• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: على من تجب الزكاة من المسلمين
  • رقم الفتوى: 4224
  • تاريخ الإضافة: 29 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    هل تجب الزكاة على الصبي الذي لم يبلغ والمجنون؟ وهل في المسألة خلاف؟
  • الاجابة

    الصحيح أن الزكاة واجبة في مال المسلم الحرّ، سواء كان صغيراً أو كبيراً، مجنوناً أو عاقلاً؛ فإنها متعلّقة بالمال؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {خذ من أموالهم صدقة} فالمدار على المال، ولم يفرِّق بين مال ومال سواء كان لكبير أو صغير مجنون أو عاقل، فكلُّه تجب فيه الزكاة ، وقال ﷺ في حديث معاذ: «أعْلِمْهُم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم»([1]) فالزكاة متعلّقة بالمال بغض النظر عن حال المالك ، وهذا القول هو قول الصحابة رضي الله عنهم، عمر وعلي وابن عمر وعائشة وغيرهم، فإنهم يوجبون الزكاة في مال الصغير اليتيم وغيره، بناء على أن الزكاة تجب في المال.

    والخلاف حاصل في كون الزكاة واجبة في مال غير المكلف كالصغير والمجنون، فبعض العلماء جعلها من العبادات المحضة، فقال: إن الصغير والمجنون ليسا من أهل العبادة كالصلاة ، وأما البعض الآخر فجعل الزكاة من حق المال، أي، أنها واجبة في المال لأهل الزكاة، فقال: لا يشترط البلوغ والعقل؛ لأنها حكم رتب على وجود سببه وهو بلوغ النصاب، فجعلوا الزكاة كقيم المتلفات، فلو أن صبيّاً كسر زجاج سيارة وجب تصليح الزجاج من مال الصبي، وإن لم يكن الصبي مكلّفاً وهو الصحيح. الله أعلم هذه خلاصة الفتوى

    قال الإمام الشافعي رحمه الله: وفي قول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} [التوبة: 103] أن كل مالك تامَّ الملك من حر له مال؛ فيه زكاة، سواء في أن عليه فرض الزكاة، بالغاً كان أو صحيحاً، أو معتوهاً أو صبياً؛ لأن كلاً مالك ما يملك صاحبه، وكذلك يجب في ملكه ما يجب في ملك صاحبه، وكان مستغنياً بما وصفت من أن على الصبي والمعتوه الزكاة عن الأحاديث؛ كما يلزم الصبي والمعتوه نفقة من تلزم الصحيح البالغ نفقته، ويكون في أموالهما جنايتهما على أموال الناس، كما يكون في مال البالغ العاقل، وكل هذا حق لغيرهم في أموالهم، فكذلك الزكاة. والله أعلم، وسواء كل مال اليتيم من ناض وماشية وزرع وغيره، فما وجب على الكبير البالغ فيه الزكاة وجب على الصغير فيه الزكاة، والمعتوه وكل حر مسلم، وسواء في ذلك الذكر والأنثى. انتهى من كتابه الأم (2/ 30)

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 464): قال: (والصدقة لا تجب إلا على أحرار المسلمين) وفي بعض النسخ: ( إلا على الأحرار المسلمين ). ومعناهما واحد، وهو أن الزكاة لا تجب إلا على حر مسلم تام الملك، وهو قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم فيه خلافاً إلا عن عطاء وأبي ثور، فإنهما قالا: على العبد زكاة ماله. ولنا: أن العبد ليس بتام الملك، فلم تلزمه زكاة، كالمكاتب.
    فأما الكافر فلا خلاف في أنه لا زكاة عليه، ومتى صار أحد هؤلاء من أهل الزكاة، وهو مالك للنصاب، استقبل به حولاً ثم زكاه، فأما الحر المسلم إذا ملك نصاباً خالياً عن دين، فعليه الزكاة عند تمام حوله، سواء كان كبيراً أو صغيراً، أو عاقلاً أو مجنوناً.

    مسألة: قال: (والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما) وجملة ذلك أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون؛ لوجود الشرائط الثلاث فيهما، روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر - رضي الله عنهم -. وبه قال جابر بن زيد وابن سيرين وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري وابن عيينة وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور.

    ويحكى عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة، ولا تخرج حتى يبلغ الصبي، ويفيق المعتوه. قال ابن مسعود: أحصي ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإن شاء زكى، وإن شاء لم يزك. وروي نحو هذا عن إبراهيم.

    وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة: لا تجب الزكاة في أموالهما. وقال أبو حنيفة: يجب العشر في زروعهما وثمرتهما، وتجب صدقة الفطر عليهما.

    واحتج في نفي الزكاة بقوله - عليه السلام -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق» وبأنها عبادة محضة؛ فلا تجب عليهما، كالصلاة والحج. ولنا: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من ولي يتيماً له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة» أخرجه الدارقطني. وفي رواته المثنى بن الصباح، وفيه مقال، وروي موقوفاً على عمر: " وإنما تأكله الصدقة بإخراجها ".
    وإنما يجوز إخراجها إذا كانت واجبة؛ لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم، ولأن من وجب العشر في زرعه؛ وجب ربع العشر في ورقه، كالبالغ العاقل، ويخالف الصلاة والصوم، فإنها مختصة بالبدن، وبنية الصبي ضعيفة عنها، والمجنون لا يتحقق منه نيتها، والزكاة حق يتعلق بالمال، فأشبه نفقة الأقارب والزوجات، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات، والحديث أريد به رفع الإثم والعبادات البدنية، بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية، ثم هو مخصوص بما ذكرناه، والزكاة في المال في معناه، فنقيسها عليه.
    إذا تقرر هذا، فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما؛ لأنها زكاة واجبة، فوجب إخراجها، كزكاة البالغ العاقل، والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه؛ ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون، فكان على الولي أداؤه عنهما، كنفقة أقاربه، وتعتبر نية الولي في الإخراج، كما تعتبر النية من رب المال. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 22): وعلى هذا فتجب الزكاة في مال الصبي وفي مال المجنون، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم.
    وسبب الخلاف أن بعض العلماء جعلها من العبادات المحضة فقال: إن الصغير والمجنون ليسا من أهل العبادة كالصلاة، فإذا كانت الصلاة لا تجب على المجنون والصغير، فالزكاة من باب أولى.
    وبعض العلماء جعل الزكاة من حق المال، أي: أنها واجبة في المال لأهل الزكاة، فقال: إنه لا يشترط البلوغ والعقل؛ لأن هذا حكم رتب على وجود شرط وهو بلوغ النصاب، فإذا وجد وجبت الزكاة، ولا يشترط في ذلك التكليف فتجب في مال الصبي ومال المجنون.
    وهذا القول أصح، ودليل ذلك ما يلي:
    1 ـ قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]. فالمدار على المال لا على المتمول. فإن قال قائل: قوله تعالى: {تطهرهم وتزكيهم بها} هذا في حق المكلفين؛ لأن التطهير والتزكية يكون من الذنوب؟
    فيقال: هذا بناء على الأغلب؛ فالزكاة تجب غالباً في أموال المكلفين فيحتاجون إلى تطهير، على أن الصبي ـ ولا سيما المميز ـ يحتاج لتطهير، لما قد يحصل منه إخلال بالآداب، فإن أخذ الزكاة منه مطهر له ومنم لإيمانه وأخلاقه الفاضلة.
    2 ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم» فجعل محل الزكاة المال.
    3 ـ ولأن الزكاة حق الآدمي، فاستوى في وجوب أدائه المكلف وغير المكلف، كما لو أتلف الصغير مال إنسان فإننا نلزمه بضمانه مع أنه غير مكلف.
    وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وخالف أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ في هذا.
    فإذا قال قائل: إذا أوجبنا الزكاة في مال الصبي والمجنون فهذا يؤدي إلى نقصه، وقد قال الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152، الإسراء: 34].
    فالجواب: هذا النقص هو في الحقيقة كمال وزيادة؛ لأن الزكاة تطهر وتنمي المال فهي وإن نقصته حسا، لكنها كمال وزيادة معنى، فالزكاة من قربانه بالتي هي أحسن. ثم إنه منقوض بوجوب النفقة عليهما فلو كان للمجنون ـ مثلا ـ أولاد وزوجة وأب لوجبت النفقة لهم في ماله مع أنها تنقصه.
    فإن قال قائل: إذا قلتم: إن الزكاة من الأحسن فالصدقة أيضا من الأحسن، فهل تجيزون أن يتصدق بمال اليتيم والمجنون؟
    فالجواب: لا؛ لأن الصدقة محض تبرع لا تنشغل الذمة بتركها، والزكاة فريضة تنشغل الذمة بتركها.
    ولهذا لو غلت مواد الإنفاق، وصار ثوب الكتان قيمته (100) ريال والثوب من الخيش قيمته (10) ريالات.
    فنشتري له ثياب كتان؛ لأن هذا هو المعتاد، فإذا كان كذلك فنقول: الزكاة من باب أولى أن نخرجها من مال اليتيم؛ لأنها أبلغ من أن يخرج من ماله لثوب يلبسه. انتهى

    وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 105): وأكثر السلف على إيجاب الزكاة في أموال اليتامى. انتهى

    وقال ابن المنذر في الإشراف (3/ 58):  واختلفوا في وجوب الزكاة في مال اليتيم، فقالت طائفة: تجب الزكاة في مال اليتيم.
    روينا هذا القول عن عمر، وبه قال علي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر، وعائشة، والحسن بن علي، وعطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، وابن سيرين، وبه قال ربيعه، ومالك، والثوري، والحسن بن صالح، وعبد الله بن الحسن، وابن عيينة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وسليمان بن حرب.

    وقال النخعي، وأبو وائل، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، ليس في مال اليتيم زكاة.

    وقال سعيد بن المسيب: لا زكاة حتى يحضر الصلاة ويصوم رمضان.

    وقال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: في ماله الزكاة غير أن الولي لا يخرجه، ولكن يحصيه فإذا بلغ أعلمه ليزكي عن نفسه.
    وقال ابن أبي ليلى: في ماله الزكاة ولكن الوصي إن أداها ضمن.

    وقد روينا عن ابن شبرمة أنه قال: لا أزكي مال اليتيم الذهب والفضة، ولكن البقر، والإبل، والغنم، وما ظهر من مال زكيته وما غاب عني لم طلبه.

    وقال أصحاب الرأي: لا زكاة في مال الطفل إلا فيما أخرجت الأرض؛ فإن الصدقة واجبة عليه فيما أخرجت أرضه دون سائر ماله. انتهى 


    ([1]) أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنه.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم