عما لا فائدة منه؛ فإن هذا طريق أهل التقى، فإن عباد الرحمن إذا مروا باللغو مروا كراماً.
    وأما الزور فلا يشهدونه إطلاقاً، ولا يتكلمون إلا بالحق. والله الموفق. انتهى 

    وقال ابن حجر في فتح الباري (3/ 259): وقال: قوله "أفضوا" أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، واستدل به على منع سب الأموات مطلقاً، وقد تقدم أن عمومه مخصوص، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً. انتهى 


    ([1]) أخرجه البخاري (1393) من حديث عائشة رضي الله عنها.

    ([2]) أخرجه النسائي (1935)، وأبو داود الطيالسي (1597)، وعبد الرزاق في « مصنفه » (6042)، وابن أبي شيبة في « مصنفه » (3/ 46)، وغيرهم.

    ([3]) أخرجه أحمد (30/150)، والترمذي (1982) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

    ([4]) أخرجه البخاري (1367)، ومسلم (949).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم